Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-48)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوَ لَمْ يَرَوْا } أَو لم ينظر هؤلاءِ الماكرون ولم يروا { إِلَى مَا خلَقَ اللهُ مِنْ شَىءٍ } أبهم بشىء بعد الإبهام بما ليصفه بقوله : { يَتَفَيَّؤُ ظَلاَلُهُ } فهو تمهيد لما بعده كما يقال : زيد رجل عربى وكأنه قيل : أَو لم يروا إلى المخلوق الثابت الأَصل الذى له ظل كشجر وجبل وجدار ولا ظل للملك ولا للجن الذى بصورة الريح بلا لحم ودم ، وأما الجن الكثيفة باللحم والدم ، فمن كان منهم بصورة الحية أو غيرها فله ظل وهو فى الأجحرة وما يخفى كجحر الحية فإذا خرج ظهر له ظل ، وأما الجن الكثيفة على صورة الإنسان مثلا فلا نشاهد لهم ظلا وهم فى ضوءِ الشمس والقمر والمصباح فنقول : الله قادر على أن يجعلهم بلا ظل كما قيل : أَن لا ظل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لهم ظل لا نراه كما أنا لا نراهم وذلك بقدرة الله تعالى ، والله على كل شىء قدير ، ولو شاءَ الله لجعل لهم ظلا نراه دونهم لكن نرتاع لذلك فلم يجعله ، أَو هم أجسام غير كثيفة لا ظل لهم كما أَن الهواءَ جسم لطيف لا ظل له ، ومعنى يتفيؤ يميل بالرجوع فهو يتفعل من فاءَ يفىءُ بمعنى رجع والفىءُ مطلق الظل كما هو ظاهر الآية وهما مترادفان ، وقيل : الفىءُ ما بعد الزوال لأَنه رجع إِلى موضع كان فيه قبله والظل ما قبله ، وقيل : ما بعده فىءٌ وظل وما قبله ظل ، ومن ترادفهما قوله : @ فسلام الإله يغدو عليهم وَفيوءُ الفردوس ذات الظلال @@ إذ لا شمس فى الجنة تنسخ الظل { عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ } قيل يمين الواقف مستقبلا للمشرق ، ويسمى الجنوب وشماله ، وقيل اليمين أول النهار والشمال آخره إذ يقع الظل على الربع الغربى قبل الزوال ، وعلى الربع الشرقى آخره ، والربعان الآخران غالبان قيل : إِذا طلعت الشمس وأنت مستقبل القبلة فظلك عن يمينك ، وإذا توسطت السماء فخلفك ، وإذا غربت فيسارك ، قلت : لا يتم هذا لاختلاف مطالع الفصول والأرض ، ومخالفة أول الفصول وما بعده ، وكذا لا يتم قول قتادة والضحاك : اليمين أول النهار والشمال آخره دائماً ، أو المراد باليمين والشمائل يمين الأجرام التى لها ظل ، وشمائِلها على الاستعارة التصريحية ، أو على التخييل للمكنية ، لأن اليمين والشمال حقيقة للإنسان والملائِكة والجن والحيوان ، أَو بمعنى الجانبين إطلاقا للمقيد على المطلق ، وقيل يمين الفلك وهو المشرق وشمائِله وهو المغرب ، شبه الجانب الشرقى بأقوى جانبى الإنسان وهو يمينه ، لأن أقوى الحركات الفلكية التى هى الحركة اليومية أَخذت من المشرق إلى المغرب ، وقيل المراد يمين مستقبل الجنوب وشماله ، وقيل : يمين البلد وشماله إذا كانت الشمس عن يمينه صيفا فتقع الأطلال على يسارها وعكس ذلك شتاء ولا يحسن التعبير بما هو خاص هكذا ، لأَن الآية على العموم ، وأُضيفت ظلال الضمير المفرد مراعاة للفظ ما ، وكذا أُفرد اليمين ، أَو لأَن ( أَل ) للحقيقة مثل : ويولون الدبر ، وجمع الشمال للمعنى كما جمع فى قوله : { سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } وقيل : جمع الشمال لأَن غالب المعمور شمالى ، وقيل : ظل الغداة يضمحل حتى لا يبقى منه إِلا القليل فكأَنه فى جهة واحدة ، ويظل العشى يعم الجهات فجمع ، وأَيضاً الشمال يلى سجدا فجمع لأَنه ولى الجمع وأَفرد اليمين لأنه ولى الضمير المفرد وهو هاء ظلاله ، وجمع داخر لجمع السلامة لأَن الدخور من أَوصاف العقلاءِ ، ولأَن فى جملة ذلك من يعقل ، والسجود عدم المعاصاة طبعا أَو اختيارا يقال سجد الغصن إذا مال لكثرة ثماره ، والأَجرام منقادة لله ، والظلال تميل من جانب لجانب منقادة واقعة على الأرض كالساجد ، قال الحسن : ظلك يسجد لربك وأَنت لا تسجد بئس ما صنعت . وعن مجاهد : ظل الكافر يصلى وهو لا يصلى ، ونقول : ظل كل شىء يسجد لله ، وسجدا ، وهم داخرون ، حالان مترادفان ، أَو مبتدأٌ خلتان ، اَو سجدا حال من الظلال ، وهم داخرون حال من هاءِ ظلاله ولو مضافا إليها لأن المضاف كجزئها ، والداخر الذليل المنقاد ، وإطلاق السجود على وقوع الظل على الأرض استعارة إذ هى لاصقة بالأرض على هيئة الساجد ، وجمع ما يعود إلى ها ظلاله العائدة إلى شىء مراعاة لعموم المراد بشىءٍ .