Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 2-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } قد تقدّم معنى التسوية في « الانفطار » وغيرها . أي سوّى ما خلق ، فلم يكن في خلقه تَثْبِيج . وقال الزجاج : أي عدّل قامته . وعن ابن عباس حسن ما خلق . وقال الضحاك : خلق آدم فسوّى خلقه . وقيل : خلق في أصلاب الآباء ، وسوّى في أرحام الأمّهات . وقيل : خلق الأجساد ، فسوّى الأفهام . وقيل : أي خلق الإنسان وهيأه للتكليف . { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } قرأ عليّ رضي الله عنه والسُّلمِيُّ والكِسائيّ « قَدَر » مخففة الدال ، وشدّد الباقون . وهما بمعنى واحد . أي قدّر ووفق لكل شكل شكله . { فَهَدَىٰ } أي أرشد . قال مجاهد : قدّر الشقاوة والسعادة ، وهدى للرشد والضلالة . وعنه قال : هَدَى الإنسانَ للسعادة والشقاوة ، وهَدَى الأنعام لمراعيها . وقيل : قدّر أقواتهم وأرزاقهم ، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً ، ولمراعيهم إن كانوا وَحْشاً . وروي عن ابن عباس والسُّدَّيّ ومقاتل والكلبيّ في قوله « فَهَدَى » قالوا : عَرَّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى كما قال في طه : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] أي الذكر للأنثى . وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها ، وهداها له . وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها . وقيل : « قَدَّرَ فهدَى » : قدّر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه إليه ، وعرفه وجه الانتفاع به . يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألفُ سنة عمِيت ، وقد ألهمها الله أنّ مسح العين بورق الرازِيانج الغضّ يرد إليها بصرها فربما كانت في بَرّية بينها وبين الريف مسيرة أيام ، فتطوِي تلك المسافة على طولها وعلى عماها ، حتى تهجُم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها ، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله تعالى . وهدايات الإنسان إلى ما لا يحدّ من مصالحه ، وما لا يحصر من حوائجه ، في أغذيته وأدويته ، وفي أبواب دنياه ودينه ، وإلهامات البهائم والطيور وهوامّ الأرض باب واسع ، وشَوْط بطِين ، لا يحيط به وصف واصف فسبحان ربي الأعلى . وقال السُّدّيّ : قدّر مدّة الجنين في الرّحِم تسعة أشهر ، وأقل وأكثر ، ثم هداه للخروج من الرّحِم . وقال الفراء : أي قدّر ، فهدى وأضل فاكتفى بذكر أحدهما كقوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان كقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ } [ الشورى : 52 ] أي لتدعو ، وقد دعا الكل إلى الإيمان . وقيل : « فهدى » أي دلهم بأفعاله على توحيده ، وكونه عالماً قادراً . ولا خلاف أن من شدّد الدال من « قَدَّر » أنه من التقدير كقوله تعالى : { وخلق كل شىء فقدره تقديرا } [ الفرقان : 52 ] . ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى . ويحتمل أن يكون من القُدْرة والمُلْك أي ملك الأشياء ، وهدى من يشاء . قلت : وسمعت بعض أشياخي يقول : الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى . هو تفسير العلوّ الذي يليق بجلال الله سبحانه على جميع مخلوقاته . قوله تعالى : { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } أي النبات والكلأَ الأخضَر . قال الشاعر : @ وقد ينْبُتُ المَرْعَى على دِمنِ الثَّرَى وتَبقَى حَزازات النفوسِ كما هِيَا @@ { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } الغُثاء : ما يقذِف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقُماش . وكذلك الغُثَّاء بالتشديد . والجمع : الأغثاء . قتادة : الغثاء : الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبِس : غُثاءٌ وهَشِيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القُماش غثاء كما قال : @ كأنّ طَمِيّةَ المُجَيمِرِ غُدْوةً من السَّيْل والأَغثاءَ فَلْكَةُ مِغْزَلِ @@ وحكى أهل اللغة : غثا الوادي وجَفأَ . وكذلك الماء : إذا علاه من الزَّبَد والقُماش ما لا ينتفع به . والأَحْوى : الأسود أي أن النبات يضرب إلى الحُوّة من شدّة الخضرة كالأسود . والحوّة : السواد قال الأعشى : @ لَمْيَاء في شَفَتيها حُوّةٌ لَعَسٌ وفي اللِّثاثِ وفي أَنيابها شَنَب @@ وفي الصحاح : والحوّة : سمرة الشفة . يقال : رجل أحوى ، وامرأة حوّاء ، وقد حَوِيت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفرة . وتصغير أحوى أحيوٍ في لغة من قال أسَيْوِد . ثم قيل : يجوز أن يكون « أحوى » حالاً من « المَرعَى » ، ويكون المعنى : كأنه من خضرته يضرب إلى السواد والتقدير : أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء . يقال : قد حَوِيَ النبت حكاه الكسائي . وقال : @ وغَيثٍ من الوسْمِيِّ حُوٍّ تِلاعُه تبطَّنته بشَيظَم صَلَتانِ @@ ويجوز أن يكون « أحوى » صفة لـ « ـغثاء » . والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة : فجعله أسودَ من احتراقه وقِدمه والرَّطب إذا يبِس اسودّ . وقال عبد الرحمن بن زيد : أخرج المرعى أخضر ، ثم لما يبِس اسودَ من احتراقه ، فصار غُثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مَثَل ضربه الله تعالى للكفار ، لذهاب الدنيا بعد نضارتها .