Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 26-30)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } « كَلاَّ » رَدْع وزَجْر أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة ثم ٱستأنف فقال : { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } أي بلغت النفس أو الروح التراقي فأخبر عما لم يجر له ذكر ، لعلم المخاطب به كقوله تعالى : { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ صۤ : 32 ] ، وقوله تعالى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [ الواقعة : 83 ] وقد تقدّم . وقيل : « كَلاَّ » معناه حقاً أي حقًّا أن المساق إلى الله « إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ » أي إذا ٱرتقت النفس إلى التراقي . وكان ٱبن عباس يقول : إذا بلغت نفس الكافر التراقي . والتراقي جمع تَرْقُوة وهي العظام المكتنفة لنُقْرة النَّحر ، وهو مقدّم الحلق من أعلى الصدر ، موضع الحَشْرجة قال دُرَيْد بن الصِّمّة . @ ورُبَّ عَظِيمةٍ دافَعْتَ عَنْهُمْ وقَدْ بَلَغَتْ نُفُوسُهُمُ التَّرَاقِي @@ وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي ، والمقصود تذكيرهم شدّة الحال عند نزول الموت . قوله تعالى : { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } ٱختُلف فيه فقيل : هو من الرقية عن ٱبن عباس وعِكرمة وغيرهما . روى سِمَاك عن عِكرمة قال : مَن راقٍ يَرْقِي : أي يَشْفِي . وروى ميمون بن مِهران عن ٱبن عباس : أي هل من طبيب يَشْفِيه وقاله أبو قِلابة وقتادة وقال الشاعر : @ هَلْ لِلْفَتَى مِنْ بَناتِ الدَّهْر مِنْ وَاقِ أَمْ هَلْ لَه مِنْ حِمَام الْمَوْتِ مِنْ رَاقِ @@ وكان هذا على وجه الاستبعاد واليأس أي من يقدر أن يَرْقِيَ من الموت . وعن ٱبن عباس أيضاً وأبي الجوزاء أنه من رَقِيَ يَرْقَى : إذا صَعِدَ ، والمعنى : من يَرقَى بروحه إلى السماء ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ وقيل : إن مَلَك الموت يقول مَن راقٍ ؟ أي من يَرْقَى بهذه النفس وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها ، فيقول ملَكَ الموت : يا فلان ٱصعد بها . وأظهر عاصم وقوم النون في قوله تعالى : { مَنْ رَاقٍ } واللام في قوله : « بَلْ رَانَ » لئلا يشبه مَرَّاق وهو بائع المَرْقة ، وبَرَّان في تثنية البرّ . والصحيح ترك الإظهار ، وكسرة القاف في { مَنْ رَاقٍ } وفتحة النون في « بَلْ رَانَ » تكفي في زوالِ اللبس . وأمثل مما ذُكِر : قصد الوقف على « مَنْ » و « بَلْ » ، فأظهرهما قاله القشيريّ . قوله تعالى : { وَظَنَّ } أي أيقن الإنسان { أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } أي فراق الدنيا والأهل والمال والولد ، وذلك حين عاين الملائكة . وقال الشاعر : @ فرَاقٌ ليس يُشبهُهُ فِرَاقُ قد ٱنقطع الرجاءُ عن التَّلاَقِ @@ { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } أي فٱتصلت الشدّة بالشدّة شدّة آخر الدنيا بشدة أوّل الآخرة قاله ابن عباس والحسن وغيرهما . وقال الشعبي وغيره : المعنى ٱلتفت ساقا الإنسان عند الموت من شدّة الكرب . وقال قتادة : أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى . وقال سعيد بن المسيِّب والحسن أيضاً : هما ساقا الإنسان إذا التفّتا في الكفن . وقال زيد بن أسلم : ٱلتفت ساق الكفن بساق الميت . وقال الحسن أيضاً : ماتت رجلاه ويبست ساقاه فلم تحملاه ، ولقد كان عليهما جوّالاً . قال النحاس : القول الأوّل أحسنها . وروى عليّ بن أبي طلحة عن ٱبن عباس : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } قال : آخرَ يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة ، فتلتقي الشدّة بالشدّة إلا من رحمه الله أي شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع والدليل على هذا قوله تعالى : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } وقال مجاهد : ببلاء ببلاء . يقول : تتابعت عليه الشدائد . وقال الضحاك وٱبن زيد : ٱجتمع عليه أمران شديدان : الناس يُجهِّزون جسده ، والملائكة يُجهِّزون رُوحه ، والعرب لا تذكر الساق إلا في المِحن والشدائد العظام ومنه قولهم : قامت الدنيا على ساق ، وقامت الحرب على ساق . قال الشاعر : @ وقامِت الحربُ بـنا على سـاق @@ وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة { نۤ وَٱلْقَلَمِ } . وقال قوم : الكافر تُعَذِّب روحه عند خروج نفسه ، فهذه الساق الأولى ، ثم يكون بعدهما ساق البعث وشدائده : { إِلَىٰ رَبِّكَ } أي إلى خالقك { يَوْمَئِذٍ } أي يوم القيامة { ٱلْمَسَاقُ } أي المرجع . وفي بعض التفاسير قال : يسوقه مَلَكه الذي كان يحفظ عليه السيئات . والمَسَاق : المصدر من ساق يسوق ، كالمقال من قال يقول .