Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 4-4)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ } يعني حفصة وعائشة ، حَثَّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } أي زاغت ومالت عن الحق . وهو أنهما أَحَبَّتَا ما كَرِه النبيّ صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل ، وكان عليه السلام يحبّ العسل والنساء . قال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سَرّهما أن يحتبس عن أم ولده ، فسرّهما ما كَرِهه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : فقد مالت قلوبكما إلى التوبة . وقال : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } ولم يقل : فقد صغى قلباكما ، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشّيئين من اثنين جمعوهما ، لأنه لا يُشْكل . وقد مضى هذا المعنى في « المائدة » في قوله تعالى : { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] . وقيل : كلما ثبتت الإضافة فيه مع التثنية فلفظ الجمع أليق به ، لأنه أمكن وأخف . وليس قوله : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } جزاء للشرط ، لأن هذا الصَّغْو كان سابقاً ، فجواب الشرط محذوف للعلم به . أي إن تتوبا كان خيراً لكما ، إذ قد صغت قلوبكما . قوله تعالى : { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي تتظاهرا وتتعاونا على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمعصية والإيذاء . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : مكثتُ سنةً وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية ، فما أستطيع أن أسأله هيبةً له ، حتى خرج حاجاً فخرجت معه ، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عَدل إلى الأراك لحاجة له ، فوقفت حتى فرغ ، ثم سرت معه فقلت : يا أمير المؤمنين ، مَن اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ؟ فقال : تلك حفصة وعائشة . قال فقلت له : والله إنْ كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبةً لك . قال : فلا تفعل ، ما ظننت أن عندي من علم فسَلْني عنه ، فإن كنتُ أعلمه أخبرتك … وذكر الحديث . { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ } أي وَلِيّه وناصره ، فلا يضرّه ذلك التظاهر منهما . { وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } قال عكرمة وسعيد بن جُبير : أبو بكر وعمر ، لأنهما أبوا عائشة وحفصة ، وقد كانا عوناً له عليهما . وقيل : صالح المؤمنين عليّ رضي الله عنه . وقيل : خيار المؤمنين . وصالح : اسم جنس كقوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } ، قاله الطَّبَرِي . وقيل : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } هم الأنبياء ، قاله العَلاَء بن زيادة وقتادة وسفيان . وقال ابن زيد : هم الملائكة . السدّي : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } ليس لفظ الواحد وإنما هو صالحو المؤمنين : فأضاف الصالحين إلى المؤمنين ، وكتب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه . كما جاءت أشياء في المصحف متنوّع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط . وفي صحيح مسلم " عن ابن عباس قال : حدّثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما اعتزل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال دخلت المسجد فإذا الناس ينْكُتُونُ بالحصى ويقولون : طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وذلك قبل أن يُؤْمَرْنَ بالحجاب ـ . فقال عمر : فقلت لأعْلمنّ ذلك اليوم ، قال فدخلتُ على عائشة فقلت : يابنة أبي بكر ، أَقَد بَلَغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : مالي ومالك يابن الخطاب ! عليك بِعيْبَتِك قال فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها : يا حفصة ، أَقَد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله لقد علمتِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحّبكِ ، ولولا أنا لطلّقَكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت أشدّ البكاء ، فقلت لها : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : هو في خِزانته في الْمَشْرُبَةَ . فدخلت فإذا أنا بِرَباحٍ غلامِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على أُسْكُفّةِ المَشْرُبَة مُدَلٍّ رجليه على نَقِيرٍ من خشب ، وهو جِذع يَرْقَى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر . فناديت : يا رباح ، استأذِن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رَباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً . ثم قلت : يا رَبَاح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رَبَاح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً . ثم رفعت صوتي فقلت : يا رَبَاح ، استأذِن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّ أني جئتُ من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنُقُها لأضربنّ عنقها ، ورفعت صوتي فأوْمَأَ إليّ أن ارْقَهْ فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير ، فجلست فَأَدْنَى عليه إزاره وليس عليه غيرُه وإذا الحصير قد أثّر في جنبه ، فنظرت ببصري في خِزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بِقَبْضَةٍ من شعيرٍ نحوِ الصاع ، ومِثلِها قرَظاً في ناحية الغُرفْة وإذا أَفِيقٌ معلَّق قال فابتدرتْ عيناي . قال : « ما يُبْكيك يابن الخطاب » ؟ قلت : يا نبيّ الله ، ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثّر في جنبك ، وهذه خِزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ! وذاك قَيْصَرُ وكِسْرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَفْوَتُه ، وهذه خِزانتك ! فقال : « يا بن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا » قلت : بلى . قال : ودخلتُ عليه حين دخلتُ وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ، ما يشقّ عليك من شأن النساء فإن كنتَ طلّقتهن فإن الله معك وملائكتَه وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك . وقلّما تكلّمتُ وأحْمَدُ الله بكلامٍ إلا رَجَوتُ أن يكون الله عز وجل يُصدّق قولي الذي أقول ونزلت هذه الآية ، آية التَّخيير : { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } . { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } . وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفْصَةُ تَظاهران على سائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله ، أطلّقتهنّ ؟ قال : « لا » . قلت : يا رسول الله ، إني دخلت المسجد والمسلمون يَنْكُتُون بالجصى يقولون : طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرَهم أنك لم تطلّقهن ؟ قال : « نعم إن شئت » . فلم أزل أحدّثه حتى تَحَسَّر الغضبُ عن وجهه ، وحتى كَشَر فضحك ، وكان من أحسن الناس ثَغْراً . ثم نزل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ونزلتُ فنزلت أتشبَّث بالجذْع ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده . فقلت : يا رسول الله ، إنما كنتَ في الغرفة تسعاً وعشرين . قال : « إن الشهر يكون تسعاً وعشرين » فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه " ونزلت هذه الآية : { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] . فكنت أنا استنبطتُ ذلك الأمرَ وأنزل الله آية التخيير . قوله تعالى : { وَجِبْرِيلُ } فيه لغات تقدّمت في سورة « البقرة » . ويجوز أن يكون معطوفاً على « مَوْلاَهُ » والمعنى : الله وَلِيُّهُ وجبريلُ ولِيّهُ فلا يوقف على « مَوْلاَهُ » ويوقف على « جِبْريلُ » ويكون { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } مبتدأ { وَالْمَلاَئِكَةُ } معطوفا عليه . و { ظَهِيرٌ } خبراً وهو بمعنى الجمع . وصالح المؤمنين أبو بكر قاله المسيّب بن شريك . وقال سعيد بن جُبير : عمر . وقال عكرمة : أبو بكر وعمر . وروى شقيق عن عبد الله : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى : { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } قال : إن صالح المؤمنين أبو بكر وعمر . وقيل : هو عليّ . " عن أسماء بنت عُمَيْس قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } عليّ بن أبي طالب » " وقيل غير هذا مما تقدم القول فيه . ويجوز أن يكون « وجِبْرِيلُ » مبتدأ وما بعده معطوفاً عليه . والخبر « ظَهِيرٌ » وهو بمعنى الجمع أيضاً . فيوقف على هذا على « مَوْلاَهُ » . ويجوز أن يكون { وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } معطوفاً على « مَوْلاَهُ » فيوقف على « المؤمنينَ » ويكون { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } ابتداء وخبراً . ومعنى « ظَهيرٌ » أعوان . وهو بمعنى ظهراء كقوله تعالى : { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] . وقال أبو عليّ : قد جاء فعيل للكثرة كقوله تعالى : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ } [ المعارج : 10 - 11 ] . وقيل : كان التظاهر منهما في التحكّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم في النفقة ، ولهذا آلى منهن شهراً واعتزلهنّ . وفي صحيح مسلم " عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأُذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأُذن له ، فوجد النبيّ صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً قال فقال لأقولن شيئاً أُضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، لو رأيت بنتَ خارِجة سألتني النفقة فقمتُ إليها فَوَجَأْتُ عُنُقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : « هُنّ حَوْلي كما ترى يسألْنَني النفقة » . فقام أبو بكر إلى عائشة يَجَأُ عنقها وقام عمر إلى حفصة يَجَأُ عنقها كلاهما يقول : تَسْأَلَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده . ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين . " ثم نزلت عليه هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ حتى بلغ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 28 - 29 ] الحديث . وقد ذكره في سورة « الأحزاب » .