Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 6-9)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ } خاطب بهذا منكري البعث . وقال ٱبن عباس : الإنسان هنا : الوليد بن المغيرة . وقال عكرمة : أبيّ بن خلف . وقيل : نزلت في أبي الأشدّ بن كَلَدة الجُمَحِيّ . عن ٱبن عباس أيضاً : « ما غرك بربك الكريم » أي ما الذي غرك حتى كفرت ؟ « بربك الكريم » أي المتجاوز عنك . قال قتادة : غره شيطانه المسلَّط عليه . الحسن : غره شيطانه الخبيث . وقيل : حمقه وجهله . رواه الحسن عن عمر رضي الله عنه . وروى غالب الحنفي قال : " لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } قال : « غره الجهل » " وقال صالح بن مسمار : بلغنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ « يٰأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم » ؟ فقال : « غره جهلُه » " وقال عمر رضي الله عنه : كما قال الله تعالى { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] . وقيل : غره عفو الله ، إذ لم يعاقبه في أوّل مرة . قال إبراهيم بن الأشعث : قيل للفُضَيل ابن عياض : لو أقامك الله تعالى يوم القيامة بين يديه ، فقال لك : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال : كنت أقول غَرَّني سُتُورك المرخاة ، لأن الكريم هو الستَّار . نظمه ٱبن السَّماك فقال : @ يا كاتمَ الذنب أما تستحي واللَّهُ في الخُلْوة ثانيكَا غَرَّكَ من ربك إمهالُهُ وسَتْرُه طولَ مَساويكَا @@ وقال ذو النون المصريّ : كم من مغرور تحت السَّتْر وهو لا يشعر . وأنشد أبو بكر بن طاهر الأبهري : @ يا من غلا في العُجْب والتيهِ وغره طولُ تماديهِ أَمْلَى لك الله فبارزته ولم تخف غِبّ مَعاصيهِ @@ وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه صاح بغلام له مرات فلم يُلَبَّه ، فنظر فإذا هو بالباب ، فقال : مالك لم تُجبني ؟ فقال . لثقتي بحلمك ، وأمني من عقوبتك . فاستحسن جوابه فأعتقه . وناس يقولون : ما غرك : ما خَدَعك وسَوَّل لك ، حتى أضعت ما وجب عليك ؟ وقال ٱبن مسعود : ما منكم من أحد إلا وسيخلو الله به يوم القيامة ، فيقول له : يٱ بن آدم ماذا غرك بي ؟ يا بن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يا بن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ { ٱلَّذِي خَلَقَكَ } أي قدرَّ خلقَك من نطفة { فَسَوَّاكَ } في بطن أمك ، وجعل لك يدين ورجلين وعينين وسائر أعضائك { فَعَدَلَكَ } أي جعلك معتدلاً سَوِيّ الخَلْق كما يقال : هذا شيء معدّل . وهذه قراءة العامة ، وهي ٱختيار أبي عبيد وأبي حاتم قال الفراء : وأبو عبيد : يدل عليه قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] . وقرأ الكوفيون : عاصم وحمزة والكسائي : « فعدَلك » مخففاً أي : أمالك وصرفك إلى أيّ صورة شاء ، إما حسناً وإما قبيحاً ، وإما طويلاً وإما قصيراً . وقال موسى بن عليّ بن أبي رَباح اللَّخْمي عن أبيه عن جده قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " إن النطفة إذا ٱستقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم " أما قرأت هذه الآية { فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } : " فيما بينك وبين آدم " وقال عكرمة وأبو صالح : { فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } : إن شاء في صورة إنسان ، وإن شاء في صورة حمار ، وإن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير . وقال مكحول : إن شاء ذكراً ، وإن شاء أنثى . قال مجاهد : « فِي أي صورةٍ » أي في أي شبه من أبٍ أو أم أو عم أو خالٍ أو غيرهم . و « في » متعلقة بـ « ـركبك » ، ولا تتعلق بـ « ـعدَلك » ، على قراءة من خفف لأنك تقول عَدَلْت إلى كذا ، ولا تقول عَدَلت في كذا ولذلك منع الفراء التخفيف لأنه قدّر « في » متعلقة بـ « ـعدَلك » ، و « ما » يجوز أن تكون صلة مؤكدة أي في أي صورة شاء ركبك . ويجوز أن تكون شرطية أي إن شاء ركبك في غير صورة الإنسان من صورة قِرد أو حمار أو خنزير ، فـ « ـما » بمعنى الشرط والجزاء أي في صورة ما شاء يركبك ركبك . قوله تعالى : { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ } يجوز أن تكون « كَلاَّ » بمعنى حقًّا و « ألاَ » فيبتدأ بها . ويجوز أن تكون بمعنى « لا » ، على أن يكون المعنى ليس الأمر كما تقولون من أنكم في عبادتكم غير الله محقُّون . يدل على ذلك قوله تعالى : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } وكذلك يقول الفراء : يصير المعنى : ليس كما غُررت به . وقيل : أي ليس الأمر كما تقولون ، من أنه لا بعث . وقيل : هو بمعنى الردع والزجر . أي لا تغتروا بحلم الله وكرمه ، فتتركوا التفكر في آياته . ٱبن الأنباريّ : الوقف الجيّد على « الدينِ » ، وعلى « ركبك » ، والوقف على « كَلاّ » قبيح . { بَلْ تُكَذِّبُونَ } يأهل مكة { بِٱلدِّينِ } أي بالحساب ، و « بل » لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره . وإنكارهم للبعث كان معلوماً ، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة .