Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-21)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } وجه الاتصال أن الإنسان قد يترك الجهاد خوفاً على نفسه من القتل ، وخوفاً من لزوم الموت فبين أن الحياة الدنيا منقضِية فلا ينبغي أن يترك أمر الله محافظة على ما لا يبقى . و « ما » صلة تقديره : ٱعلموا أنّ الحياة الدنيا لعِب باطل ولهو فرحٍ ثم ينقضي . وقال قتادة : لعب ولهو : أكل وشرب . وقيل : إنه على المعهود من ٱسمه قال مجاهد : كل لعب لهو . وقد مضى هذا المعنى في « الأنعام » وقيل : الَّلعب ما رَغَّب في الدنيا ، واللَّهو ما ألهى عن الآخرة أي شَغل عنها . وقيل : اللعب الاقتناء ، واللهو النساء . { وَزِينَةٌ } الزينة ما يتزين به فالكافر يتزين بالدنيا ولا يعمل للآخرة ، وكذلك من تزين في غير طاعة الله . { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أي يفخر بعضكم على بعض بها . وقيل : بالخلقة والقوة . وقيل : بالأنساب على عادة العرب في المفاخرة بالآباء . وفي صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد " وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية الفخر في الأحساب " الحديث . وقد تقدم جميع هذا . { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ } لأن عادة الجاهلية أن تتكاثر بالأبناء والأموال ، وتكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعة . قال بعض المتأخرين : « لَعِبٌ » كلعب الصبيان « ولَهْوٌ » كلهو الفتيان « وَزِينَةٌ » كزينة النسوان « وَتَفَاخُرٌ » كتفاخر الأقران « وَتَكَاثُرٌ » كتكاثر الدُّهقان . وقيل : المعنى أن الدنيا كهذه الأشياء في الزوال والفناء . وعن عليّ رضي الله عنه قال لعمّار : لا تحزن على الدنيا فإن الدنيا ستة أشياء : مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة ، وأكثر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان ، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة ، وأفضل المشموم المِسك وهو دم فأرة ، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال ، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها . ثم ضرب الله تعالى لها مثلاً بالزرع في غيث فقال : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } أي مطر { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } الكفّار هنا : الزرّاع لأنهم يغطّون البذر . والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار ، ثم لا يلبث أن يصير هشِيماً كأن لم يكن ، وإذا أعجب الزراع فهو غاية ما يستحسن . وقد مضى معنى هذا المثل في « يونس » و « الكهف » . وقيل : الكفّار هنا الكافرون بالله عز وجل لأنهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين . وهذا قول حسن فإن أصل الإعجاب لهم وفيهم ، ومنهم يظهر ذلك ، وهو التعظيم للدنيا وما فيها . وفي الموحدين من ذلك فروع تحدث من شهواتهم ، وتتقلل عندهم وتدِق إذا ذكروا الآخرة . وموضع الكاف رفع على الصفة . { ثُمَّ يَهِيجُ } أن يجفّ بعد خضرته { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } أي متغيراً عما كان عليه من النضرة . { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } أي فُتاتاً وتِبْناً فيذهب بعد حسنه ، كذلك دنيا الكافر . { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي للكافرين . والوقف عليه حسن ، ويبتدىء { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانٌ } أي للمؤمنين . وقال الفراء : { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ } تقديره إما عذاب شديد وإما مغفرة ، فلا يوقف على « شَدِيدٌ » . { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } هذا تأكيد ما سبق أي تغر الكفار ، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة . وقيل : العمل للحياة الدنيا متاع الغرورِ تزهيداً في العمل للدنيا ، وترغيباً في العمل للآخرة . قوله تعالى : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم . وقيل : سارعوا بالتوبة لأنها تؤدي إلى المغفرة قاله الكلبي . وقيل التكبيرة الأولى مع الإمام قاله مكحول . وقيل : الصف الأول . { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } لو وصل بعضها ببعض . قال الحسن : يعني جميع السموات والأرضين مبسوطتان كل واحدة إلى صاحبتها . وقيل : يريد لرجل واحد أي لكل واحد جنة بهذه السعة . وقال ٱبن كيسان : عنى به جنّة واحدة من الجنّات . والعرض أقل من الطول ومن عادة العرب أنها تعبِّر عن سِعَةِ الشيء بعرضه دون طوله . قال : @ كَأَنّ بِلاَدَ اللَّهِ وَهْيَ عَرِيضَةٌ على الْخَائِفِ المطْلوبِ كِفَّةُ حابِلِ @@ وقد مضى هذا كله في « آل عِمران » . وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل الحيرة لعمر رضي الله عنه : أرأيت قول الله عز وجل : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } فأين النار ؟ فقال لهم عمر : أرأيتم الليل إذا وَلَّى وجاء النهار أين يكون الليل ؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله . { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } شرط الإيمان لا غير ، وفيه تقوية الرجاء . وقد قيل : شرط الإيمان هنا وزاد عليه في « آل عمران » فقال : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 133 - 134 ] . { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي إن الجنة لا تُنال ولا تُدخل إلا برحمة الله تعالى وفضله . وقد مضى هذا في « الأعراف » وغيرها . { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } .