Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 8-9)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } إلخ هو مما فى التوراة محكيا بالقول المقدر ، قبل : إن أحسنتم إلخ ، كأنه أعيد القول هكذا قائلين ، أو قلنا : عسى ربكم أن يرحمكم بعد المرة الأولى . { وَإِنْ عُدْتُمْ } أى رجعتم إلى الإفساد مرة ثالثة { عُدْنَا } إلى العقاب لكم ، وقد عادوا إلى الإفساد بتكذيب رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقصد قتله مراراً كإلقاء الصخرة عليه فى أعمال المدينة ، وفى الشام ، وإطعام السم وغير ذلك ، فعاد الله عز وجل عليهم بتسليطه عليهم ، فقتل قريظة ، وأجلى بنى النضير ، وضرب الجزية على الباقين ، وتسليط الأكاسرة عليهم ، وضربهم الاتاوة عليهم ونحو ذلك ، والعقاب ثلاث مرات ، والعود مرتان ، لأن الأولى ليست عوداً وتلك العقوبات الثلاث فى الدنيا . وأما عذاب الآخرة ففى قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ } لم يقل لهم لزيادة ذمهم ، وذكر ما به العقاب وهو الكفر ، أو للعموم فيدخلون بالأولى . { حَصِيرًا } موضعًا حاضراً لا طاقة لهم عن الخروج منه ، وهذا باعتبار أصله فى الاشتقاق ، مع أنه قد خرج منه إلى معنى الموضع المسمى بالسجن ، فلاعتبار معنى الموضع صح الإخبار عن المؤنث ، وهو جهنم ، ولم يقل حصيرة لتأويل جهنم بالسجن ، أو الحصير للنسب كما يقال : امرأة لابن أى ذات لبن ، وهو وجه فى قوله تعالى : { السماء منفطر به } [ المزمل : 18 ] أو لحمل فعيل بمعنى فاعل على فعيل ، بمعنى مفعول ، كامرأة كحيل أى مكحولة . وأما كون التأنيث مجازيًا فإنما هو فى الظاهر ، وأما فى الاضمار فلا بد من المطابقة نحو : الشجرة قائمة ، أو لتأويل الحصير بالبساط ، أو لتأويله بمحصورة ، وفعيل بمعنى مفعول لا يؤنث مع ذكر صاحبه ، كأنه قيل : جهنم محصورة ، أى محاط عليها ، لا سبيل لأحد إلى جعل باب أو ثلمة للخروج منها ، أو إلى الغلبة عليها . لما ذكر الله عز وجل الإسراء ، وبعض أخبار التوراة وموسى عليه السلام فى القرآن أثنى على القرآن المشتمل على ذلك وغيره من الحكم والمصالح والشرعيات ، فقال : { إِنْ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِى } كل أحد هداية بيان ، فالحذف للعموم أو بقدر يهدى المؤمنين أى مسار فى الإيمان ، أو المراد زيادة تأثير الهدى . { لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } أى للسيرة التى هى أقوم ، أو للطريقة التى ، أو للملة التى ، أو للحالة التى ، أو للخصلة التى ونحو ذلك مما هو مقبول ، فتذهب النفس كل مذهب لائق ، وذلك من بلاغة القرآن ، ولو صرح بواحد من ذلك لم تذهب النفس إلى غيره ، بل يقتصر عليه ، ومعنى أقوم أعدل وأصوب ، وأقوم تفضيل على بابه لأن فى القرآن ما ليس فى الكتب السابقة من القوام ولأمته ما ليس لأممها ، أو على فرض أن فى غيره من دعوى الناس صلاحًا ، فالقرآن أصلح أو خارج من بابه ، أى للتى هى قيمة ، وأسند الهدى للقرآن على طريق المجار العقلى ، لأنه آلة للمهتدى أو لمعنى الدلالة على ما يوصل إِلى المطلوب . { وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ } يشتمل على التبشير والمبشر حقيقة هو الله ، ولكن أسنده إلى المحل وهو القرآن ، أو إلى ما به للتبشير وهو القرآن . { الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } أى بأن لهم أجرًا عظيمًا كثرة وجودة هو الجنة ، وجميع ما لهم فيها ، ومن مات من أهل التوحيد مصرًّا لم يدخل الجنة ، بل النار ، ومن مات منهم تائباً دخل بمرتبته ، وأهل الجنة متفاوتون فيها .