Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 22-24)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ } قال مقاتل : القحط وقلة النبات والثمار . وقيل : الجوائح في الزرع . { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } بالأوصاب والأسقام قاله قتادة . وقيل : إقامة الحدود قاله ٱبن حيان . وقيل : ضيق المعاش وهذا معنى رواه ٱبن جريج . { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } يعني في اللوح المحفوظ . { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } الضمير في « نَبْرَأَهَا » عائد على النفوس أو الأرض أو المصائب أو الجميع . وقال ٱبن عباس : من قبل أن يخلق المصيبة . وقال سعيد بن جبير : من قبل أن يخلق الأرض والنفس . { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي خَلْق ذلك وحِفْظ جميعه { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } هيّن . قال الربيع بن صالح : لما أخِذ سعيد ابن جبير رضي الله عنه بَكَيت فقال : ما يبكيك ؟ قلت : أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه . قال : فلا تبك فإنه كان في علم الله أن يكون ، ألم تسمع قوله تعالى : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } الآية . وقال ٱبن عباس : لما خلق الله القلم قال له ٱكتب ، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة . ولقد ترك لهذه الآية جماعةٌ من الفضلاء الدواء في أمراضهم فلم يستعملوه ثقة بربهم وتوكّلاً عليه ، وقالوا قد علم الله أيام المرض وأيام الصحة ، فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا قال الله تعالى : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } . وقد قيل : إن هذه الآية تتصل بما قبل ، وهو أن الله سبحانه هوّن عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتلٍ وجرح . وبيّن أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على الأموال وما يقع فيها من خسران ، فالكل مكتوب مقدّر لا مدفع له ، وإنما على المرء ٱمتثال الأمر ، ثم أدبهم فقال هذا : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فُرِغ منه لم يأسوا على ما فاتهم منه . وعن ٱبن مسعود أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : " « لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه » ثم قرأ { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } " أي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } أي من الدنيا قاله ٱبن عباس . وقال سعيد بن جبير : من العافية والخصب . وروى عِكرمة عن ٱبن عباس : ليس مِن أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً ، وغنيمته شكراً . والحزن والفرح المنهيّ عنهما هما اللذان يتعدّى فيهما إلى ما لا يجوز قال الله تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي متكبر بما أوتي من الدنيا ، فخور به على الناس . وقراءة العامة « آتَاكُمْ » بمد الألف أي أعطاكم من الدنيا . وٱختاره أبو حاتم . وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو « أَتَاكُمْ » بقصر الألف وٱختاره أبو عبيد . أي جاءكم ، وهو معادل لـ « ـفَاتَكُمْ » ولهذا لم يقل أفاتكم . قال جعفر بن محمد الصادق : يا بن آدم ما لك تأسى على مفقود لا يردّه عليك الفوت ، أو تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت . وقيل لبرزجمهر : أيها الحكيم ! ما لك لا تحزن على ما فات ، ولا تفرح بما هو آت ؟ قال : لأن الفائت لا يتلافى بالْعَبْرَةِ ، والآتي لا يستدام بالحَبْرَةِ . وقال الفضيل بن عِياض في هذا المعنى الدنيا مُبِيد ومُفِيد فما أباد فلا رجعة له ، وما أفاد آذن بالرحيل . وقيل : المختال الذي ينظر إلى نفسه بعين الافتخار ، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاحتقار ، وكلاهما شِرك خفيّ . والفخور بمنزلة المُصَرَّاةِ تُشَدّ أخلافهما ليجتمع فيها اللبن ، فيتوهم المشتري أنّ ذلك معتاد وليس كذلك فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً وزينةً وهو مع ذلك مدّع فهو الفخور . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } أي لا يحب المختالين « ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ » فـ « ـالَّذِينَ » في موضع خفض نعتاً للمختال . وقيل : رفع بابتداء أي الذين يبخلون فالله غنيٌّ عنهم . قيل : أراد رؤساء اليهود الذين يبخلون ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي في كتبهم لِئلا يؤمن به الناس فتذهب مأكلتهم قاله السدي والكلبي . وقال سعيد بن جبير : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } يعني بالعلم { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } أي بألاّ يعلِّموا الناس شيئاً . زيد ابن أسلم : إنه البخل بأداء حقّ الله عز وجل . وقيل : إنه البخل بالصدقة والحقوق قاله عامر بن عبد الله الأشعريّ . وقال طوس : إنه البخل بما في يديه . وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى . وفرّق أصحاب الخواطِر بين البخل والسخاء بفرقين : أحدهما أن البخيل الذي يلتذ بالإمساك . والسخيّ الذي يلتذ بالإعطاء . الثاني : أن البخيل الذي يعطي عند السؤال ، والسخيّ الذي يعطي بغير سؤال . { وَمَن يَتَوَلَّ } أي عن الإيمان { فَإِنَّ ٱللَّهَ } غنيّ عنه . ويجوز أن يكون لما حثّ على الصدقة أعلمهم أن الذين يبخلون بها ويأمرون الناس بالبخل بها فإن الله غنيّ عنهم . وقراءة العامة { بِٱلْبُخْلِ } بضم الباء وسكون الخاء . وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيـى بن يعمر ومجاهد وحميد وَٱبن محيصن وحمزة والكسائي « بِالْبَخَلِ » بفتحتين وهي لغة الأنصار . وقرأ أبو العالية وٱبن السَّمَيْقع « بِالْبَخْل » بفتح الباء وإسكان الخاء . وعن نصر بن عاصم « الْبُخُلِ » بضمتين وكلها لغات مشهورة . وقد تقدّم الفرق بين البخل والشحّ في آخر « آل عمران » . وقرأ نافع وٱبن عامر { فَإِنَّ ٱللَّهَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } بغير « هُوَ » . والباقون « هُوَ الْغَنِيُّ » على أن يكون فصلاً . ويجوز أن يكون مبتدأ و « الْغَنِيُّ » خبره والجملة خبر إن . ومن حذفها فالأحسن أن يكون فصلاً لأن حذف الفصل أسهل من حذف المبتدأ .