Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 34-35)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وآتَاكُمُ مِّنْ كُلِّ مَا سَأْلْتُمُوهُ } قدر بعض وما لم تسأْلوه ، وذلك زيادة على السبع المتقدمة مما لا يحصره إلا الله - عز وجل - مما سأَلتموه بالفعل أَو بالإِمكان فالسؤَال بلسان الحال أَو بلسان المقال ، ومنه ما بالقلب فإِنه أَعطانا ما سأَلناه بأَلسنتنا وقلوبنا ، وما نسأَله مما احتجنا إليه ، أَو زيادة على حاجتنا ، ومن للابتداءِ والمفعول محذوف أى ما يليق بكم ، أَو للتبعيض أى شيئاً هو بعض الجنس الذى سألتموه لا من كل فرد فرد بل من كل صنف ، ولا إشكال ، ولما كان هذا البعض هو الأَصلح بحسب الحكمة كان كأَنه أَعطانا كل ما سأَلناه ، أَو أَعطى هذا بعض ما سأَله غيره مثل أَن تسأَل شيئاً قد سأله غيرك فى جملة أَشياءَ فلم يعطه بل أَعطيته أَنت بحسب الحكمة ، وبالعكس فقد أَعطى المجموع كل ما سأل المجموع ، وقد أُجيز زيادة من فكل مفعول لآتاكم والجار والمجرور محذوفان ، أى آتاكم من كل ما سأَلتموه من الله أَو سأَلتموه الله ، أو الهاءُ لله فيكون الرابط محذوفاً هو ضمير الشىءِ المطلوب أَى سأَلتموه إياه { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا } إِن تعاطيتم أَو أَردتم عدها لم تقدروا عليه ، وإن ابتدأْتم عددها لم تتموه ، وسواءٌ عد أَنواعها أو عد أَفرادها كل من ذلك لا يطاق ، ومن النعم منع موانعها ، وإِضافة النعمة إلى الله للاستغرق ومنها الشكر يحتاج إلى شكر ؛ لأَنه نعمة وفق الشاكر إليها { إِنَّ الإِنْسانَ } الحقيقة فى ضمن الأَفراد لا الكل الاستغراقى ، لأن من الناس من لم يكفر ولم يظلم كالأَنبياءِ ، ومن لم يكلف كالأَطفال ، ومن عادة الناس الكفر والظلم إِلا أَن منهم من يتوب { لَظَلُومٌ } للنعمة بإِهمال استعمالها فى العبادة وما يوصل إليها ولنفسه بحرمانها من منافعها الدنيوية والأُخروية ، وبالتعرض لزوالها بإِهمالها ولعذاب الآخرة ، والمراد كثير الظلم وعظيمه { كَفَّارٌ } عظيم الكفر وكثيرة بعبادة غير الله ووصفه بصفات خلقه ، أَو ظلوم فى الشدة يشكو ويجزع ، كفار فى النعمة يجمع ويمنع ، أَو ظلوم لنفسه كفار بنعمة ربه ، وقيل الظلوم الشاكر لغير من أَنعم عليه ، والكفار الجاحد لنعم ربه ، وختم هنا بظلوم كفار لتقدم ذكر تبديل نعمة الله تعالى ، وفى النحل بقوله : { غفور رحيم } [ النحل : 115 ] لتقدم ذكر تفضلات ، فذلك تحريض للرجوع إليه تعالى لكثرة نعمه ، وعن ابن عباس : الإِنسان أبو جهل ، وقدم ظلوم للفاصلة ، وذكر بعض هذه النعم بقوله : { وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } واذكر يا محمد وقت قول إبراهيم لله { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً } إلخ فإن ذلك دعاءُ إبراهيم أبيه لأَهل هذا البلد ، وهو مكة بالرزق والأَمن ، ونهاهم عن عبادة الأصنام ، وهذا فى ضمن قوله : { واجنبنى وبنىَّ أَن نعبد الأَصنام } وقريش بنوه ودعا لهم بإِقامة الصلاة ، وذكر البلد هنا بالتعريف لعهده نكرة فى سورة البقرة عن إبراهيم وهو فيها باعتبار أنه قبل جعله قرية ، وهنا باعتبار أَنه قرية يأْمن أهلها ، وفيها سأل أن يكون بلدا لا يخاف أَهله ، وهنا أن يزال خوفهم ، فأَجاب الله دعاءَه فجعله حراما لا يسفك دم ولا يظلم أحد ولا يصاد صيد ولا يختلى خلاءٌ فيه ، أى لا يقطع حشيشه الرطب ، وما فى البقرة كقولك : اجعل هذا خاتماً حسناً تشير إلى المادة ، وسأَلت أَن يسبك منها خاتماً حسناً ، وما هنا كقولك : اجعل هذا الخاتم حسناً فقد تعمدت نحو الحسن دون الخاتمة بإِحداث حسن فيه ، كصقل وجعل فص فيه ، وإنما ذكرت الخاتم توطئَة { وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَعْبُدَ الأَصْنَامَ } اجعلنا فى جنب غير جنب عبادة الأصنام لا نتناول عبادتها ، وهذا دعاءٌ بالمجموع لا بالجميع ؛ لأَن الأَنبياءَ لا يخافون عبادة الأَصنام لعلمهم بالعصمة منها بخلاف بينه قبل أَن يعلم بنبوءَة من تنبأَ منهم ، أَو أَجمعنا فى أَن لا نعبدها ، أَى اجعل بنىَّ مثلى فى ذلك ، أَو دعاءٌ بالجميع قبل أَن يعلم أَن الأَنبياءَ معصومون أَو بعد علمه ، لكن صدر ذلك منه دهشاً لشدة خوف الأَنبياءِ وهضما وتملقا له وذكرا للفضل ، وإِما أَن يجاب بأَن المراد ، أَدمنا فلا يفك عن ذلك لأَن الأَنبياءَ لا يعبدونها ولا يدومون فى عبادتها ، وبنيهم قد يعبدونها فلم تتحد الجهتان ، ويجاب أَنه لا مانع من قوله أَدمنى فى مجانبتها وأَدم أَولادى فيها سواءٌ تقدم منهم إِشراك أَم لم يتقدم ، وقيل المراد : بنوه من صلبه وغيره الموجودون من ذريته فى حياته والْمؤمنون ، وتقدر عن ، أَى اجنبنا عن أَن أَعبد ، وإِن جعلناه بدل اشتمال قدر عنا ، هكذا اجنب عبادة الأَصنام عنا ، والمراد بنوه من صلبه ومن غيره ، وليس كل دعاءِ النبى مستجاباً ، وقد أُضربت الكعبة بعده وعبد بعض ذريته الأَصنام كقريش ، وقد قال الله عز وجل : { لا ينال عهدى الظالمين } [ البقرة : 124 ] وأَما إضراب الكعبة آخر الزمان فلا يرد علينا لأَن المراد ما قبل ذلك ، وقد قيل : إن إِضرابها قبل هذا الدعاء ، وإِنما دعا به قبل البناءِ ، وأَيضاً المراد عن أَهلها لا أَن لا تخرب .