Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 100-101)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ } فاعل لتملك أصله تملكون ، دل عليه قوله { تَمْلِكُونَ } حذف الفعل ، وانفصل الضمير ، وهذا من التوكيد اللفظى مع الاختصار ، وكذا باب الاشتغال فى النصب ، وقدر بعض لو كنتم تملكون فحذف كان وحده ، وانفصل الضمير ، فتملكون خبر لكان ، وذلك بياء على أن لولا يليها اسم على طريق إيلائه إن وإذا إلا ضرورة . { خَزَائِنَ } استعارة للموجودات فى علم الله من الخير بحقيقية أو تخييلية { رَحْمَةِ } نعمة وهو مجاز مرسل { رَبِّى } من الرزق والمطر ، وصحة البدن وغير ذلك . { إِذًا لأَمْسَكْتُمْ } استعمل بمعنى بخلتم ، فكان لازما أو بقى على تعديه فيقدر له مفعول به ، أى لأمسكتم ما بأيديكم لا تنفقونه . { خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ } عاقبة الإنفاق وهى نقصه ، أو الفقر وفقدها بالكلية ، فيقدر مضاف كما رأيت ، أو الإنفاق كناية عن لازمه ، وهو نفاد الكل أو النقص ، أو الإنفاق بمعنى الافتقار كالإملاق فى الآية الأخرى ، يقال : أنفق مال فلان أى ذهب ، ونفق ماله ونفق الزاد ذهب والبخل لازم لكل واحد ، فإن كل أحد يختار نفسه بماله عن غيره ، وإن أعطاه فلأنه يرجو عطاءً دنيويًا أو عوض مدح أو نحو هذا ، أو عوضا أخرويا ، والله جل وعلا يعطى بدون ذلك . وسئل بعض أصحابنا الأغنياء فقال لسائله : خذ من زكاتى ، فأبى فقال : هل سمعت بغنىّ جواد ، يعنى أن الجود إعطاء جميع ما فى اليد والملك ، وما كان الإنسان غنيًّا إلا لعدم هذا الجود ، ولو جاد كذلك كان فقيراً . { وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا } ضيّقًا ممسكا بخيلا ، لأنه محتاج ، ويحرم عليه أن يؤخر قضاء الدِّين ، وقد وجد القضاء وأمكنه ، سواء كان الدِّين لخاص أو لعام ، لميت أو لحى ، كالأموال التى تجب للفقراء كالزكاة ، وما لا يعرف له رب ، وأنواع الكفارات فمؤخرها مع الوجود والإمكان داخل فى قوله صلى الله عليه وسلم وآتاه الوسيلة " مطل الغنى ظلم " ومن ذلك تأخير أموال الأوقاف والوصايا مع الوجود والإمكان والدرهم فى الحياة كسبعين بعد الموت ، وسبعون بعد الموت ، كواحد فى الحياة ، وتأخير الواجب مع الوجود والإمكان من الرغبة والرهبة ، والحج ليس حقا لمخلوق ، فلا بأس بتأخيره وهو مكروه إلا حجا أوصى به . فيعجل الوارث والخليفة به . وصية الأقرب لا تنفذ قبل الموت إِذ لا يتعين الأقرب إِلا بعد الموت ، وليس فى ذكر الوصية فى القرآن والحديث إجازة تأخير حقوق الناس إلى الموت ، بل يجب إنفاذها وإِلا فلا أقل من الإِيصاء ، فذكرها فيهما يشمل الإيصاء بالواجب وبئس ما فعل من تأخيره ويشمل الإيصاء بغير الواجب ، ولشح الإنسان كان إنما ينفق لرجاء عوض ، وهكذا حاله ، ولو كان غنيًّا ويحتمل أن يراد إن غالب الناس بخلاء لا كلهم . قال الكرخى : إن من الإنسان الأجواد الكرام حتى إن منهم من يجود بنفسه ، وقد قيل الجود بالنفس أقصى غاية الجود حصلت لى نسخة منه عتيقة قوبلت على أصله ، وقيل : الخطاب قبل هذا للقائلين : لن نؤمن لك إلخ ، وأنهم المراد بالإنسان ، ولما قالوا لن نؤمن لك إلخ أجابهم الله بأنا قد آتينا موسى آيات مساويات لما ذكرتم أو أعظم ، ولكن علمنا أن لا تؤمنوا لو أعطيناكم ما طلبتم ، كما لم يؤمن قوم موسى كما قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } اليد ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل وهو سوس ، والضفادع ، والدم ، والطمس على أموالهم بمسخها حجارة ، والسنين ، ونقص الثمرات . أو العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم وانفجار الماء من الحجر ، وانفلاق البحر ، ونتق الجبل على بنى إسرائيل ، أو الطوفان والسنين ، ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة ، أو يجمع الكل لأن ذكر العدد لا يفيد الحصر ، ويبحث بأن الحجر والطور ليسا من الآيات المذهوب بها إلى فرعون وفلق البحر ليس على التحدى . قلت كل ما علم به أو شهده فهو آية جئ بها له ، وذكروا منها موت البهائم ، وبرداً وناراً أهلكا كل ما مرا به من نبات وحيوان ، وظلمة وموتًا عم كبار الآدميين ، وجميع الحيوان . وروى الترمذى والنسائى وابن ماجه ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان ابن عسال أن يهوديًّا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الآيات فقال : " ألا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إِلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببرئ إلى ذى سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا فى السبت " فقبّل اليهودى يده ورجله . وفى رواية عنه أنه جاءه يهوديان اتفقا أن يسألاه فسألاه فأَخبرهما بذلك ، فأَسلما فقبّلا يديه ورجليه ، وهؤلاء عشر لا تسع ، فيجوز أن تفسر الآية بالتسع المذكورة فى هذا ، والاعتداء فى السبت خاص بهم قبل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهن آيات تعم كل أمة ، وبعد بعثه صلى الله عليه وسلم ، يجوز لهم الصيد فى السبت من البحر كغيرهم ، وكسر بينات جر على أنه نعت آيات ، أو نصب على أنه نعت تسع . { فَاسْأَلْ } يا محمد { بَنِى إِسْرَائِيلَ } عن الآيات العامة غير المنسوخة الموحاة إلى موسى ، أو سلهم عن موسى فيما جرى بينه وبين فرعون وقومه سؤال تقرير . { إِذْ جَاءَهُمْ } أى إذ جاء موسى آباءهم بالوحى من الله ، والهاء لبنى إسرائيل على حذف مضاف كما رأيت ، وذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإعلام بأنه لو أعطى ما اقترحوا لم يؤمنوا ، كما لم يؤمن قوم فرعون بآيات موسى ، وزيادة فى قوة يقينه بتتابع الآيات . والمراد بالسؤال كون بنى إسرائيل من أهل علمه لا أن يخبروه ، وإِذ متعلق بآياتنا ، واعترض بما بينهما للمسارعة إلى الأمر بالسؤال لتبكيت المشركين ، ولما مر من النكت أو متعلق ليخبروا محذوفًا مجزومًا فى جواب الأمر أى سلهم يخبروك إذ جاءهم كذا قيل ، وهو غلط لأن مجئ موسى فى زمانه ، والإخبار فى زمان رسول الله صلى الله وسلم عليهما ، أو منصوب باذكر مستأنفًا ، أو بلفظ الحادث ، أى واذكر الحادث إذ جاءهم . ويجوز أن يكون اسأَل على حذف قول معطوف بالفاء على آتينا ، أى فقلنا لموسى : سل بنى إسرائيل ، ويدل لهذا قراءة ابن عباس : فسأَل بصيغة الماضى ، فإن ضميره لموسى إلا أنه قلب الهمزة ألفًا ، وهو لغة ، وعلى هذا سل بمعنى اطلب فرعون أن يعطيك بنى إسرائيل ، أى اسأل فرعون بنى إسرائيل عن دينهم ، وإِذ متعلق بقلنا المقدر لا بسل ، لأنه قال : إذ جاءهم ، ولم يقل : إذ جئتم ، فقال لك ويتعلق بسأَل فى قراءة صيغة الماضى . { فَقَالَ فِرْعَوْنُ إِنِّى لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا } فسد عقلك بسحر أحد لك ، أو بما تأتينا به من السحر ، فصرت تأتينا بما لا يليق ، أو بمعنى ساحر كميمون ومشئوم ، على أن مفعولا يجئ من المتعدد للنسب ، سماه ساحراً إذ رأى منه العجائب كالعصا ، وعطف قال على جاء .