Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 30-31)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } أي على سَقَر تسعة عشر من الملائكة يَلْقَون فيها أهلها . ثم قيل : على جملة النار تسعة عشر من الملائكة هم خَزَنتها مالكٌ وثمانيةَ عشَر ملَكاً . ويحتمل أن تكون التسعة عشر نقيباً ، ويحتمل أن يكون تسعة عشر ملَكاً بأعيانهم . وعلى هذا أكثر المفسرين . الثعلبيّ : ولا يُنكر هذا ، فإذا كان مَلَك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن يكون تسعة عشر على عذاب بعض الخلائق . وقال ٱبن جريج : " نعت النبيّ صلى الله عليه وسلم خَزَنة جهنم فقال : « فكأنّ أعينهم البَرْق ، وكأن أفواههم الصياصي ، يجرّون أشعارهم ، لأحدهم من القوة مثل قوة الثقلين ، يسوق أحدهم الأمّة وعلى رقبته جبل ، فيرميهم في النار ، ويرمى فوقهم الجبل » " . قلت : وذكر ٱبن المبارك قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ، عن رجل من بني تميم قال : كنا عند أبي العوام ، فقرأ هذه الآية { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فقال ما تسعةَ عَشَر ؟ تسعة عشر ألف مَلَك ، أو تسعة عشر مَلكاً ؟ قال : قلت : لا بل تسعةَ عَشَر مَلكاً . فقال : وأنَّى تعلم ذلك ؟ فقلت : لقول الله عز وجل : { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال : صدقت هم تسعة عشر مَلَكاً ، بيد كل مَلَك منهم مِرْزَبَة لها شُعْبتان ، فيضرب الضربة فيهوي بها في النار سبعين ألفاً . وعن عمرو بن دينار : كل واحد منهم يدفع بالدَّفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومُضَرَ . خرَّج الترمذيّ عن جابر بن عبد الله قال : " قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم : هل يعلم نبيكم عدد خَزَنة جهنم ؟ قالوا : لا ندري حتى نسأل نبينا . فجاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد غُلِب أصحابك اليوم فقال : « وَبِمَ غُلِبوا » ؟ قال : سألهم يهود : هل يعلم نبيكم عدد خَزَنة جهنم ؟ قال : « فماذا قالوا » ؟ قال : قالوا لا ندري حتى نسأل نبيّنا . قال : « أفغُلِب قوم سئلوا عما لا يعلمون ، فقالوا لا نعلم حتى نسأل نبينا ؟ لكنهم قد سألوا نبيهم فقالوا أرنا الله جَهْرة ، عليّ بأعداء الله ! إني سائلهم عن تُرْبة الجنة وهي الدَّرْمَك » . فلما جاؤوا قالوا : يا أبا القاسم كم عدد خَزَنة جهنم ؟ قال : « هكذا وهكذا » في مرة عشرة وفي مرة تسعة . قالوا : نعم . قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ما تُرْبة الجنة » قال : فسكتوا هنيهة ثم قالوا : أخبزة يا أبا القاسم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الخبزُ من الدَّرْمَك » " قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد عن الشَّعْبي عن جابر . وذكر ٱبن وهب قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم : « ما بين مَنِكَبيْ أحدهم كما بين المشرق والمغرب » " وقال ٱبن عباس : ما بين مَنِكبي الواحد منهم مَسيرة سنة ، وقوّة الواحد منهم أن يضرب بالمِقْمَع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم . قلت : والصحيح إن شاء الله أن هؤلاء التسعة عَشَر ، هم الرؤساء والنقباء ، وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها كما قال الله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [ المدثر : 31 ] وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها " وقال ٱبن عباس وقتادة والضحاك : لما نزل : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال أبو جهل لقريش : ثِكلتكم أمهاتكمٰ أسْمعُ ٱبن أبي كبشة يخبركم أن خَزَنة جهنم تسعة عشر ، وأنتم الدَّهْم أي العَدد والشجعان ، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ! قال السُّديّ : فقال أبو الأسود بن كَلَدة الجُمَحيّ : لا يهولنكم التسعة عشر ، أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة ، وبمنكبي الأيسر التسعة ، ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئاً . في رواية : أن الحرث بن كَلَدة قال أنا أكفيكم سبعة عشر ، وٱكفوني أنتم ٱثنين . وقيل : إن أبا جهل قال أفيعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ، ثم تخرجون من النار ؟ فنزل قوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } أي لم نجعلهم رجالاً فتتعاطون مغالبتهم . وقيل : جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذَّبين من الجنّ والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقّة ، ولا يستروِحون إليهم ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له ، فتؤمن هوادتهم ولأنهم أشدّ خلق الله بأساً وأقواهم بطشاً . { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً } أي بليّة . وروي عن ٱبن عباس من غير وجه قال : ضلالة للذين كفروا ، يريد أبا جهل وذويه . وقيل : إلا عذاباً ، كما قال تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ . ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } [ الذاريات : 13 - 14 ] . أي جعلنا ذلك سبب كفرهم وسبب العذاب . وفي « تِسْعَةَ عَشَرَ » سبع قراءات : قراءة العامة « تِسْعَةَ عَشَرَ » . وقرأ أبو جعفر بن القَعْقاع وطلحة بن سليمان « تِسْعَةَ عْشَرَ » بإسكان العين . وعن ٱبن عباس « تِسْعَةُ عَشَرَ » بضم الهاء . وعن أنس بن مالك « تِسْعَةُ وَعَشَرْ » وعنه أيضاً « تِسْعَةُ وَعَشْرُ » . وعنه أيضاً « تِسْعَةُ أَعْشُر » ذكرها المهدويّ وقال : من قرأ « تِسْعَةَ عْشَرَ » أسكن العين لتوالي الحركات . ومن قرأ « تِسْعَةُ وَعَشَرْ » جاء به على الأصل قبل التركيب ، وعطف عشراً على تسعة ، وحذف التنوين لكثرة الاستعمال ، وأسكن الراء من عشر على نية السكوت عليها . ومن قرأ « تِسْعَةُ عَشَرْ » فكأنه من التداخل كأنه أراد العطف وترك التركيب ، فرفع هاء التأنيث ، ثم راجع البناء وأسكن . وأما « تِسعةُ أَعْشُر » : فغير معروف ، وقد أنكرها أبو حاتم . وكذلك « تِسعةُ وَعَشْر » لأنها محمولة على « تِسعةُ أَعْشُر » والواو بدل من الهمزة ، وليس لذلك وجه عند النحويين . الزمخشريّ : وقريء « تِسْعَةُ أَعْشُر » جمع عَشِير ، مثْل يَمين وأَيْمنُ . قوله تعالى : { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عِدة خَزَنة جهنم موافقة لما عندهم قاله ٱبن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم . ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلاَم . ويحتمل أنه يريد الكل . { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِيمَاناً } بذلك لأنهم كلما صدّقوا بما في كتاب الله آمنوا ، ثم ٱزدادوا إيماناً لتصديقهم بعدد خَزَنة جهنم . { وَلاَ يَرْتَابَ } أي ولا يشك { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي أعطوا الكتاب { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أي المصدّقون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أن عِدة خزنة جهنم تسعة عشر . { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة ، الذين يَنجمُون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ، ولم يكن بمكة نفاق وإنما نَجَم بالمدينة . وقيل : المعنى أي وليقول المنافقون الذين يَنجمُون في مستقبل الزمان بعد الهجرة . { وَٱلْكَافِرُونَ } أي اليهود والنصارى { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } يعني بعدد خزنة جهنم . وقال الحسين بن الفضل : السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق فالمرض في هذه الآية الخلاف و { وَٱلْكَافِرُونَ } أي مشركو العرب . وعلى القول الأوّل أكثر المفسرين . ويجوز أن يراد بالمرض : الشك والارتياب لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، وبعضهم قاطعين بالكذب ، وقوله تعالى إخباراً عنهم : { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ } أي ما أراد « بِهَذَا » العدد الذي ذكره حديثاً ، أي ما هذا من الحديث . قال الليث : المَثَل الحديث ومنه : « مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعدَ الْمُتَّقُونَ » أي حديثها والخبر عنها { كَذَلِكَ } أي كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لَخَزنة جهنم { يُضِلُّ ٱللَّهُ } أي يخزي ويعمِي { مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي } أي ويرشد { مَن يَشَآءُ } كإرشاد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ } عن الجنة { مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي } إليها { مَن يَشَآءُ } . { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } أي وما يدري عدد ملائكة ربّك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار « إِلاّ هُوَ » أي إلا الله جلّ ثناؤه . وهذا جواب لأبي جهل حين قال : أمَا لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ! وعن ٱبن عباس : " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْسم غنائم حُنين ، فأتاه جبريل فجلس عنده ، فأتى مَلَك فقال : إن ربك يأمرك بكذا وكذا ، فخشي النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكون شيطاناً ، فقال : « يا جبريل أتعرفه » فقال : هو مَلَك وما كل ملائكة ربّك أعرف " وقال الأوزاعيّ : قال موسى : « يا ربّ من في السماء ؟ قال ملائكتي . قال كم عِدَّتهم يا ربّ ؟ قال : ٱثني عشر سِبْطاً . قال : كم عدّة كل سِبط ؟ قال : عدد التراب » . ذكرهما الثعلبيّ . وفي الترمذيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أَطَّت السماءُ وحُقّ لها أن تَئِطَّ ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك واضع جبهته لله ساجداً " قوله تعالى : { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } يعني الدلائل والحجج والقرآن . وقيل : { وَمَا هِيَ } أي وما هذه النار التي هي سقر { إِلاَّ ذِكْرَىٰ } أي عظةٌ { لِلْبَشَرِ } أي للخلق . وقيل : نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة . قاله الزجاج . وقيل : أي ما هذه العِدّة { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي لتذكروا ويعلموا كمالَ قدرة الله تعالى ، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار فالكناية على هذا في قوله تعالى : { وَمَا هِيَ } ترجع إلى الجنود لأنه أقرب مذكور .