Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 15-18)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } أي يدور على هؤلاء الأبرار الخدم إذا أرادوا الشراب { بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } قال ٱبن عباس : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء أي ما في الجنة أشرف وأعلى وأنقى . ثم لم تنف الأواني الذهبية بل المعنى يسقون في أواني الفضة ، وقد يسقون في أواني الذهب . وقد قال تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ } [ الزخرف : 71 ] . وقيل : نَبّه بذكر الفضّة على الذهب كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] أي والبرد فنبّه بذكر أحدهما على الثاني . والأكواب : الكِيزان العظام التي لا آذان لها ولا عُرًى ، الواحد منها كوب وقال عَدِيّ : @ مُتَّكِئاً تُقْرَعُ أبوابُهُ يَسْعَى عليهِ العبدُ بِالكُوبِ @@ وقد مضى في « الزخرف » . { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ . قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } أي في صفاء القوارير وبياض الفضة فصفاؤها صفاء الزجاج وهي من فضّة . وقيل : أرض الجنة من فضّة ، والأواني تتخذ من تربة الأرض التي هي منها . ذكره ٱبن عباس وقال : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه ، إلا القوارير من فضة . وقال : لو أخذت فضَّة من فضّة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذُّبَاب لم تر من ورائها الماء ، ولكن قوارير الجنة مثل الفضّة في صفاء القوارير . { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } قراءة العامة بفتح القاف والدال أي قَدّرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم . قال ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما : أتوا بها على قدر رِيِّهم ، بغير زيادة ولا نقصان . الكلبي : وذلك ألذ وأشهى والمعنى : قدّرتها الملائكة التي تطوف عليهم . وعن ٱبن عباس أيضاً : قدّروها على مِلء الكف لا تزيد ولا تنقص ، حتى لا تؤذيهم بثقل أو بإفراط صغر . وقيل : إن الشاربين قَدّروا لها مقادير في أنفسهم ، على ما ٱشتهوا وقَدّروا . وقرأ عبيد ابن عمير والشَّعْبي وٱبن سيرين « قُدِّروها » بضم القاف وكسر الدال أي جعللت لهم على قدر إرادتهم . وذكر هذه القراءة المهدويّ عن عليّ وٱبن عباس رضي الله عنهما وقال : ومن قرأ « قُدِّرُوهَا » فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى ، وكأنّ الأصل قُدِّروا عليها فحذف الجر والمعنى قُدِّرت عليهم وأنشد سيبويه : @ آلَيْتَ حَبَّ العِراقِ الدّهْرَ آكُلُهُ والْحَبُّ يأكلُه في القَرْيةِ السُّوسُ @@ وذهب إلى أن المعنى على حَبِّ العراق . وقيل : هذا التقدير هو أن الأقداح تطير فتغترف بمقدار شهوة الشارب وذلك قوله تعالى : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي لا يفضل عن الرِّيِّ ولا ينقص منه ، فقد أُلْهِمت الأقداحُ معرفةَ مقدار رِيّ المشتهى حتى تغترف بذلك المقدار . ذكر هذا القول الترمذيّ الحكيم في « نوادر الأصول » . قوله تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً } وهي الخمر في الإناء . { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } « كَانَ » صلة أي مزاجها زنجبيل ، أو كان في حكم الله زنجبيلاً . وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يُمزج بالزنجبيل لِطيب رائحتِه لأنه يَحْذُو اللسان ، ويهضم المأكول ، فرغبوا في نعيم الآخرة بما ٱعتقدوه نهاية النَّعمة والطيب . وقال المسيَّب بن عَلَس يصف ثَغْر المرأة : @ وكَأنَّ طَعْمَ الزنجبِيلِ بِهِ إِذْ ذُقْتَهُ وَسَلاَفَةَ الخَمْرِ @@ ويروي : الكَرْم . وقال آخر : @ كَأَنَّ جَنِيًّا مِن الزَّنْجَبِيـ ـلِ بَاتَ بِفِيَها وأرْياً مشُوراً @@ ونحوه قول الأعشى : @ كَأَنَّ القَرَنْفُلَ والزَّنْجَبِيـ ـلَ بَاتَا بِفيَها وأرياً مَشُوراً @@ وقال مجاهد : الزنجبيل ٱسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار . وكذا قال قتادة : والزّنجبيل ٱسم العين التي يشرب بها المقربون صِرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة . وقيل : هي عين في الجنة يوجد فيها طعم الزنجبيل . وقيل : إنّ فيه معنى الشراب الممزوج بالزنجبيل . والمعنى كأنّ فيها زنجبيلاً . { عَيْناً } بدل من كأس . ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل أي يسقون عيناً . ويجوز نصبه بإسقاط الخفاض أي من عين على ما تقدم في قوله تعالى : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } . { فِيهَا } أي في الجنة { تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } السَّلْسبيل الشراب اللذيذ ، وهو فَعْلَلِيل من السَّلاَلة تقول العرب : هذا شراب سَلِسٌ وسَلْسَال وسَلْسَلٌ وسَلْسَبِيل بمعنىً أي طيّب الطعم لذيذه . وفي الصحاح : وتسلسل الماء في الحلق جرى ، وسَلْسَلْتُه أنا صببته فيه ، وماء سَلْسَل وسَلْسَال : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه ، والسُّلاسل بالضم مثله . وقال الزجاج : السَّلْسَبيل في اللغة : ٱسم لما كان في غاية السَّلاَسة فكأنّ العين سمّيت بصفتها . وعن مجاهد قال : سَلْسَبيلا : حديدة الجَرْية تسيل في حلوقهم ٱنسلالاً . ونحوه عن ٱبن عباس : إنها الحديدة الجَرْي . ذكره الماورديّ ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه : @ يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ الْبَرِيصَ عليهمُ بَردَى يُصَفَّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ @@ وقال أبو العالية ومقاتل : إنما سميّت سَلْسَبيلاً لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم ، تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنة . وقال قتادة : سلسة منقاد ماؤها حيث شاؤوا . ونحوه عن عِكرمة . وقال القَفَّال : أي تلك عين شريفة فَسَلْ سَبِيلاً إليها . وروي هذا عن عليّ رضي الله عنه . وقوله : « تسمَّى » أي إنها مذكورة عند الملائكة وعند الأبرار وأهل الجنة بهذا الاسم . وصرف سلسبيل لأنه رأس آية كقوله تعالى : { ٱلظُّنُونَاْ } و « السَّبِيلاً » .