Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 37-37)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ رَبَّنا إِنّى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى } قال هنا ربنا ولم يقل رب ؛ لأَن المدعو له هنا أكثر وكذا المدعو به هنا التوحيد وإِقامة الصلاة والرزق ، لأَنه إِنما يقيم الصلاة الموحد لا المشرك ، والمدعو له هناك خصوص بينه وبنى بنيه الحاضرين أو المؤمنين ، والمدعو به هناك مجانبة الأصنام ، ويقدر مفعول أَى أَسكنت ذرية من ذريتى أو بعضاً من ذريتى مع سريتى هاجر ، وذلك البعض إسماعيل وذريته ، لا أَولاد إسحاق وأَولاد مدين ولا إسحاق ومدين ، فإِن محلهما الشام ومدين وإِسكان إسماعيل إسكان لذريته بعد لأنهم فى ضمن إسماعيل وفى صلبه ولو حدثوا بعد ، ويمكن أن يكون هذا الدعاءُ بعد وجود بعض أولاد إسماعيل وهو قيدار ولم يلد إلا إياه فصح التعبير بالماضى ، لم يدع إبراهيم بالتنجية من نار نمروذ حين رآهم مشتغلين بها ولا حين ألقى إليها ، وسأله جبريل : هل لك حاجة أو قال له : ادع الله فقال : قد علم حالى مع شدة ، ودعا للإسلام لقوة رغبته فى الدين ، فما زال مترقيا فى أطوار الكمال { بِوَادٍ } فى واد { غَيْرِ ذِى زَرْعِ } هو وادى مكة لأنه لا ينبت لكثرة حجارة أَرضه { عِنْدَ بَيْتِك الْمُحَرَّمِ } المعظم الممنوع من الخراب الذى لا تحل إهانته ولم يستول عليه الطوفان ، بل أعتقه الله منه ومن كل جبار ، وكان من آدم أَو من الملائكة فكان يسمى عتيقاً لقدمه أَو لنجاته من التلف ولو اندرس ، وبعد اندراسه سماه بيتاً باعتبار ما كان عليه ، أَو باعتبار ما سيكون لأَنه بناه بعد هذا الدعاءِ ؛ لأَنه أَسكن إبنه إسماعيل مع أمه هاجر قبل بناءِ الكعبة ، ويجوز أَن يكون هذا الدعاءُ بعد ما شب إسماعيل بعد بنائِهما الكعبة ، بل ذلك قولان مرويان ، ولا بد أَن الله أَبان رسم البيت ، وكذا فى كونه محرما مع أنه اندرس { رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة } عند بيتك المحرم ، هذا دعاءٌ كما مر وهو من أمر الغائِب ، أَمرهم ودعا الله أن يوفقهم إِقامة الصلاة ، ويجوز أَن تكون اللام تعليلية متعلقة بأَسكنت ، أَى أَسكنتهم فى واد لا ماءَ فيه ولا ثمار ولا نبات لإِقامة الصلاة عند البيت ، وكرر النداءَ ووسطه فى دعائِه لأَن مقصوده بالذات إقامة الصلاة عند البيت ، والحرم كله عند البيت ، ذكر أَن الوادى غير ذى زرع فعلم أَنه لم يسكنه للزرع بل للعبادة المدلول عليها بذكر البيت المرحم والتى هى أَفضل العبادات ، وهى إِقامة الصلاة فكأَنه قال : ما أَسكنته إِلا لها ، ولا يلزم التفسير بهذا الحصر ، اللهم إلا إضافيا إلى الزرع فإنه قصد أيضاً مناسك الحج وغيرها فلا حاجة أيضاً إلى تعليق اللام بأَسكنت مؤخراً للحصر { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسَ } قلوباً جمع قلة أُريد به الكثرة إِلا أَنها قليلة بالنسبة ، وسواءَ جعلنا من للتبعيض أَو للابتداءِ كَأنه قال : أَفئدة ناس أَو أَفئدة من الناس بخلاف ما لو قال : أَفئِدة الناس فإِنه يعم ويزدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والمجوس ، كما قال سعيد بن جبير عن ابن عباس لأَن دعاءَه مستجاب { تَهْوِى } تميل بسرعة { إِلَيْهِمْ } لا لذاتهم بل لزيارة البيت ، وذلك دعاءٌ من إبراهيم للمؤْمنين بأَن يرزقهم الله الحج ولسكان مكة من ذريته بالرزق ممن يأْتيهم من الناس { وارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ } أَجاب الله دعاءَه فنقل إليها الطائِف من الشام وجعله حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شىءٍ ، حتى قيل : إنه تجتمع فيه فواكه الفصول فى يوم واحد ، ويروى أن جبريل قلع أرضا من فلسطين ذات ثمار فطاف بها سبعا على البيت ، ووضعها قريبا من مكة فسميت طائِفا ، وذلك لدعوة إبراهيم بقوله : ارزقهم من الثمرات عموما فى دعائِه ، ولا قصد له فى الطائف { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } نعمك ، جاءَ بابنه إسماعيل وهو يرضع وسريته هاجر من الشام وأنزلهما أرض مكة مع جراب تمر وسقاء ماء ، ولا بناءَ بها ولا أَنيس ولا ماءَ ولا شجر ، وأَدبر عنهما ومضى ، وقالت رضى الله عنها مرارا كيف تتركنى هنا ؟ ولم يلتفت إليها فقالت : آلله أمرك ؟ فقال : نعم فقالت : إِذاً لا يضيعنى وذلك بعد نار نمروذ وقبل ولادة سارة إسحاق ، ولما علا الثنية بحيث لا تراه رفع يديه إلى السماءِ مستقبلا فقال : { ربنا إِنى أَسكنت } إلى { يشكرون } وعطشا بعد نفاد السقاءِ فسارت إلى الصفا وعلته لعلها ترى أَحدا ، وذهبت إلى المروة كذلك وترددت بينهما سبعا فكان السعى بينهما سبعا ، وسمعت صوتا فتتبعته فإذا ملك عند ابنها فى محل زمرم وهو جبريل فضرب جبريل بعقبة أو جناحه موضع زمزم فنبع وشربا ، وكانت تحوط عليه فقال الملك : لا تخافى عليه فإن هذا المقام يعمره ابنك ويبنى هو وأَبوه هنا بيتا لله - عز وجل - ، ومر بهم قبيلة من جرهم ذاهبين إلى الشام ، وعطشوا أو نزلوا ورأَوا طيور ترفرف فقالوا : لا تفعل ذلك إِلا على الماءِ ، ولا ماء هنا ، فأَرسلوا رجلا فوجد الماءَ فأَخبرهم وطلبوا النزول معهما على الماءِ على أَن يشركوها فى ألبانهم فقالت : نعم ، وقد احتاجت إلى أَنيس ، وشرطت أن لا حق لهم فى الماءِ إلا الانتفاع ، فأَنعموا وأرسلوا إلى أَهلهم فنزلوا ، ولما شب إسماعيل تعلم منهم العربية ففاقهم وأَعجبهم وتزوج منهم ثم ماتت أُمه .