Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 12-14)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } على الفقر . وقال القرظيّ : على الصوم . وقال عطاء : على الجوع ثلاثة أيام وهي أيام النذْر . وقيل : بصبرهم على طاعة الله ، وصبرهم على معصية الله ومحارمه . و « ما » : مصدرية ، وهذا على أن الآية نزلت في جميع الأبرار ومن فعل فعلاً حسناً . وروى ٱبن عمر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر فقال : " الصبر أربعة : أوّلها الصبر عند الصدمة الأولى ، والصبر على أداء الفرائض ، والصبر على ٱجتناب محارم الله ، والصبر على المصائب " { جَنَّةً وَحَرِيراً } أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير . أي يسمى بحرير الدنيا وكذلك الذي في الآخرة وفيه ما شاء الله عزّ وجلّ من الفضل . وقد تقدم : أن من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، وإنما أُلبسه من أُلبسه في الجنة عوضاً عن حبسهم أنفسهم في الدنيا عن الملابس التي حرم الله فيها . قوله تعالى : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا } أي في الجنة ونصب « مُتَّكِئِينَ » على الحال من الهاء والميم في « جَزَاهُمْ » والعامل فيها جزي ولا يعمل فيها « صَبَرُوا » لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة . وقال الفرّاء . وإن شئت جعلت « مُتَّكِئِينَ » تابعاً ، كأنه قال جزاهم جنة { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا } . { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } السُّرُر في الحِجَال وقد تقدم . وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : أحدها الأريكة لا تكون إلا في حَجَلة على سرير ، ومنها السَّجْل ، وهو الدّلو الممتليء ماءً ، فإذا صَفِرت لم تُسمَّ سَجْلاً ، وكذلك الذَّنُوب لا تُسمَّى ذَنُوباً حتى تُملأ ، والكأس لا تسمى كأساً حتى تُتْرَع من الخمر . وكذلك الطَّبَق الذي تُهدَى عليه الهدية مِهْدَى ، فإذا كان فارغاً قيل طَبَق أو خِوان قال ذو الرُّمَّة : @ خُدُودٌ جَفَتْ في السَّيْرِ حتَّى كأنَّمَا يُبَاشِرْنَ بِالْمَعْزاءِ مَسَّ الأرائِكِ @@ أي الفرش على السرر . { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً } أي لا يرون في الجنة شدة حرٍّ كحرِّ الشمس { وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي ولا برداً مفرطاً قال الأعشى : @ مُنَعَّمَةٌ طَفْلَةٌ كَالْمَهَا ةِ لَمْ تَرَ شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيرَاً @@ وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ٱشتكت النارُ إلى ربِّها عزّ وجلّ قالت : يا ربّ أَكَلَ بعضي بعضاً ، فجعل لها نَفَسين نَفَساً في الشتاء ونَفَساً في الصّيف ، فشدّة ما تجدون من البرد من زمهريرها ، وشدّة ما تجدون من الحرّ في الصيف من سَمُومها " وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن هواء الجنة سَجْسَج : لا حرٌّ ولا بردٌ " والسَّجْسَج : الظِّل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس . وقال مُرَّة الهَمْداني : الزمهرير البرد القاطع . وقال مقاتل بن حيان : هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد . وقال ٱبن مسعود : هو لون من العذاب ، وهو البرد الشديد ، حتى إن أهل النار إذا أُلْقوا فيه سألوا الله أن يعذِّبهم بالنار ألف سنة أهونَ عليهم من عذاب الزمهرير يوماً واحداً . قال أبو النَّجْم : @ أو كُنـتُ ريحـاً كُنـتُ زَمْهَـريـراً @@ وقال ثعلب : الزَّمْهرير : القمر بلغة طيِّيء قال شاعرهم : @ وليلةٍ ظَلاَمُهَا قدِ ٱعْتَكَرْ قَطَعْتُهَا والزِّمْهَريرُ ما زَهَرْ @@ ويروى : ما ظهر أي لم يطلع القمر . فالمعنى لا يرون فيها شمساً كشمس الدنيا ولا قمراً كقمر الدنيا ، أي إنهم في ضياء مستديم ، لا ليل فيه ولا نهار لأن ضوء النهار بالشمس ، وضوء الليل بالقمر . وقد مضى هذا المعنى مجوداً في سورة « مريم » عند قوله تعالى : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [ مريم : 62 ] . وقال ٱبن عباس : بينما أهل الجنة في الجنة إذ رأوا نوراً ظنوه شمساً قد أشرقت بذلك النور الجنة ، فيقولون : قال ربنا : { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } فما هذا النور ؟ فيقول لهم رضوان : ليست هذه شمس ولا قمر ، ولكن هذه فاطمة وعليّ ضحكا ، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، وفيهما أنزل الله تعالى : { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } وأنشد : @ أنا مَوْلىً لِفَتَى أُنْزِلَ فيه هَلْ أَتَى ذاكَ عليٌّ المُرْتَضَى وٱبن عَمِّ المصطفَى @@ قوله تعالى : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } أي ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار ، فهي مُظِلّة عليهم زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس ولا قمر ثَمَّ كما أن أمشاطهم الذهب والفضة ، وإن كان لا وسخ ولا شَعَث ثَمَّ . ويقال : إن ٱرتفاع الأشجار في الجنة مقدار مائة عام ، فإذا ٱشتهى وليّ الله ثمرتها دانت حتى يتناولها . وٱنتصبت « دَانِيَةً » على الحال عطفاً على { مُّتَّكِئِينَ } كما تقول : في الدار عبد الله متكئاً ومرسلة عليه الحجال . وقيل : ٱنتصبت نعتاً للجنة أي وجزاهم جنةً دانيةً ، فهي صفة لموصوف محذوف . وقيل : على موضع { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } ويرون دانيةً . وقيل : على المدح أي دنت دانيةً . قاله الفراء . « ظِلاَلُهَا » الظلال مرفوعة بدانية ، ولو قريء برفع دانية على أن تكون الظلال مبتدأ ودانية الخبر لجاز ، وتكون الجملة في موضع الحال من الهاء والميم في « وجَزَاهُمْ » وقد قريء بذلك . وفي قراءة عبد الله « وَدَانِيًا عَلَيْهِمْ » لتقدم الفعل . وفي حرف أُبيّ « وَدَانٍ » رفع على الاستئناف { وَذُلِّلَتْ } أي سُخِّرت لهم { قُطُوفُهَا } أي ثمارها { تَذْلِيلاً } أي تسِخيراً ، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع ، لا يرد أيديهم عنها بُعدٌ ولا شوك قاله قتادة . وقال مجاهد : إن قام أحد ٱرتفعت له ، وإن جلس تدلّت عليه ، وإن ٱضطجع دنت منه فأكل منها . وعنه أيضاً : أرض الجنة من وَرِق ، وترابها الزعفران ، وطيبها مسك أذفر ، وأصول شجرها ذهب وورِق ، وأفنانها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، والثمر تحت ذلك كله فمن أكل منها قائماً لم تؤذِه ، ومن أكل منها قاعداً لم تؤذِه ، ومن أكل منها مضطجعاً لم تؤذِه . وقال ٱبن عباس : إذا همَّ أن يتناول من ثمارها تدلّت إليه حتى يتناول منها ما يريد ، وتذليل القطوف تسهيل التناول . والقطوف : الثمار ، الواحد قِطف بكسر القاف ، سمّي به لأنه يُقطَف ، كما سمّي الجَنَى لأنه يُجنى . { تَذْلِيلاً } تأكيد لما وصف به من الذِّل كقوله : { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [ الإسراء : 106 ] { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [ النساء : 164 ] . الماورديّ : ويحتمل أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها ، وتخلص لهم من نواها . قلت : وفي هذا بعدٌ فقد روى ٱبن المبارك ، قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جُبير عن ٱبن عباس قال : نخل الجنة : جذوعها زُمُرُّد أخضر ، وكَرَبُها ذهب أحمر ، وسَعَفها كُسْوة لأهل الجنة ، منها مُقطَّعاتهم وحُلَلهم ، وثمرها أمثال القِلال والدِّلا ، أشدّ بياضاً من اللَّبَن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزُّبْد ليس فيه عَجَم . قال أبو جعفر النحاس : ويقال المذلَّل الذي قد ذلّله الماءُ أي أرواه . ويقال المذلّل الذي يُفَيِّئُه أدنى ريح لنَعْمته ، ويقال المذلَّل المُسَوَّى لأن أهل الحجاز يقولون : ذَلِّلْ نَخْلكَ أي سَوِّه ، ويقال المُذَلَّل القريب المتناوَل من قولهم : حائط ذَليلٌ أي قصير . قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها ذكرها أهل العلم باللغة وقالوها في قول ٱمرىء القيس :