Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 37-39)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } هذا استفهام إنكار أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب إذ ليسوا خيراً من قوم تبع والأمم المهلكة ، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء . وقيل : المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً أم قوم تُبَّع . وقيل : أهم أعزّ وأشدّ وأمنع أم قوم تُبّع . وليس المراد بتُبّع رجلاً واحداً بل المراد به ملوك اليمن فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة . فتُبَّعْ لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين ، وكِسْرَى للفُرْس ، وقَيْصر للروم . وقال أبو عبيدة : سُمِّيَ كل واحد منهم تُبَّعاً لأنه يتبع صاحبه . قال الجوهري : والتبابعة ملوك اليمن ، واحدهم تُبّع . والتُّبَّع أيضاً الظِّل وقال : @ يَرد المياه حضِيرةً ونَفِيضةً وِرْدَ القطَاة إذا ٱسْمَألّ التُّبَّع @@ والتبع أيضاً ضرب من الطير . وقال السهيلي : تُبّع اسمٌ لكل مَلِك مَلَكَ اليمن والشِّحْر وحضرموت . وإن مَلكَ اليمن وحدها لم يقل له تُبّع قاله المسعودي . فمن التبابعة : الحارث الرائش ، وهو ابن همال ذي سدد . وأبرهة ذو المنار . وعمرو ذو الأذعار . وشمر بن مالك ، الذي تنسب إليه سَمَرْقَنْد . وأفريقيس بن قيس ، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان ، وبه سميت إفريقية . والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحداً من هؤلاء ، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشدّ من معرفة غيره ولذلك قال عليه السلام : " ولا أدري أتُبّع لَعِينٌ أم لا " ثم قد روي عنه أنه قال : " لا تَسُبُّوا تُبَّعاً فإنه كان مؤمناً " فهذا يدلّك على أنه كان واحداً بعينه وهو والله أعلم أبو كرب الذي كسا البيت بعدما أراد غزوه ، وبعدما غزا المدينة وأراد خرابها ، ثم ٱنصرف عنها لمّا أخبر أنها مُهاجَر نبيّ ٱسمه أحمد . وقال شعراً أودعه عند أهلها فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدّوْهُ إليه . ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد . وفيه : @ شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النَّسَمْ فلو مُدّ عمري إلى عمره لكنت وزيراً له وٱبنَ عَمْ @@ وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حُفر قبر له بصنعاء ويقال بناحية حمير في الإسلام ، فوجِد فيه امرأتان صحيحتان ، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب « هذا قبر حُبَّى ولَميس » ويروى أيضاً : « حبى وتماضر » ويروى أيضاً : « هذا قبر رضوى وقبر حُبّى ابنتا تبع ، ماتتا وهما تشهدان أن لا إلٰه إلا الله ولا يشركان به شيئاً وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما » . قلت : وروى ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه : « أما بعد ، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على دينك وسنتك ، وآمنت بربّك وربّ كل شيء ، وآمنت بكل ما جاء من ربّك من شرائع الإسلام فإن أدركتك فبِها ونِعمت ، وإن لم أدركك فٱشفع لي ولا تنسني يوم القيامة فإني من أمتك الأوّلين وبايعتك قبل مجيئك ، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام » . ثم ختم الكتاب ونقش عليه : { لِلَّهِ اْلأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد } [ الروم : 4 ] . وكتب على عنوانه « إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله ، خاتم النبيّين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم . من تُبّع الأول » . وقد ذكرنا بقيّة خبره وأوّله في « اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية » للفارابي رحمه الله . وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص . واختلف هل كان نبِيًّا أو مَلِكاً فقال ابن عباس : كان تُبّع نبيًّا . وقال كعب : كان تبع ملِكاً من الملوك ، وكان قومه كُهَّاناً وكان معهم قوم من أهل الكتاب ، فأمر الفريقين أن يقرّب كل فريق منهم قُرْبَاناً ففعلوا ، فَتُقُبّل قربان أهل الكتاب فأسلم . وقالت عائشة رضي الله عنها : لا تسبّوا تُبَّعاً فإنه كان رجلاً صالحاً . وحكى قتادة أن تبعاً كان رجلاً من حِمير ، سار بالجنود حتى عبر الحِيرة وأتى سَمَرْقَنْد فهدمها ، حكاه الماوردي . وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحِميري ، وكان سار بالجنود حتى عبر الحِيرة . وبنى سَمَرْقَنْد وقتل وهدم البلاد . وقال الكلبي : تبع هو أبو كَرِب أسعد بن ملكيكرب ، وإنما سمي تبعاً لأنه تَبِع مَن قبله . وقال سعيد بن جُبَير : هو الذي كسا البيت الحِبَرات . وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمّه ، وضرب بهم لقريش مثلاً لقربهم من دارهم وعِظمهم في نفوسهم فلما أهلكهم الله تعالى ومَن قبلهم لأنهم كانوا مجرمين كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك . وافتخر أهل اليمن بهذه الآية ، إذ جعل الله قوم تبع خيراً من قريش . وقيل : سُمِّيَ أوّلهم تبعاً لأنه ٱتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ } « الَّذِينَ » في موضع رفع عطف على « قَوْمُ تُبَّعٍ » . « أَهْلَكْنَاهُمْ » صلته . ويكون « مِنْ قَبْلِهِمْ » متعلقاً به . ويجوز أن يكون « مِنْ قَبْلِهِمْ » صلة « الَّذِينَ » ويكون في الظرف عائد إلى الموصول . وإذا كان كذلك كان « أَهْلَكْنَاهُمْ » على أحد أمرين : إمّا أن يقدّر معه « قد » فيكون في موضع الحال . أو يقدر حذف موصوف كأنه قال : قوم أهلكناهم . والتقدير أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاءِ المذكورين قدرنا على إهلاك المشركين . ويجوز أن يكون « وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » ابتداء خبره « أَهْلَكْنَاهُمْ » . ويجوز أن يكون « الَّذِينَ » في موضع جر عطفاً على « تُبَّعٍ » كأنه قال : قوم تبع المهلكين من قبلهم . ويجوز أن يكون « الَّذِينَ » في موضع نصب بإضمار فعل دلّ عليه « أَهْلَكْنَاهُمْ » . والله أعلم . قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } أي غَافلين قاله مقاتل . وقيل : لاهين وهو قول الكلبي . { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي إلا بالأمر الحق قاله مقاتل . وقيل : إلا للحق قاله الكلبي والحسن . وقيل : إلا لإقامة الحق وإظهاره من توحيد الله والتزام طاعته . وقد مضى هذا المعنى في « الأنبياء » . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } يعني أكثر الناس { لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك .