Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 27-28)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولو أنَّمَا في الأرض من شَجَرة أقلام } المصدر فاعل لثبت محذوفا وهو مصدر من خارج ، اذ ليس فى خبر ان ، بل يجاء بالكون او بالنسب المفيد معنى الكون من خبرها ، اى لو ثبت كون ما فى الارض اقلاما ، وأقلاما خبر الكون فى التأويل ، وخبر ان قبل التأويل ، او لو ثبتت قلمية ما فى الارض ، وذلك انه لا بد للمؤمن فعل ، ولا بد من التأويل بالمصدر مع ان المفتوحة ، وقال سيبويه : لا يقدر الفعل المصدر مبتدأ بلا خبر : او وجود المسند اليه قبل التأويل ، وقدر بعضهم خبره قبله ، وبعض بعده ، وفى الآية مجئ خبر ان بعد لو اسما كقوله : @ ولو انها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما @@ وقوله : @ ما أطيب العيش لو ان الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم @@ لا كما قال الزمخشرى : من منع ذلك غفلة منه اذ لم يقل : انما يكون الخبر بعدها اسما جاهدا ، او فعلا لا اسما مشتقا فلا يجاب عنه بانه اراد لا يكون فعلا اذا لم يكن اسما مشتقا ، ثم انه اذا لم فعلا فهب انه اسم جامد او مشتق ، ومن معلق بمحذوف حال من المستتر فى قوله : فى الارض ، وشجرة نكرة عامة فى الاثبات ، كقوله تعالى : { علمت نفس } [ التكوير : 14 ، الإنفطار : 15 ] ومن الجائز تقدير مضاف عام فى ذلك ونحوه ، اى علمت كل نفس ، ومن كل شجرة واسم الشرط يعم : مع انه نكرة فى الاثبات لشبهه بالنفى ، وهنا قوى جانب العموم بلو ، لانها حرف شرط ، وحكمة افراد شجرة وتنكيرها دفع ما يتوهم لو جمعت من التوزيع ، بان كل شجرة على حدة قلم ، ليس ذلك مرادا ، بل المراد ان كل عود من كل شجرة ولو دق قلم ، والعود الغليظ او الطويل تكون منه اقلام متعددة ، كاقلام التى عهدناها مع انها يقدر لها البرى الى حد ما يمكن ايضا . { والبَحْر } المحيط ، وأل للعهد لانه المتبادر ، والفرد الكامل ، واجيز ارادة الجنس او الاستغراق والعهد ، او الاستغراق اولى من الجنس ، وذلك ان اريد الجنس جاز ان يراد غير المحيط والمقام للمبالغة { يمدُّه } يصير مدادا لما فى الدنيا من الاشجار الواقع كل عود منها قلما على حد ما ذكرت آنفا ، والمد الزيادة اى تضم الى الاقلام ، ومد الدواة زاد فيها ما يكتب به من المداد الاسود او الاحمر او الاخضر او غير ذلك ، وجملة البحر يمده حال من المستتر فى قوله : { في الأرض } ولو فصل بينهما { من بَعْده سَبْعة أبْحر } حال من المستتر فى يمد ، والمراد بسبعة أبحر : مفروضة كل واحد كالمحيط ، او كل واحد كالبحور الموجودة كلها ، على جعل أل للاستغراق . روى الطبرانى ، وابن المنذر ، عن ابن عباس : انه خلق الله تعالى من وراء هذه الارض بحرا محيطا بها ، ومن وراء ذلك جبلا محيطا بها يقال له قاف ، وخلق من وراء ذلك الجبل ارضا مثل تلك الارض سبع مرات ، خلق من وراء بحرا محيطا بها ، ثم خلق وراء ذلك جبلا يقال له قاف السماء مترفرفة عليه ، حتى عد سبع ارضين ، وسبعة ابحر ، وسبعة اجبل ، وذلك قوله تعالى : { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } والله اعلم بصحة ذلك ، والله تعالى قادر على ما لا يحصى من ذلك ، وهب انه ذكره كعب الاحبار رضى الله عنه ، لكن لعله اخذه من كتب الاسرائليين ، وهو فى نفسه ثقة ، ويبحث بانه اذا كان ثقة لم يرو الا ما صح ، فيجاب بانه رواه ظانا انه صحيح ، مع انه ليس مما يقطع فيه العذر . والمراد بالسبعة تكثير العدد ولو آلاف بحر من بعده ، وخصت لانها عدد تام كما ذكرته فى سورة البقرة ، وشرح القلصادى وكثير من المعدودات التى لها شأن ، سبع كسبع سموات ، وسبع ارضين ، والكواكب السيارة ، والاقاليم والايام ، ومقتضى الظاهر ، والبحر مداد بنصب البحر كما قال : { أنَّ ما في الأرض من شجرة أقلام } لكن قال : { والبحر يمده } لان يمده يغنى عن ذكر المداد ويزيد عليه بالاستمرار التجددى تصريحا ، كما هو المراد بصيغة المضارع ، اى لا يزال يصب فيه ، وليس هذا فى لفظ مداد . { ما نَفِدَت } انقضت { كلمات الله } معلوماته ان كتبت بتلك الاقلام وتلك البحور ، وحذف هذا الشرط ، وان شئت فقدر من بعده سبعة أبحر ، وكتب بتلك الاقلام ، وبذلك المداد كلمات الله ما نفدت كلمات الله او علمه ، قالت اليهود بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ، على ان الآية مدنية او امروا قريشا بالقول : تزعم يا محمد انا لم لم نؤت من العلم إلا قليلاً { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً } [ الإسراء : 85 ] وقد اوتينا التوراة وهى الحكمة { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } [ البقرة : 269 ] فنزل : { ولو أنما في الأرض من شجرة } الخ ، فكثيركم قليل بالنسبة الى سعة علمه تعالى . وروى انهم قالوا : من عنيت بقولك : { وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً } [ الإسراء : 85 ] إيانا او قومك ؟ فقال : { كلاَّ عنيت } فقالوا : ألست تتلوا انا اوتينا التوراة وفيها علم كل شئ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " هي في علم الله قليل " فقالوا : ألست تعلو : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } [ البقرة : 269 ] ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " هذا علم قليل وخير كثير " فأنزل الله تبارك وتعالى : { ولو أن ما في الأرض } الخ ، وروى ان المشركين قالوا : ان هذا كلام يوشك ان ينفد ، فأنزل الله : ( ولو أن ما الأرض ) وقيل : كلماته مقدوراته من اطلاق اسم السبب على المسبب ، إذ يقول لشئ : كن فيكون ، واختار كلمات وهو جمع قلة على كلم الله ، وهو جمع كثرة تلويحا بان كلماته لا تفى بها البحار والشجر فكيف بكلمة { إنَّ الله عزيزٌ حَكيمٌ ما خلقكم ولا بعْثَكُم إلاَّ كنَفس واحدة } وكذا الخلق كله فى السهولة لكمال قدرته ، وعدم احتياجه الى آلة او كسب { إنَّ الله سَميعٌ } عليم بكل صوت { بَصيرٌ } عليم بكل شئ من المبصرات ، او بكل شئ ، وقد علم قريش ذلك ، وانما كانوا يقولون اذا أرادو الطعن فى الدين : اسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد حمقا وعنادا ، وفيه نزل : { وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور } [ الملك : 13 ] وقيل : نزلت الآية فى أبى بن خلف ونبيه ومنبه ابنى الحجاج وغيرهم من قريش اذ قالوا : ان الله خلقنا نطفا وعلقا ومضغا ، فكيف يبعثنا خلقا جديدا فى ساعة واحدة .