Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 22-25)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } الأوّل من النّضْرة التي هي الحسن والنَّعمة . والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة يقال : نَضَرهم اللَّهُ يَنضرُهم نَضْرة ونَضَارة وهو الإشراق والعيش والغنى ومنه الحديث : " نَضّر الله ٱمرأً سمع مقالتي فوعاها " « إِلَى رَبِّهَا » إلى خالقها ومالكها « نَاظِرَةٌ » أي تنظر إلى ربها على هذا جمهور العلماء . وفي الباب حديث صُهَيب خرجه مسلم وقد مضى في « يونس » عند قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . وكان ٱبن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غُدْوة وَعشية ثم تلا هذه الآية : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] . وروى يزيد النحوي عن عِكْرمة قال : تنظر إلى ربها نظراً . وكان الحسن يقول : نضرت وجوههم ونظروا إلى ربّهم . وقيل : إن النظر هنا ٱنتظار ما لهم عند الله من الثواب . وروي عن ٱبن عمر ومجاهد . وقال عِكرمة : تنتظر أمر ربها . حكاه الماوردِيّ عن ٱبن عمر وعِكرمة أيضاً . وليس معروفاً إلا عن مجاهد وحده . وٱحتجوا بقوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] وهذا القول ضعيف جدًّا ، خارج عن مقتضى ظاهر الآية والأخبار . وفي الترمذيّ عن ٱبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " « إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جِنانه وأزواجه وخَدمه وسُرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غُدْوة وعَشيّة » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة } " قال هذا حديث غريب . وقد روي عن ٱبن عمر ولم يرفعه . وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جلّ وعزّ إلا رِداء الكبرياء على وجهه في جَنّة عدن " وروى جرير بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً ، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : " إنكم سترون ربكم عِياناً كما ترون هذا القمر ، لا تُضَامون في رؤيته فإن ٱستطعتم ألاّ تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فٱفعلوا " ثم قرأ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } [ قۤ : 39 ] متّفق عليه . وخرجه أيضاً أبو داود والترمذيّ وقال حديث حسن صحيح . وخرج أبو داود عن أبي رَزِين العُقَيليّ قال : قلت " يا رسول الله أكلّنا يرى ربه ؟ قال ٱبن معاذ : مُخْلِياً به يوم القيامة ؟ قال : « نعم يا أبا رَزِين » قال : وما آية ذلك في خَلْقه ؟ قال : « يا أبا رَزِين أليس كلّكم يَرَى القمر » قال ٱبن معاذ : ليلة البدر مُخْلِياً به . قلنا : بلى . قال : « فالله أعظم » قال ٱبن معاذ قال : « فإنما هو خلق من خلق الله يعني القمر فالله أجل وأعظم » " وفي كتاب النسائيّ عن صُهَيب قال : " فيكشف الحجاب فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحبّ إليهم من النظر ، ولا أقرّ لأعينهم " وفي التفسير لأبي إسحاق الثَّعلبيّ عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتجلّى ربّنا عزّ وجلّ حتى ينظروا إلى وجهه ، فيخرّون له سُجَّداً ، فيقول ٱرفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عِبادة " قال الثّعلبيّ : قول مجاهد إنها بمعنى تنتظر الثواب من ربّها ولا يراه شيء من خلقه ، فتأويل مدخول لأن العرب إذا أرادت بالنظر الإنتظار قالوا نظرته كما قال تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } [ الزخرف : 66 ] ، { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [ الأعراف : 53 ] ، و { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [ يسۤ : 49 ] وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا : نظرت فيه ، فأما إذا كان النظر مقروناً بذكر إلى ، وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعِيان . وقال الأزهريّ : إن قول مجاهد تنتظر ثواب ربّها خطأ لأنه لا يقال نظر إلى كذا بمعنى الانتظار ، وإن قول القائل : نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين ، كذلك تقوله العرب لأنهم يقولون نظرت إليه : إذا أرادوا نظر العين ، فإذا أرادوا الانتظار قالوا نظرته قال : @ فإَّنكُمَا إِنْ تَنْظُرانِيَ ساعةً مِن الدَّهْرِ تَنَفْعَنِي لَدَى أُمَّ جُنْدُبِ @@ لما أراد الإنتظار قال تنظراني ، ولم يقل تنظران إليّ وإذا أرادوا نظر العين قالوا : نظرت إليه قال : @ نظرتُ إليها والنُّجُومُ كأنَّها مَصابِيحُ رُهْبانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ @@ وقال آخر : @ نظرتُ إليها بالْمُحْصَّبِ مِنْ مِنًى ولِي نَظَرٌ لولا التَّحَرُّجُ عارِمُ @@ وقال آخر : @ إِنِّي إليكَ لِمَا وَعَدتَ لنَاظَرٌ نَظَرُ الفقيرِ إلى الغنيِّ المُوسِرِ @@ أي إني أنظر إليك بذلّ لأن نظر الذلّ والخضوع أرقّ لقلب المسؤول فأما ما ٱستدلوا به من قوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] فإنما ذلك في الدنيا . وقد مضى القول فيه في موضعه مستوفًى . وقال عطية العوفي : ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، ونظره يحيط بها يدل عليه : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] قال القشيريّ أبو نصر : وقيل : « إلًى » واحد الآلاء : أي نعمه منتظرة وهذا أيضاً باطل لأن واحد الآلاء يكتب بالألف لا بالياء ، ثم الآلاء : نعمه الدُّفَّع ، وهم في الجنة لا ينتظرون دفع نقمة عنهم ، والمنتظر للشيء مُتَنغِّص العيش ، فلا يوصف أهل الجنة بذلك . وقيل : أضاف النظر إلى الوجه وهو كقوله تعالى : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ البقرة : 25 ] والماء يجري في النهر لا النهر . ثم قد يذكر الوجه بمعنى العين قال الله تعالى : { فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً } [ يوسف : 93 ] أي على عينيه . ثم لا يبعد قلب العادة غداً ، حتى يخلق الرؤية والنظر في الوجه وهو كقوله تعالى : { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الملك : 22 ] ، " فقيل : يا رسول الله ! كيف يمشون في النار على وجوههم ؟ قال : « الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم » " { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } أي وجوه الكفار يوم القيامة كالحة كاسفة عابسة . وفي الصحاح : وبَسَر الفحلُ الناقةَ وٱبتسرها : إذا ضربها من غير ضَبَعَة . وبَسَر الرجلُ وجهَه بسُوراً أي كَلَح يقال : عَبَس وبَسَر . وقال السّديّ : « بَاسِرَةٌ » أي متغيرة والمعنى واحد . { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } أي توقن وتعلم ، والفاقرة : الداهية والأمر العظيم يقال : فقرتْه الفاقرة : أي كسرت فَقَار ظهره . قال معناه مجاهد وغيره . وقال قتادة : الفاقرة الشرّ . السُّديّ : الهلاك . ٱبن عباس وٱبن زيد : دخول النار . والمعنى متقارب . وأصلها الوسم على أنف البعير بحديدة أو نار حتى يخلص إلى العظم ، قاله الأصمعي . يقال : فَقَرتُ أنف البعيرِ : إذا حززتَه بحديدة . ثم جعلتَ على موضع الحزِّ الجَرِيرَ وعليه وَتَرٌ مَلْويّ ، لِتذلِّلَه بذلك وتَرُوضَه ومنه قولهم : قد عُمِل به الفاقرة . وقال النابغة :