Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 50-51)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ الْمَلِكُ } الريان لما أَخبره الساقى بتأْويل الرؤيا يوسف { ائْتُونِى بِهِ } أَى بيوسف بهذا المعبر لرؤياى تعبيراً لائِقاَ غريباً لعلمه وفضله { فَلَمَّا جاءَه } أَى يوسف { الرَّسُولُ } ليخرجه من السجن إلى الملك ، وقال اخرج بإِذن الملك الريان وأَته ، وهو الذى استفتاه وهو الساقى ، { قَالَ ارْجع إِلَى رَبِّكَ } سيدك الريان { فاسْأَلْهُ مَا بَالَُ } شأْن { النِّسْوةِ اللاَّتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } لأَنه إِذا أَقررن بما علمن من شأْنه معهن ومع امرأَة العزيز المقرة باستعصامه تحقق على المعتاد عنده أَنه برىءٌ وفى الأَية حث الإِنسان على نفى التهم عنه ، روى أَن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه امرأَة فقال : " هذه زوجى " وفى رواية " هذه زوجى فلانة " فقال : كل من أَظن به لا أَظن بك . فقال صلى الله عليه وسلم : " إِن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم " يعنى فقد يمكن أَن تظن بى ، وكان الزمخشرى يقضى بين الناس المعتزلة وغيرهم لأَن أَمر القضاءِ لا يخاف منه نزغة اعتزالية لأَنه ليس ديانة ، وكل بلد دخله قاضياً أَخبرهم أَن رجله سقطت لثلج فى سفر لا لجناية ، وكان يمشى بخشبة ، وقوله : فاسأَله ما بال النسوة ، أَو عد من قوله فاسأَله أَن يفتش عن حالهن لأَنه إِن قال اسأْله أَن يفتش ، وكان ذلك حكماً عليه فقد يأْنف ويلغيه بخلاف السؤَال عن حالهن فقد يحركه للبحث بلا أَنفة لأَن النفس تحب الاطلاع على ما خفى ؛ ولأَنه يأْنف أَن يمسك عن شىءٍ جاهلا له مع أَنه قد طلب بمعرفته ، ولم يتعرض لامرأَة العزيز مع أَنها السبب فى تلك الشدائِد تأدباً معها وإِكراماً لها ، ولأَنها قد أَقرت وافتضحت ولأَنه خاف أَن تزيد فيه مكراً آخر وهو يراها على ضلالها القديم ، ولذلك التأَدب قابلته بإِقرارها بنزاهته ، واستعمل الجميل مع النسوة إِذا اقتصر على ذكر التقطيع والكيد دون ذكر المراودة { إِنَّ ربِّى } الله ، وزعم بعض أَن المراد أَن سيدى الريان وهو عالم بأَمرهن مع يوسف { بِكَيْدِهِنَّ } قولهن أَطع مولاتك ومراودتهن له إِلى أَنفسهن ، وقيل الضمير للنساءِ مطلقا على طريق الاستخدام فتدخل هؤلاءِ النسوةِ بالأَولى والبرهان والأَول أَولى { عَلِيمٌ } استعظم كيدهن فاستشهد عليه بعلم الله وعلى براءَته من ذلك ، وفى ذلك تضمن الوعيد لهن عند الله فإن الصحيح أَن ربى بمعنى الله ، ولو جاز أَن يكون الريان على أَن لفظ ربى يقال للملك ، أَو باعتبار ما يقال فى العامة له من أَنه رب لهم أَى سيد ، أَو اعتبار أَن يوسف مرمى بالعبودية ، وما يقال لأَنه رباه لا يظهر لأَنه رباه العزيز إِلا أَن يقال : مال العزيز من الملك أَو متسبب منه ولم يعجل بالخروج ليبرىءَ ساحته أَولا فلا يجد أَحد إِليه سبيلا بالريبة والتهمة ، والبهتان ، على أَنه علم بالوحى أَو الإِلهام أَنه يقررن فلا ينظر إِليه الملك بالعين الأُولى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أَخى يوسف لو دعيت من السجن لأَعجلت الخروج " ولفظ الطبرانى وابن راهويه وابن مردويه عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم : لو كنت مكانه ولبثت فى السجن ما لبث لأَسرعت الإِجابة ، وفى رواية : " لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئِل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أَخبرتهم حتى يخرجونى ، ولقد عجبت منه حين أَتاه الرسول فقال : إِرجع إِلى ربك ، ولو كنت مكانه ولبثت فى السجن ما لبث لأَسرعت الإِجابة وبادرتهم الباب ، ولما ابتغيت العذر إِن كان لحليما ذا أَناة " قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا ، وإِلا فحلمه وصبره ليس دون يوسف ، وقوله : يغفر الله له توقير كما يقال : عفا الله عنك ما جوابك ، أَو قال : غفر الله له لاشتغاله بإِظهار براءَة نفسه عن تبليغ التوحيد ، وفيه أَن الاشتغال بذلك شهيد لقبول قوله : لأَن الأَنبياءَ مبرءُون عما يتهمون به ، أَو قال صلى الله عليه وسلم : لو كنت إِلخ تعليما للسامعين ، لانتهاز الفرصة ، وقد يظهر للملك أَمر يمنع من إِخراجه حين تأَخره عن الخروج ، أَو ذلك جرى على مقتضى سعة رحمة الله أًكثر من وسعها على غيرها { قَالَ } الملك { مَا خَطْبُكُنَّ } الخطب الأَمر العظيم الذى يحق أَن يخاطب فى شأْنه أَو لأَجله صاحبه ، ويخطب فيه الناس ، ولذا قال الجوهرى : الخطب سبب الأَمر { إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُف عَنْ نَفْسِهِ } أَراد زليخاءَ أَو راعيل ، والاسمان لامرأَة العزيز ، وهى التى راودته وحدها ، وخاطبهن بالمراودة كلهن سترا عليها وهى فى جملتهن حاضرة ، فذلك حكم على المجموع كل لا كلية ، وقيل : راودنه كلهن ، وقيل : عد قولهن أَطع مولاتك مراودة ؛ لأَن قولهن تحصيل لمراودته زليخاءَ ، وكذا يوسف ، إِذ قال : ما بال النسوة ، ولم يقل ما بال زليخاءَ فعلت ما فعلت ، إِبقاءً عليها وأَدبا معها ومراعاة لما سبق من إِكرامها إِياه وإِذ متعلق بخطب ، إِذ المعنى ؛ ما فعلتن إِذ راودتن يوسف عن نفسه ؟ هل وجدتن منه ميلا إِليكن { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا علِمْنَا علَيْهِ مِنْ سُوءٍ } زنا أَو إِشارة إِليه أَو خيانة أَو ذنبا ، وذلك تعجب من قدرة الله تعالى على خلق عفة يوسف مع وجود الملاذ ، وذلك بعد إطلاعهن على براءَته ، وسمى الذنب سوءاً ؛ لأَن القلب يغتم به { قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ } تبين بعد خفاءِ قاله الخليل ابن أَحمد - رحمه الله - أَو بانت حصة الحق من حصة الباطل وتميزت ، وهو راجع إِلى ما قال الخليل ، وقيل معناه ثبت ورسخ ، كما يقال حصحص البعير إِذا أَلقى مباركه ليناخ ، قال فى شرح التسهيل : الآن هنا بمعنى القرب مجازا ، فيصح على الماضى والمستقبل ، وهو اسم لدخول أَل وحرف الجر ، يقال إِلى الآن ومن الآن بفتح النون مع دخول الجار فهو مبنى ؛ لأَنه اسم إِشارة ، والإِشارة إِنشاء كهلا وهل ولعل ، وضع من أَول الأَمر على أَن المعنى الإِشارة ، فلا يعترض بأَن اسم الإِشارة لا يدخله أَل وأَلفه عن واو لأَنه يفسر بالأَوان ، أَو عن ياءٍ من آن يئِين قرب ، واعترض بأَنه ليس بمعنى القرب { أَنَا رَاوَدْتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ } لا هو راودنى ، ومثل هذا اختصاص هو كالحصر كقوله : أَنا فعلت أَى لا غيرى { وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } فى قوله : هى راودتنى ، هذا أولى من قولها إِنه لصادق ؛ لأَنه كالبرهان ، قالت ذلك لما رأَت منه الستر عليها ومراعاة الأَدب معها ، إِذ قال : ما بال النسوة ، ولم يذكرها مع أَن الفتنة كلها من جهتها .