Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 31-35)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } أي لم يصدّق أبو جهل ولم يصلّ . وقيل : يرجع هذا إلى الإنسان في أوّل السورة ، وهو ٱسم جنس . والأوّل قول ٱبن عباس . أي لم يصدّق بالرسالة « وَلاَ صَلَّى » ودعا لربِّه ، وصلَّى على رسوله . وقال قتادة : فلا صدّق بكتاب الله ، ولا صلَّى لله . وقيل : ولا صدّق بمال له ، ذخراً له عند الله ، ولا صلَّى الصلوات التي أمره الله بها . وقيل : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه . قال الكسائي : « لاَ » بمعنى لم ولكنه يقرن بغيره تقول العرب : لا عبدُ الله خارج ولا فلان ، ولا تقول : مررت برجل لا مُحْسِن حتى يقال ولا مُجْمِل ، وقوله تعالى : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [ البلد : 11 ] ليس من هذا القبيل لأن معناه أفلا ٱقتحم أي فهلا ٱقتحم ، فحذف ألف الاستفهام . وقال الأخفش : { فَلاَ صَدَّقَ } أي لم يصدّق كقوله : { فَلاَ ٱقتَحَمَ } أي لم يقتحم ، ولم يشترط أن يُعْقِبه بشيء آخر ، والعرب تقول : لا ذهب ، أي لم يذهب ، فحرف النفي ينفي الماضي كما ينفي المستقبل ومنه قول زهير : @ فَلاَ هُوَ أَبْـدَاهَا وَلَمْ يَتَقَـدّمِ @@ قوله تعالى : { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أي كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي يتبختر ، ٱفتخاراً بذلك قاله مجاهد وغيره . مجاهد : المراد به أبو جهل . وقيل : « يَتَمَطَّى » من المَطَا وهو الظَّهْر ، والمعنى يَلْوِي مَطَاه . وقيل : أصله يتمطط ، وهو التمدّد من التكسّل والتثاقل ، فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق فأبدل من الطاء ياء كراهة التضعيف ، والتمطي يدل على قلة الاكتراث ، وهو التمدّد ، كأنه يمدّ ظهره ويلويه من التبختر . والمَطِيطة الماء الخاثر في أسفل الحوض لأنه يتمطى أي يتمدّد وفي الخبر : " إذا مشت أمّتي المُطَيْطَاءَ وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم " والمُطَيْطاء : التبختر ومدّ اليدين في المشي . قوله تعالى : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } : تهديد بعد تهديد ، ووعيد بعد وعيد ، أي فهو وعيد أربعة لأربعة كما روي أنها نزلت في أبي جهل الجاهِل بربّه فقال : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أي لا صدّق رسول الله ، ولا وقف بين يديّ فصلّى ، ولكن كذّب رسولي ، وتولّى عن التصلية بين يديّ . فتَرْك التصديق خَصْلة ، والتكذيب خَصْلة ، وترك الصلاة خَصْلة ، والتولي عن الله تعالى خَصْلة فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة . والله أعلم . لا يقال : فإن قوله { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } خَصْلَة خامسة فإنّا نقول : تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولّي ، فأخبر عنها . وذلك بَيِّنٌ في قول قتادة على ما نذكره . وقيل : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات يوم ، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد ، مما يلي باب بني مخزوم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فهزّه مرَّةً أو مرتين ثم قال : « أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى » فقال له أبو جهل : أتهددُني ؟ فوالله إني لأَعَزُّ أهل الوادي وأكرمه . ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لأبي جهل " وهي كلمة وعيد . قال الشاعر : @ فَأَوْلَى ثم أَوْلَى ثم أَوْلَى وهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَبُ من مَرَدِّ @@ قال قتادة : " أقبل أبو جهل بن هشام يتبختر ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده فقال : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } . فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك لي شيئاً ، إني لأعزُّ مَنْ بين جبليها . فلما كان يوم بَدْر أشرف على المسلمين فقال : لا يُعْبَد اللَّهُ بعد هذا اليوم أبداً . فضرب الله عنقه ، وقتله شر قِتْلة " وقيل : معناه : الويل لك ومنه قول الخنساء : @ هَمَمْتُ بنفسيَ كُلَّ الهُمُومِ فَأْوْلَى لِنَفْسِيَ أَوْلَى لَهَا سَأَحْمِلُ نفسي على آلةٍ فإِمَّا عليها وإِمَّا لَهَا @@ الآلة : الحالة ، والآلة : السرير أيضاً الذي يحمل عليه الميت وعلى هذا التأويل قيل : هو من المقلوب كأنه قيل : أَوْيَل ، ثم أخر الحرف المعتل ، والمعنى : الويل لك حيًّا ، والويل لك ميتاً ، والويل لك يوم البعث ، والويل لك يوم تدخل النار وهذا التكرير كما قال : @ لَكَ الْوَيْـلاَتُ إِنَّـكَ مُرْجِلِـي @@ أي لك الويل ، ثم الويل ، ثم الويل ، وضعف هذا القول . وقيل : معناه الذم لك أولى من تركه ، إلا أنه كثير في الكلام فحذف . وقيل : المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب . وقال أبو العباس أحمد بن يحيـى : قال الأصمعي : « أَوْلَى » في كلام العرب معناه مُقَاربة الهلاك ، كأنه يقول : قد وَلِيتَ الهلاك ، قد دَانَيْتَ الهلاكَ وأصله من الوَلْي ، وهو القُرْب قال الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } [ التوبة : 123 ] أي يَقرُبُون منكم وأنشد الأصمعي : @ وَأَوْلَى أن يكون له الولاَءُ @@ أي قارب أن يكون له وأنشد أيضاً : @ أَوْلَـى لِمَنْ هاجَتْ لَهُ أْنْ يَكْمَدَا @@ أي قددنا صاحبها من الكمد . وكان أبو العباس ثعلب يستحسن قول الأصمعيّ ويقول : ليس أحد يفسّر كتفسيرالأصمعي . النحاس : العرب تقول أولى لكَ : كِدتَ تَهلِك ثم أفْلَت ، وكان تقديره أَوْلَى لك وأولى بك الهلكة . المهدويّ قال : ولا تكون أوْلَى أَفْعَل منك ، وتكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره لأن أبا زيد قد حكى : أَوْلاَةُ الآن : إذا أوْعَدُوا . فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك . و « لَكَ » خبر عن « أَوْلَى » . ولم ينصرف « أَوْلَى » لأنه صار علماً للوعيد ، فصار كرجل ٱسمه أحمد . وقيل : التكرير فيه على معنى ألزم لك على عملك السَّيىء الأوّل ، ثم على الثاني ، والثالث ، والرابع ، كما تقدّم .