Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 35-43)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } « أَمْ » صلة زائدة والتقدير أخلقوا من غير شيء . قال ٱبن عباس : من غير ربّ خلقهم وقدّرهم . وقيل : من غير أمّ ولا أب فهم كالجماد لا يعقلون ولا تقوم للَّهِ عليهم حجة ليسوا كذلك ! أليس قد خُلِقوا من نطفة وعلقة ومضغة ؟ قاله ٱبن عطاء . وقال ٱبن كيسان : أم خُلِقوا عبثاً وتُرِكوا سُدًى « مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ » أي لغير شيء فـ « ـمن » بمعنى اللام . { أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } أي أيقولون إنهم خَلَقوا أنفسهم فهم لا يأتمرون لأمر الله وهم لا يقولون ذلك ، وإذا أقرّوا أن ثَمَّ خالقاً غيرهم فما الذي يمنعهم من الإقرار له بالعبادة دون الأصنام ، ومن الإقرار بأنه قادر على البعث . { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي ليس الأمر كذلك فإنهم لم يخلقوا شيئاً { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } بالحق { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } أَم عندهم ذلك فيستغنوا عن الله ويُعرِضوا عن أمره . وقال ٱبن عباس : خزائن ربك المطر والرزق . وقيل : مفاتيح الرحمة . وقال عكرمة : النبوة . أي أفبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة يضعونها حيث شاؤوا . وضرب المثل بالخزائن لأن الخزانة بيت يهيأ لجمع أنواع مختلفة من الذخائر ومقدورات الربّ كالخزائن التي فيها من كل الأجناس فلا نهاية لها . { أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } قال ٱبن عباس : المسلَّطون الجبّارون . وعنه أيضاً : المبطلون . وقاله الضحاك . وعن ٱبن عباس أيضاً : أم هم المتولّون . عطاء : أم هم أرباب قاهرون . قال عطاء : يقال تسيطرت عليّ أي ٱتخذتني خَوَلاً لك . وقاله أبو عبيدة . وفي الصحاح : المسيطر والمصيطر المسلّط على الشيء ليُشرِف عليه ويتعهدَ أحوالَه ويكتب عمله ، وأصله من السَّطر لأن الكتاب يُسَطَّر والذي يفعله مُسَطِّر ومُسَيْطِر . يقال سَيْطرتَ علينا . ٱبن بحر : { أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } أي هم الحفظة مأخوذ من تسطير الكتاب الذي يحفظ ما كتب فيه فصار المسيطر ها هنا حافظاً ما كتبه الله في اللوح المحفوظ . وفيه ثلاث لغات : الصاد وبها قرأت العامة ، والسين وهي قراءة ٱبن مُحيصِن وحُميد ومجاهد وقُنْبُل وهشام وأبي حَيْوة ، وبإشمام الصاد الزاي وهي قراءة حمزة كما تقدّم في { الصِّراط } [ الفاتحة : 6 ] . قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } أي أيدّعون أن لهم مُرتقىً إلى السماء ومصعداً وسبباً { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } أي عليه الأخبارَ ويَصِلون به إلى علم الغيب ، كما يصل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي . { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بحجة بيّنة أن هذا الذي هم عليه حقّ . والسُّلم واحد السلالم التي يرتقى عليها . وربما سمي الغرز بذلك قال أبو الرُّبَيْس الثعلبي يصف ناقته : @ مُطَارَةُ قَلْبٍ إن ثَنَى الرِّجْلَ ربُّها بِسُلَّمِ غَرْزٍ في مُنَاخٍ يُعاجلُه @@ وقال زهير : @ ومَنْ هابَ أسبابَ المنِيَّةِ يَلْقَها ولَوْ رَامَ أسبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ @@ وقال آخر : @ تَجَنَّيت لي ذنباً وما إِنْ جَنَيْتُه لِتَتَّخِذِي عُذْراً إلى الهَجْرِ سُلَّما @@ وقال ٱبن مُقبل في الجمع : @ لا تُحْرِزُ المرءَ أَحْجاءُ البِلاَدِ وَلاَ يُبْنَى له في السَّمَواتِ السَّلاَلِيمُ @@ الأحجاء النواحي مثل الأرجاء واحدها حَجّاً ورَجّاً مقصور . ويروى : أعْناء البلاد ، والأعْناء أيضاً الجوانب والنواحي واحدها عِنْو بالكسر . وقال ٱبن الأعرابي : واحدها عَناً مقصور . وجاءنا أعناء من الناس واحدهم عِنْو بالكسر ، وهم قوم من قبائل شتَّى . { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } أي عليه كقوله تعالى : { فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] أي عليها قاله الأخفش . وقال أبو عبيدة : يستمعون به . وقال الزجاج : أي ألهم كجبريل الذي يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوحي . قوله تعالى : { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } سَفَّه أحلامهم توبيخاً لهم وتقريعاً . أي أتضيفون إلى الله البنات مع أَنَفَتكم منهن ، ومن كان عقله هكذا فلا يُستبعد منه إنكار البعث . { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً } أي على تبليغ الرسالة . { فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } أي فهم من المغرم الذي تطلبهم به « مُثْقَلُونَ » مجهدون لما كلفتهم به . { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } أي يكتبون للناس ما أرادوه من علم الغيوب . وقيل : أي أم عندهم علم ما غاب عن الناس حتى علموا ما أخبرهم به الرسول من أمر القيامة والجنة والنار والبعث باطل . وقال قتادة : لما قالوا نتربص به ريب المنون قال الله تعالى : { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } حتى علموا متى يموت محمد أو إلى ما يؤول إليه أمره . وقال ٱبن عباس : أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون الناس بما فيه . وقال القتبي : يكتبون يحكمون والكتاب الحكم ومنه قوله تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ] أي حكم ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لأحكمن بينكم بكتاب الله " أي بحكم الله . قوله تعالى : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } أي مكراً بك في دار النَّدْوة . { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } أي الممكور بهم { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] وذلك أنهم قتلوا ببدر . { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } يخلق ويرزق ويمنع . { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } نزّه نفسه أن يكون له شريك . قال الخليل : كل ما في سورة « والطور » من ذِكر « أَمْ » فكلمة ٱستفهام وليس بعطف .