Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 5-6)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الرَّحْمن } مبتدأ خبره قوله : { عَلى العَرْش اسْتَوى } أو يقدر هو الرحمن ، أو بدل من المستتر فى خلق على وضع الظاهر موضع المضمر ، كأنه قيل تنزيلا ممن خلق الرحمن السماوات ، برفع الرحمن تنزيلا منزلة رابط الصلة ، كقوله : وأنت الذى فى رحمة الله أطمع ، أى فى رحمته وما تقدم أولى ، واستوى خبر ثان للرحمن إذا قدر : هو الرحمن ، وعلى الإبدال يقدر هو استوى . والعرش فى اللغة سرير الملك ، وفى الشرع سرير ذو قوائم تحمله الملائكة عليهم السلام فوق السموات كالقبة ، كما خلق الله الغار فى الجبل ، وليس الله حالا فيه ولا فوقه ، ومعنى استواءه على العرش أنه ملكه . روى أن الحسن كان يعظ الناس فوقف عليهم أعرابى فقال : يا أبا سعيد أجلس ربنا على العرش ، فغضب ، فقال يزيد الرقاشى : يا أبا سعيد لقد رأينا صدر هذه الأمة يبغض أحدهم السؤال عن الله سبحانه وتعالى ، ثم يجيب فأجب إن كان عندى جواب ؟ فعرف الحسن أنه أساء ، فقال الأعرابى : إياك أسأل يا يزيد رحمك الله ، فقال : يالكع إنما يقوم من يمل القعود ، ويقعد من يمل القيام ، قال : فمتكىء هو ؟ قال : إنما يتكىء من يمل القعود والقيام ، قال : أمتصل هو بعرشه ؟ قال : سبحان الله تباً لكم إنما يتصل بالمخلوق من هو مخلوق وأما الرب سبحانه فلا مثل له ، ولا يتصل بشىء ، ولا يمسه شىء ، ولا يناله شىء ، وهو أعز وأمنع أن يتنزل بحالة الاتصال ، قال أفمنفصل هو ؟ قال : إنما ينفصل ما يحد بحدود ، ولا حد الله تعالى ولا غاية . قال : سبحان الله هو لا قائم ولا قاعد ، ولا متكىء ولا مضطجع ، ولا متصل ، ولا منفصل فكيف هو ؟ قال : لا كيف له ، ويحك أتدرى ما الكيف ؟ قال : لا ، قال : إنما الكيف فى الغائب إذا استوصف فيوجد له فى الحاضر ، فيقول الواصف هو كذا أو مثل كذا ، وأما الرب جل وعلا فلا مثل له فيما غاب ، ولا فيما بقى ، ولا يقال له كيف ، ولا يُطلب بالكيف ، إنما يراد بالكيف الشبه والعدل ، والله تعالى ليس كمثله شىء . وفى الصحيحين عن أبى سعيد : " جاء يهودى الى النبى صلى الله عليه وسلم يشكو صحابياً لطم وجهه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لم لطمت وجهه ؟ " فقال سمعته يقول : والذى اصطفى موسى على البشر ، فغضبت وقلت : يا خبيث اصطفاه على محمد ، فلطمته غيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدرى أفاق قبلى ، أم جوزى بصعقة الطور " فذكر للعرش قوائم ، وإنما نهى عن التخيير قبل أن ينزل عليه أنه سيد ولد آدم ، وأنه إمام الأنبياء ، ونبيهم ونحو ذلك فى أحاديث . وانظر أى تخيير فى الحديث فكأنه فهم أن اليهودى أثبت الرسالة لسيدنا محمد الى غير اليهود ، وفضل موسى عليه ، والصحابى أراد تخييره صلى الله عليه وسلم على موسى عليه السلام ، وهو على قدر سعة السماء السابعة ، فيكون ما رواه أبو ذر من غيره أن الكرسى فيه كحلقة فى فلاة ، والسموات والأرض فى الكرسى كحلقة باعتبار علو قبته ، وزعمت طائفة من المتكلمين أن العرش محيط بالعالم كله من كل جهة ، وأنه الفلك الأطلس ، والفلك التاسع ، ويرده ما صح بالقرآن أن الملائكة تحمله ، وما جاء عن جابر بن عبدالله أن العرش اهتز لموت سعد بن معاذ ، والفلك التاسع عند هؤلاء متحرك دائماً حركة متشابهة ، وقد يجاب بأنه تحرك يوم مات حركة زائدة ، وحمل حركته له على الاستبشار ، يحتاج الى دليل ، وأى دليل على أن الأفلاك تسعة . وأن التاسع أطلس ، وتفسير العرش بالملك ينافيه حمل الملائكة له ، وحديث أخذ موسى بقائمة منه ، وحديث اهتزاز العرش لموت سعد ، وحديث خلق الله الخلق ، وكتب فى كتاب : أن رحمتى سبقت غضبى ، وضعه فوق العرش ، وأنه خارج عن خطاب العرب فى الظاهر ، ولو كانت تعرف أيضاً العرش بمعنى الملك فيصير تارة الى تفسيره بالسرير المذكور الشرعى ، وتارة الى تفسيره بالملك ، وهذا خلاف الظاهر . واستواء الله على هذا الجسم العظيم ملكه إياه تعالى الله عن الحلول ، ونحمل آيات القرآن على ظاهرها إلا ما يوجب التشبيه ، فناوله ، وروى عن على بن أبى طالب الاستواء غير مجهول ، والتكييف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، لأنه تعالى كان ولا مكان ، فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان ، وهو كلام حق إلا قوله السؤال عنه بدعة ، فلعله موضوع ، وشهر قوله : السؤال بدعة عن مالك فى الرؤية ، وحسن جداً قول على : هو على ما كان قبل أن يخلق المكان ، وقد نفى به وبقوله التكييف غير معقول إمكان الاستواء المعقول ، ورجع الى معنى الملك . ومذهبنا ومذهب أبى الحسن الأشعرى ، تأويل المتشابه ، وكانت مالكية المغرب ينزهون الله عن ظاهر المتشابه ، ويعرضون عن تأويله الى أن ظهر محمد بن تومر مهدى الموحدين فى صدر المائة السادسة ، خرج الى المشرق فأخذ التأويل عن علماء مذهب أبى الحسن الأشعرى ، ثم عاد الى المغرب ، فنشر به تأويل المتشابه بما فى كلام العرب من التفنن والمجاز ، فسمى أتباعه موحدين ، تعريضاً بأن مخالفيهم بعدم التأويل بالوقف إيمانهم كلا إيمان ، وهلك من أبقاها على ظاهرها ، وزاد بلا كيف وقدم على العش على متعلقه للفاصلة ، ويبعد أن يكون فاعل استوى هو ما من قوله تعالى : { له ما فى السَّماوات وما فى الأرض } فيتعلق باستوى ، ويكون على العرش خبراً للرحمن ، فيكون قوله تعالى : { ثم استوى الى السماء } [ البقرة : 29 ، فصلت : 11 ] أى استقام له ما فى السموات ، وكذا يبعد أن المعنى استوى إليه ما فى السموات الخ ، لا يكون شىء أقرب إليه من آخر ، وإن أراد قائل ذلك الخروج عن التشبيه ، فقد كفاه التأويل بالاستيلاء ، وإلا فما يقول فى دعواه إن الرحمن على العرش ، ولا بد له من التأويل فيه ، لأنه لم يجعل الخبر استوى . والصواب أن له خبر لما وقدم للحصر أى له لا لغيره ، استقلالا ، ولا شركة ما فيهما ملكاً وتصرفاً وخلقاً . { وما بَيْنهما } كالسحاب والهواء ، والريح والطير التى لا تصل الأرض ، والبحر وحوته ، أرسل ملك بازاً وأطال ، وجاء بحوت فاحضر عالماً وسأله فقال إن فى الجو بحراً والحوت منه { وما تحت الثَّرى } التراب كله ، ومنقطعه ، وذلك ما تحت الأرض السابعة ، وهو صخرة خضراء كما رواه ابن عباس ومحمد بن كعب . وقال جابر بن عبدالله : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تحت الثرى ؟ فقال : الماء ، فقيل : وما تحت الماء ، قال : ظلمة ، قيل : فما تحت الظلمة ؟ قال الهواء ، قيل : فما تحت الهواء ؟ قال الثرى ، قيل فما تحت الثرى ؟ قال انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق ، وعن ابن عباس : الأرضون على ظهر الثور ، والثور على بحر ، ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش ، والبحر صخرة خضراء ، خضرة السماء منها ، وفى الصخرة التى ذكرها الله تعالى فى سورة لقمان ، وذكر بعض أن الصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى ، وقيل : الثرى التراب الذى دون أن يكون طيناً ، ويجوز أن يكون المراد مطلق التراب بمعنى ما ستره التراب ، فيكون قد ذكر ما على ظهر الأرض ، وما فى بطنها . والمراد أن ما ذكر فى الآية كله ملك له تعالى ، ويجوز أن يكون المراد أن له علم ذلك ، والأول المتبادر فيكون العلم فى قوله عز وجل .