Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 32-48)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } قال الفراء : « كَلاَّ » صلة للقسم ، التقدير أي والقمر . وقيل : المعنى حقاً والقمر فلا يوقف على هذين التقديرين على « كَلاَّ » وأجاز الطّبريّ الوقف عليها ، وجعلها ردًّا للذين زعموا أنهم يقاومون خَزَنة جهنم أي ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار . ثم أقسم على ذلك جلّ وعزّ بالقمر وبما بعده ، فقال : { وَٱللَّيْلِ إِذَا أَدْبَرَ } أي وَلَّى وكذلك « دَبَر » . وقرأ نافع وحمزة وحفص « إِذْ أَدْبَرَ » الباقون « إذَا » بألف و « دَبَرَ » بغير ألف وهما لغتان بمعنًى يقال : دَبَر وأدبر ، وكذلك قَبِل الليل وأقبل . وقد قالوا : أمس الدابر والمدبر قال صخر بن عمرو بن الشَّريد السُّلَميّ : @ وَلَقَدْ قَتَلْنَاكُمُ ثُنَاءَ وَمَوْحَداً وَتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْس الدَّابِرِ @@ ويروي المدبِر . وهذا قول الفراء والأخفش . وقال بعض أهل اللغة : دَبَر الليل : إذا مضى ، وأدبر : أخذ في الإدبار . وقال مجاهد : سألت ٱبن عباس عن قوله تعالى : « وَاللَّيْلِ إِذَا دَبَرَ » فسكت حتى إذا دَبَر قال : يا مجاهد ، هذا حين دَبَرَ الليلُ . وقرأ محمد بن السَّمَيقْعَ { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } بألفين ، وكذلك في مصحف عبد الله وَأُبَيّ بألفين . وقال قُطرب من قرأ « دَبَرَ » فيعني أقبل ، من قول العرب دَبَر فلان : إذا جاء من خلفي . قال أبو عمرو : وهي لغة قريش . وقال ٱبن عباس في رواية عنه : الصواب : « أَدْبَرَ » إنما يَدْبَر ظهرَ البعير . وٱختار أبو عُبيد : « إِذَا أَدْبَرَ » قال : لأنها أكثر موافقة للحروف التي تليه ألا تراه يقول : { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } ، فكيف يكون أحدهما « إذ » والآخر « إذا » ، وليس في القرآن قَسَم تعقبه « إذ » وإنما يتعقبه « إذا » . ومعنى « أَسْفَرَ » : ضاء . وقراءة العامة « أَسْفَرَ » بالألف . وقرأ ٱبن السَّمَيْقَع : « سَفَرَ » . وهما لغتان . يقال : سَفَر وجهُ فلان وأسفر : إذا أضاء . وفي الحديث : " أسِفروا بالفجر ، فإنه أعظم للأجر " أي صلّوا صلاة الصبح مُسْفِرين ، ويقال : طَوِّلوها إلى الإسفار ، والإسفار : الإنارة . وأسفر وجهه حسناً أي أشرق ، وسفرت المرأة كشفت عن وجهها فهي سافر . ويجوز أن يكون من سَفَر الظلامَ أي كنسه ، كما يُسفَر البيت أي يُكنَس ومنه السَّفير : لما سقط من ورق الشجر وتَحاتَّ يقال : إنما سمي سفيراً لأن الريح تَسِفره أي تكنُسه . والمِسْفَرة : المِكْنَسة . قوله تعالى : { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } جواب القسم أي إن هذه النار { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي لإحدى الدواهي . وفي تفسير مقاتل « الْكُبَر » : ٱسم من أسماء النار . وروي عن ٱبن عباس « إنَّهَا » أي إن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي لَكبيرة من الكبائر . وقيل : أي إن قيام الساعة لإحدى الكُبَر . والكُبَر : هي العظائم من العقوبات قال الراجز : @ يا بن المُعَلَّي نَزلتْ إحدى الكُبَرْ داهيةُ الدهْر وصَمَّاءُ الغِيَرْ @@ وواحدة « الكُبَر » ، كُبرى مثل الصُّغْرى والصُّغَر ، والعُظْمى والعُظَم . وقرأ العامة « لإِحْدَى » وهو ٱسم بني ٱبتداء للتأنيث ، وليس مبنيًّا على المذكر نحو عُقْبَى وأخرى ، وألفه ألف قطع ، لا تذهب في الوصل . وروى جرير بن حازم عن ٱبن كثير « إنَّهَا لَحْدى الكُبَر » بحذف الهمزة . { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } يريد النار أي إن هذه النار الموصوفة { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } فهو نصب على الحال من المضمر في « إِنَّهَا » قاله الزجاج . وذُكِّر لأن معناه معنى العذاب ، أو أراد ذات إنذار على معنى النَّسب كقولهم : ٱمرأة طالق وطاهر . وقال الخليل : النذير : مصدر كالنكير ، ولذلك يوصف به المؤنث . وقال الحسن : والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى منها . وقيل : المراد بالنذير محمد صلى الله عليه وسلم أي قم نذيراً للبشر ، أي مُخَوِّفاً لهم فـ « ـنَذيراً » حال من « قُمْ » في أوّل السورة حين قال : { قُمْ فَأَنذِرْ } قال أبو علي الفارسيّ وابن زيد ، وروى عن ٱبن عباس وأنكره الفراء . ٱبن الأنباري : وقال بعض المفسرين معناه « يَٰأَيُّهَا الْمُدَّثِّرْ قُمْ نَذِيراً لِلْبَشَرِ » . وهذا قبيح لأن الكلام قد طال فيما بينهما . وقيل : هو من صفة الله تعالى . روي أبو معاوية الضرير : حدّثنا إسماعيل بن سميع عن أبي رزَين { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } قال : يقول الله عز وجل : أنا لكم منها نذير فٱتقوها . و « نَذِيراً » على هذا نصب على الحال أي « وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً » منذراً بذلك البشر . وقيل : هو حال من « هو » في قوله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } . وقيل : هو في موضع المصدر كأنه قال : إِنذاراً للبشر . قال الفراء : يجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار ، أي أنذر إنذاراً فهو كقوله تعالى : { فكيف كان نذير } أي إنذاري فعلى هذا يكون راجعاً إلى أوّل السورة أي { قُمْ فَأَنذِرْ } أي إنذاراً . وقيل : هو منصوب بإضمار فعل . وقرأ ٱبن أبي عَبْلة « نَذِيرٌ » بالرفع ، على إضمار هو . وقيل : أي إن القرآن نذير للبشر ، لما تضمنه من الوعد والوعيد . قوله تعالى : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } اللام متعلقة بـ « ـنذيراً » ، أي نذيراً لمن شاء منكم أن يتقدّم إلى الخير والطاعة ، أو يتأخر إلى الشر والمعصية نظيره : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } [ الحجر : 24 ] أي في الخير { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [ الحجر : 24 ] عنه . قال الحسن : هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر كقوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . وقال بعض أهل التأويل : معناه لمن شاء الله أن يتقدّم أو يتأخر فالمشيئة متصلة بالله جل ثناؤه ، والتقديم الإِيمان ، والتأخير الكفر . وكان ٱبن عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم جوزيَ بثواب لا ينقطع ، ومن تأخر عن الطاعة وكذب محمداً صلى الله عليه وسلم عوقب عقاباً لا ينقطع . وقال السّديّ : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ } إلى النار المتقدم ذكرها ، { أَوْ يَتَأَخَّرَ } عنها إلى الجنة . قوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } أي مرتهنة بكسبها ، مأخوذة بعملها ، إما خلَّصها وإما أوبقها . وليست « رَهِينَةٌ » تأنيث رهين في قوله تعالى : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] لتأنيث النفس لأنه لو قُصدت الصفة لقيل رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث . وإنما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهين ومنه بيت الحماسة : @ أبْعَدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكَبٍ رهِينَةُ رَمْسٍ ذِي تُرابٍ وجَنْدَلِ @@ كأنه قال رَهْن رمسٍ . والمعنى : كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم لا يُرْتهنون بذنوبهم . وٱختلف في تعيينهم فقال ٱبن عباس : الملائكة . علي بن أبي طالب : أولاد المسلمين لم يكتسبوا فيُرتهنوا بكسبهم . الضحاك : الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، ونحوه عن ٱبن جريج قال : كل نفس بعملها محاسبة { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } وهم أهل الجنة ، فإنهم لا يحاسبون . وكذا قال مقاتل أيضاً : هم أصحاب الجنة الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق حين قال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال الحسن وٱبن كَيْسان : هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين لأنهم أدّوا ما كان عليهم . وعن أبي ظبيان عن ٱبن عباس قال : هم المسلمون . وقيل : إلا أصحاب الحق وأهل الإيمان . وقيل : هم الذين يُعطَون كتبهم بأيمانهم . وقال أبو جعفر الباقر : نحن وشيعتنا أصحاب اليمين ، وكل من أبغضنا أهلَ البيت فهم المرتهنون . وقال الحكم : هم الذين ٱختارهم الله لخدمته ، فلم يدخلوا في الرهن ، لأنهم خدام الله وصفوته وكسبهم لم يضرهم . وقال القاسم : كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر ، إلا من ٱعتمد على الفضل والرحمة ، دون الكسب والخدمة ، فكل من ٱعتمد على الكسب فهو مرهون ، وكل من ٱعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به . { فِي جَنَّاتٍ } أي في بساتين { يَتَسَآءَلُونَ } أي يسألون { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي المشركين { مَا سَلَكَكُمْ } أي أدخلكم { فِي سَقَرَ } كما تقول : سلكت الخيط في كذا أي أدخلته فيه . قال الكلبيّ : فيَسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه ، فيقول له : يا فلان وفي قراءة عبد الله بن الزبير « يا فلانُ ما سَلَكَك فِي سَقَرَ » ؟ وعنه قال : قرأ عمر بن الخطاب « يا فلانُ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » وهي قراءة على التفسير ، لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن قاله أبو بكر بن الأنباري . وقيل : إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم ، فتسأل الملائكة المشركين فيقولون لهم : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } . قال الفراء : في هذا ما يقوي أن أصحاب اليَمِينِ الوِلدان لأنهم لا يعرفون الذنوب . { قَالُواْ } يعني أهل النار { لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } أي المؤمنين الذين يصلون . { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } أي لم نك نتصدق . { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم . وقال ٱبن زيد : نخوض مع الخائضين في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قولهم لعنهم الله كاهن ، مجنون ، شاعر ، ساحر . وقال السّديّ : أي وكنا نكّذب مع المكّذبين . وقال قتادة : كلما غَوَى غاوٍ غَوَينا معه . وقيل معناه : وكنا أتباعاً ولم نكن متبوعين . { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي لم نك نصدّق بيوم القيامة ، يوم الجزاء والحكم . قوله تعالى : { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } أي جاءنا ونزل بنا الموت ومنه قوله تعالى : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] . قوله تعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين وذلك أن قوماً من أهل التوحيد عُذّبوا بذنوبهم ، ثم شُفِعَ فيهم ، فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة ، فأخرجوا من النار ، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة : جبريل ، ثم إبراهيم ، ثم موسى أو عيسى ، ثم نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ثم الملائكة ، ثم النبيون ، ثم الصديقون ، ثم الشهداء ، ويبقى قوم في جهنم ، فيقال لهم : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } إلى قوله : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } قال عبد الله ابن مسعود : فهؤلاء هم الذين يبقَون في جهنم وقد ذكرنا إسناده في كتاب « التذكرة » .