Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 29-34)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَذَكِّرْ } أي فذكر يا محمد قومك بالقرآن . { فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } يعني برسالة ربك { بِكَاهِنٍ } تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وَحْي . { وَلاَ مَجْنُونٍ } وهذا ردّ لقولهم في النبيّ صلى الله عليه وسلم فعقبة بن أبي مُعَيْط قال : إنه مجنون ، وشيبة بن ربيعة قال : إنه ساحر ، وغيرهما قال : كاهن فأكذبهم الله تعالى وردّ عليهم . ثم قيل : إن معنى « فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ » القسم أي وبنعمة الله ما أنت بكاهن ولا مجنون . وقيل : ليس قسماً ، وإنما هو كما تقول : ما أنت بحمد الله بجاهل أي قد برأك الله من ذلك . قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ } أي بل يقولون محمد شاعر . قال سيبويه : خوطب العباد بما جرى في كلامهم . قال أبو جعفر النحاس : وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبيّن ولا مشروح يريد سيبويه أن « أَمْ » في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث كما قال : @ أَتَهْجُـر غَانيـةً أَمْ تُلِـمْ @@ فتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال : @ أَمِ الْحَبْـلُ وَاهٍ بهـا مُنْجَـذِمْ @@ فما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث ، والنحويون يمثلونها ببل . { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } قال قتادة : قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان . قال الضحاك : هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر أي يهلك عن قريب كما هلك مَنْ قبلُ من الشعراء ، وأن أباه مات شابًّا فربما يموت كما مات أبوه . وقال الأخفش : نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر ، كما تقول : قصدت زيداً وقصدت إلى زيد . والمنون : الموت في قول ٱبن عباس . قال أبو الغَوِل الطُّهوِي : @ هُم مَنَعُوا حِمَى الْوَقَبَى بِضَرْبٍ يُؤَلِّف بين أَشْتَاتِ الْمَنُونِ @@ أي المنايا يقول : إن الضرب يجمع بين قوم متفرّقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم لأتتهم متفرقة ، فاجتمعوا في موضع واحد فأتتهم المنايا مجتمعة . وقال السدّي عن أبي مالك عن ٱبن عباس : « رَيْبَ » في القرآن شكٌّ إلا مَكاناً واحداً في الطور « رَيْبَ الْمَنُونِ » يعني حوادث الأمور وقال الشاعر : @ تَرَبَّصْ بها رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّها تُطَلَّقُ يوماً أو يَموتُ حَلِيلُها @@ وقال مجاهد : { رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } حوادث الدهر ، والمنون هو الدهر قال أبو ذُؤَيْب : @ أَمِنَ الْمَنُونِ ورَيْبِه تَتَوجَّعُ والدَّهْرُ لَيس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجزَعُ @@ وقال الأعشى : @ أَأَنْ رَأَتْ رجلاً أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ رَيْب المنونِ ودَهرٌ مُتْبِلٌ خَبِل @@ قال الأصمعي : المنون الليل والنهار وسميا بذلك لأنهما ينقصان الأعمار ويقطعان الآجال . وعنه : أنه قيل للدهر منون ، لأنه يذهب بمُنَّة الحيوان أي قوتِه وكذلك المنِيَّة . أبو عبيدة : قيل للدهر منون لأنه مُضْعِف ، من قولهم حَبْلٌ منِين أي ضعيف ، والمنين الغبار الضعيف . قال الفراء : والمنون مؤنثة وتكون واحداً وجمعاً . الأصمعي : المنون واحد لا جماعة له . الأخفش : هو جماعة لا واحد له ، والمنون يذكر ويؤنّث فمن ذكّره جعله الدهر أو الموت ، ومن أنّثه فعلى الحمل على المعنى كأنه أراد المنية . قوله تعالى : { قُلْ تَرَبَّصُواْ } أي قل لهم يا محمد تربصوا أي ٱنتظروا . { فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } أي من المنتظرين بكم العذاب فعُذِّبوا يوم بدر بالسيف . قوله تعالى : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ } أي عقولهم { بِهَـٰذَآ } أي بالكذب عليك . { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي أم طَغَوْا بغير عقول . وقيل : « أَمْ » بمعنى بل أي بل كفروا طغياناً وإن ظهر لهم الحق . وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل ؟ فقال : تلك عقول كادها الله أي لم يصحبها بالتوفيق . وقيل : « أَحْلاَمُهُمْ » أي أذهانهم لأن العقل لا يُعطَى للكافر ولو كان له عقل لآمن . وإنما يعطى الكافر الذهن فصار عليه حجة . والذِّهن يقبل العلم جملةً ، والعقل يميّز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي . وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " أن رجلاً قال : يا رسول الله ، ما أعقل فلاناً النصراني ! فقال : « مَهْ إنّ الكافر لا عقل له أما سمعت قول الله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } » " وفي حديث ٱبن عمر : " فزجره النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : « مَهْ فإن العاقل من يعمل بطاعة الله « " ذكره الترمذي الحكيم أبو عبد الله بإسناده . { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } أي ٱفتعله وٱفتراه ، يعني القرآن . والتقوّل تكلُّف القول ، وإنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر . ويقال قوّلتني ما لم أقل ! وأقْوَلتني ما لم أقل أي ٱدّعيته عليّ . وتَقَوَّل عليه أي كذب عليه . وٱقتال عليه تحكَّم قال : @ ومَنْزِلةٌ في دارِ صِدْقٍ وغِبْطَةٍ ومَا ٱقْتالَ مِن حُكْمٍ عَلَيَّ طَبِيبُ @@ فأم الأولى للإنكار والثانية للإيجاب أي ليس كما يقولون . { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } جَحداً وٱستكباراً . { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } أي بقرآن يشبهه من تلقاء أنفسهم { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } في أن محمداً ٱفتراه . وقرأ الجحدري { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } بالإضافة . والهاء في « مثله » للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأضيف الحديث الذي يراد به القرآن إليه لأنه المبعوث به . والهاء على قراءة الجماعة للقرآن .