Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 37-41)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي تجاوز الحد في العِصيان . قيل : نزلت في النضْر وٱبنه الحارث ، وهي عامة في كل كافر آثر الحياة الدنيا على الآخرة . وروي عن يحيى بن أبي كثير قال : من ٱتخذ من طعام واحد ثلاثة ألوان فقد طَغى . وروى جُوَيبر عن الضحّاك قال حذيفة : أخوف ما أخاف على هذه الأمة أن يؤثروا ما يَرَوْن على ما يَعلَمون . ويروي أنه وجد في الكتب : إن الله جل ثناؤه قال « لا يؤثِرُ عبدٌ لي دنياه على آخرته ، إلا بثثت عليه همومه وضيعته ، ثم لا أبالي في أيِّها هلك » . { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } أي مأواه . والألف واللام بدل من الهاء . { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } أي حَذِر مقامه بين يدي ربه . وقال الربيع : مقامه يوم الحساب . وكان قتادة يقول : إن للَّهِ عز وجل مَقاماً قد خافه المؤمنون . وقال مجاهد : هو خوفه في الدنيا من الله عز وجل عند مواقعة الذنب فيقلع . نظيره : « ولمِن خاف مَقامَ ربهِ جنتانِ » . { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي زجرها عن المعاصي والمحارم . وقال سهل : ترك الهوى مِفتاح الجنة لقوله عز وجل : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } قال عبد الله بن مسعود : أنتم في زمان يقود الحقُّ الهوى ، وسيأتي زمان يقود الهَوَى الحقَّ ، فنعوذ بالله من ذلك الزمان . { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } أي المنزل . والآيتان نزلتا في مصْعَب بن عُمير وأخيه عامر بن عمير فروَى الضحاك عن ٱبن عباس قال : أما من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير أُسِر يوم بدر ، فأخذته الأنصار فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا أخو مُصْعَب بن عُمير ، فلم يشدُّوه في الوَثاق ، وأكرموه ، وبيتوه عندهم ، فلما أصبحوا حدّثوا مصعَب بن عُمَير حديثه فقال : ما هو لي بأخٍ ، شدّوا أسيركم ، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً . فأوثقوه حتى بعثت أمّه في فِدائه . « وأما من خاف مقام ربه » فمصْعَب بن عمير ، وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أُحد حين تفرّق الناس عنه ، حتى نفذت المشاقص في جوفه . وهي السهام ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم متشحِّطاً في دمه قال : " عندَ الله أحتسبك » وقال لأصحابه : « لقد رأيته وعليه بُردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعليه من ذَهب " وقيل : إن مصعب بن عمير قتل أخاه عامِراً يوم بدر . وعن ٱبن عباس أيضاً قال : نزلت هذه الآية في رجلين : أبي جهل بن هشام المخزوميّ ومصعب بن عمير العبدريّ . وقال السُّدِّي : نزلت هذه الآية « وأما من خاف مقام ربهِ » في أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وذلك أن أبا بكر كان له غلام يأتيه بطعام ، وكان يسأله من أين أتيت بهذا ، فأتاه يوماً بطعام فلم يسأله وأكله فقال له غلامه : لمِ لا تسألني اليوم ؟ فقال : نسيت ، فمن أين لك هذا الطعام . فقال : تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطَوْنيه . فتقايأه من ساعته وقال : يا رب ما بقي في العروق فأنت حبَسته فنزلت : « وأما من خاف مقام ربهِ » . وقال الكلبيّ : نزلت في من هَمّ بمعصية وقدر عليها في خَلْوة ثم تركها من خوف الله . ونحوه عن ٱبن عباس . يعني من خاف عند المعصية مَقامه بين يدَي الله ، فانتهى عنها . والله أعلم .