Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 100-100)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالىٰ : { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } . فيه ثلاث مسائل : الأُولىٰ قال الحسن : « الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ » الحلال والحرام . وقال السُّديّ : المؤمن والكافر . وقيل : المطيع والعاصي . وقيل : الرديء والجيد وهذا على ضرب المثال . والصحيح أن اللفظ عام في جميع الأُمور ، يُتصوَّر في المكاسب والأعمال ، والناس ، والمعارف من العلوم وغيرها فالخبيث من هذا كله لا يُفلح ولا يُنْجِب ، ولا تَحسن له عاقبة وإن كثر ، والطيّب وإن قلّ نافع جميل العاقبة . قال الله تعالىٰ : { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [ الأعراف : 58 ] . ونظير هذه الآية قوله تعالىٰ : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ صۤ : 28 ] وقوله : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الجاثية : 21 ] فالخبيث لا يساوي الطيّب مقداراً ولا إنفاقاً ، ولا مَكاناً ولا ذَهَاباً ، فالطيّب يأخذ جهة اليمين ، والخبيث يأخذ جهة الشّمال ، والطيّب في الجنّة ، والخبيث في النار . وهذا بيّن . وحقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة ، ومثله الاستقامة وضدّها الاعوجاج . ولما كان هذا وهي : الثانية قال بعض علمائنا : إنّ البيع الفاسد يُفسَخ ولا يُمضَى بحَوالة سُوق ، ولا بتغير بدن ، فيستوي في إمضائه مع البيع الصحيح ، بل يُفْسخ أبداً ، ويُردّ الثمن على المبتاع إن كان قبضه ، وإن تلف في يده ضمنه لأنه لم يقبضه على الأمانة ، وإنما قبضه بشبهة عقد . وقيل : لا يُفسَخ نظراً إلى أن البيع إذا فُسخ وردّ بعد الفوت يكون فيه ضرر وغَبْن على البائع ، فتكون السلعة تساوي مائة وتردّ عليه وهي تساوي عشرين ، ولا عقوبة في الأموال . والأوّل أصح لعموم الآية ، ولقوله عليه السَّلام : " من عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ " . قلت : وإذا تُتبع هذا المعنى في عدم الاستواء في مسائل الفقه تعدّدت وكثرت ، فمن ذلك الغاصب وهي : الثالثة إذا بنى في البقعة المغصوبة أو غَرَس فإنه يلزمه قلع ذلك البناء والغرس لأنه خبيث ، ورَدّها خلافاً لأبي حنيفة في قوله : لا يَقلع ويأخذ صاحبها القيمة . وهذا يَرده قوله عليه السَّلام : " ليس لِعْرقٍ ظالمٍ حقٌّ " قال هشام : العرق الظَّالم أن يَغْرِس الرجل في أرض غيره ليستحقّها بذلك . قال مالك : العِرْق الظالم كل ما أخذ وٱحتفر وغُرس في غير حق . قال مالك : من غَصَب أرضاً فزرعها ، أو أَكْرَاها ، أو داراً فسكنها أو أَكْرَاها ، ثم استحقها ربها أن على الغاصب كراء ما سكن وردّ ما أخذ في الكِراء . واختلف قوله إذا لم يسكنها أو لم يزرع الأرض وعطّلها فالمشهور من مذهبه أنه ليس عليه فيه شيء وقد روي عنه أنه عليه كِراء ذلك كله . واختاره الوَقَّار ، وهو مذهب الشافعي لقوله عليه السَّلام : " ليس لِعرقٍ ظالمٍ حقٌّ " وروى أبو داود عن أبي الزُّبير أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : غَرَس أحدهما نخلاً في أرض الآخر ، فقضى لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها ، قال : فلقد رأيتها ، وإنها لتضرب أُصولها بالفُؤس حتى أخرجت منها وإنّها لنخل عُمٌّ . وهذا نص . قال ابن حبيب : والحكم فيه أن يكون صاحب الأرض مخيّراً على الظالم ، إن شاء حبس ذلك في أرضه بقيمته مقلوعاً ، وإن شاء نزعه من أرضه وأجر النزع على الغاصب . وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بنى في رِباع قوم بإذنهم فله القيمة ومن بنى بغير إذنهم فله النقض " قال علماؤنا : إنما تكون له القيمة لأنه بنى في موضع يملك منفعته . وذلك كمن بنى أو غرس بشبهة فله حقّ إن شاء رب المال أن يدفع إليه قيمته قائماً ، وإن أبى قيل للذي بنى أو غرس : ٱدفع إليه قيمة أرضه بَرَاحاً فإن أبى كانا شريكين . قال ٱبن الماجِشون : وتفسير ٱشتراكهما أن تُقوَّم الأرض بَراحا ، ثم تُقوّم بعمارتها فما زادت قيمتها بالعمارة على قيمتها بَرَاحاً كان العامل شريكاً لربّ الأرض فيها ، إن أَحبّا قَسَما أو حَبَسا . قال ابن الجَهْم : فإذا دفع رب الأرض قيمة العمارة وأخذ أرضه كان له كِراؤها فيما مضى من السنين . وقد روي عن ابن القاسم وغيره أنه إذا بنى رجل في أرض رجل بإذنه ثم وجب له إخراجه ، فإنه يعطيه قيمة بنائه مقلوعاً . والأوّل أصح لقوله عليه السَّلام : " فله القيمة " وعليه أكثر الفقهاء . الرابعة قوله تعالىٰ : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } قيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعجبه الخبيث . وقيل : المراد به النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، وإعجابه له أنه صار عنده عجباً مما يشاهده من كثرة الكفار والمال الحرام ، وقلة المؤمنين والمال الحلال . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تقدّم معناه .