Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 14-17)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } : « كَلاّ » : ردْع وزجْر ، أي ليس هو أساطيرَ الأَوّلينَ . وقال الحسن : معناها حقاً « رَانَ على قُلُوبهمْ » . وقيل : في الترمذيّ : عن أبي هُريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكِتَتْ في قلبه نُكْتة سوداء ، فإذا هو نزع وٱستغفر الله وتاب ، صُقِل قلبه ، فإن عاد زيد فيها ، حتى تعلُوَ على قلبه ، وهو الرَّانُ الذي ذكر الله في كتابه « كَلاّ بلْ رَان على قُلُوبهمْ ما كانوا يَكْسِبون » " قال : هذا حديث حسن صحيح . وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسودّ القلب . قال مجاهد : هو الرجل يُذْنب الذنب ، فيحيط الذنب بقلبه ، ثم يدنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه ، حتى تُغَشِّي الذنوب قلبه . قال مجاهد : هي مثل الآية التي في سورة البقرة : { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } … الآية . ونحوه عن الفراء قال : يقول كثرت المعاصي منهم والذنوب ، فأحاطت بقلوبهم ، فذلك الرَّيْنُ عليها . ورُوي عن مجاهد أيضاً قال : القلب مثل الكهف ورفع كفه ، فإذا أذنب العبد الذنب ٱنقبض ، وضم إصبعه ، فإذا أذنب الذنب ٱنقبض ، وضم أخرى ، حتى ضم أصابعه كلها ، حتى يُطْبَع على قلبه . قال : وكانوا يرون أن ذلك هو الرَّيْن ، ثم قرأ { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . ومثله عن حذيفة رضي الله عنه سواء . وقال بكر بن عبد الله : إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ، ثم صار إذا أذنب ثانياً صار كذلك ، ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمُنْخُل ، أو كالغِربال ، لا يعي خيراً ، ولا يثبُت فيه صلاح . وقد بيَّنا في « البقرة » القولَ في هذا المعنى بالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا معنى لإِعادتها . وقد روى عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ٱبن عباس ، وعن موسى عن مقاتل عن الضحاك عن ٱبن عباس شيئاً الله أعلم بصحته قال : هو الرَّان الذي يكون على الفخذين والساق والقدم ، وهو الذي يُلْبس في الحرب . قال : وقال آخرون : الران : الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل . وهذا مما لا يُضْمن عُهْدة صحتِه . فالله أعلم . فأما عامة أهل التفسير فعلى ما قد مضى ذكره قبل هذا . وكذلك أهلُ اللغة عليه يقال : رَانَ على قلبه ذنبُه يَرِينُ رَيْنا ورُيونا أي غلب . قال أبو عُبيدة في قوله : « كَلاَّ بلْ رَانَ علَى قُلُوبِهمْ ما كانوا يكسِبُونَ » أي غلب وقال أبو عُبيد : كل ما غلبك وعَلاَكَ فقد ران بك ، ورانك ، وران عليك وقال الشاعر : @ وكَمْ رانَ مِن ذنبٍ على قلِب فاجِرٍ فتابَ مِن الذنبِ الذي رَانَ وٱنجلَى @@ ورانتْ الخمر على عقله : أي غلبته ، وران عليه النُّعاسُ : إذا غطّاه ومنه قول عمر في الأُسَيفع أُسَيْفعِ جُهَيْنة ـ : فأصبح قد رِينَ به . أي غلبته الديون ، وكان يَدَّانُ ومنه قول أبي زُبَيد يصف رجلاً شرب حتى غلبه الشراب سُكْراً ، فقال : @ ثم لما رآه رانتْ بِهِ الخمـ ـرُ وأَنْ لا تَرِينَه بِاتقاءِ @@ فقوله : رانت به الخمر ، أي غلبت على عقله وقلبه . وقال الأمويّ : قد أران القوم فهم مُرِينون : إذا هلكت مواشيهم وهُزِلت . وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم ، فلا يستطيعون ٱحتماله . قال أبو زَيد يقال : قد رِينَ بالرجل رَيْنا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ، ولا قبل له وقال : أبو مُعاذ النحويّ : الرَّين : أن يسودّ القلب من الذنوب ، والطَّبَع أن يُطْبَع على القلب ، وهذا أشد من الرَّين ، والإقفال أشد من الطَّبَع . الزَّجّاج : الرَّيْن : هو كالصدأ يُغَشِّي القلب كالغيم الرقيق ، ومثله الغين ، يقال : غِين على قلبه : غُطِّي . والغَين : شجر ملتف ، الواحدة غيناء ، أي خضراء ، كثيره الورق ، ملتفة الأغصان . وقد تقدم قول الفراء أنه إحاطة الذنب بالقلوب . وذكر الثعلبيّ عن ٱبن عباس : « ران على قلوبِهم » : أي غطَّى عليها . وهذا هو الصحيح عنه إن شاء الله . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والمفضل « ران » بالإمالة لأن فاء الفعل الراء ، وعينه الألف منقلبة من ياء ، فحسنت الإمالة لذلك . ومن فتح فعلى الأصل لأن باب فاء الفعل في فَعَلَ الفتح ، مثل كال وباع ونحوه . وٱختاره أبو عُبيد وأبو حاتم ووقف حفص « بَلْ » ثم يبتديء « رَانَ » وقفاً يُبَيِّن اللام ، لا للسكت . قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّهُمْ } أي حقاً « إنهم » يعني الكفار { عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ } أي يوم القيامة { لَّمَحْجُوبُونَ } . وقيل : « كلاَّ » ردع وزجر ، أي ليس كما يقولون ، بل { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } . قال الزجاج : في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يُرىَ في القيامة ، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة ، ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون . وقال جل ثناؤه : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] فأعلم الله جل ثناؤه أن المؤمنين ينظرون إليه ، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه ، وقال مالك بن أنس في هذه الآية : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه . وقال الشافعي : لما حجب قوماً بالسخط ، دل على أن قوماً يرونه بالرضا . ثم قال : أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا . وقال الحسين بن الفضل : لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته . وقال مجاهد في قوله تعالى { لَّمَحْجُوبُونَ } : أي عن كرامته ورحمته ممنوعون . وقال قتادة : هو أن الله لا ينظر إليهم برحمته ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . وعلى الأول الجمهور ، وأنهم محجوبون عن رؤيته فلا يرونه . { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو ٱلْجَحِيمِ } أي ملازموها ، ومحترفون فيها غير خارجين منها ، { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] و { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [ الإسراء : 97 ] . ويقال : الجحيم الباب الرابع من النار . { ثُمَّ يُقَالُ } لهم أي تقول لهم خزنة جهنم { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } رسل الله في الدنيا .