Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 11-11)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثمَّ اسْتَوى إلى السَّماء } أى توجه ارادته الى السماء ، وانتهت اليه بالتدبير ، يقال : استوى زيد الى كذا بمعنى أنه قصده ، ولا يشتغل بغيره { وهِيَ دُخانٌ } شىء مظلم ، وهو قيل : مادة من أجزاء فردة تركب السماء منها ، ولست أقول بالجواهر المفردة من حيث شرعت فى فن الكلام ، ثم رأيت والحمد لله تعالى بعض المحققين من الحنفية قال كما قلت ، ويقال : كان عرشه على الماء ، فأحدث الله فيه سخونة ، فارتفع زبد ودخان ، فخلق الله السماوات من الدخان ، وقيل : خلق الله ياقوتة خضراء ، فذابت لجلال الله بأمره تعالى ، فكانت ماء فأزبد فارتفع منه دخان ، فخلق منه السماوات ، وله أن يخلق ما شاء مما شاء ، ويخلق ما شاء من غير شىء ، وليس الدخان دخان نار ، لأن النار لما تخلق حينئذ وهب أنها خلقت لكن ليس ذلك دخانها . وظاهر الآية أن الأرض قبل السماء ، وقد قال : { والأرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 30 ] وهو يدل على تأخيرها ، والجواب : أن خلق جرم الأرض متقدم على خلق السماء ، ودحوها متأخر ، ويجوز أن يكون السماء قبل الأرض فيكون المعنى قضى أن يحدث الأرض فى يومين بعد احداث السماء . { فقال لها وللأرض ائتيا } بما أودعت فيكما من المنافع وأحضراه ، والأمر للتسخير ، وليس المعنى أحدثا ، فانه قد ذكر حدوثهما قبل إلا أن يقال الفاء للترتيب الذكرى ، فيكون الأمر للتكوين ، أو قضاهن سبع سماوات ، معطوف على استوى الى السماء فى نية الاتصال ، وقال لها وللأرض الخ فى نية التأخير عن قضاهن الخ ، والمراد اتيانهما بما فيهما ، وذكر الاستواء للسماء ولم يذكره للأرض اكتفاء بأنه قدرها ، وقدر ما فيها ، وقيل : اتيان السماء حدوثها ، واتيان الأرض دحوها ، تشبيها للخروج من العدم ، ودحوا الأرض بالاتيان من مكان ، وقيل : لتأت كل منهما الأخرى فيما أريد منهما أمرا بالمواتاة بمعنى الموافقة ، فذلك مفاعلة لقراءة ابن عباس آتيا ، وقالتا آتينا بالمد من الايتاء بمعنى الموافقة ، وليس بلازم لجواز أن الايتاء فى قراءة ابن عباس المسارعة ، كما فسرها ابن جنى ، أو بمعنى اعطاء أى أعطيا ما أردت منكما . { طَوْعاً أو كَرْها } تمثيل لتأثير القدرة بلا مانع ، لأنهما لا عقل لهما ترضيان به أو تكرهان ، وأن فرضناه فما هو معتبر ، والنصب على المفعولية المطلقة على حذف مضاف ، أى اتيان طوع أو كره ، أو على الحالية بالتأويل بالوصف ، أى طائعتين أو كارهتين ، أو بتقدير مضاف ، أى مصاحبتى طوع أو كره ، وهكذا اترك أنت ونحن تقدير ذى بمعنى صاحب فى مقام التأويل بالوصف ، ونقدر لفظ مصاحب مكان تقدير ذى لأن ذا ليست وصفا ، بل تأول بالوصف { قَالتَا أتيْنا طَائعينَ } الجمع لأن الاثنين جمع مجازا ، أو لأن الأرض أرضون ، والسماء فى ضمن سماوات ، وكونه بصيغة العقلاء لخطابهن خطاب العقلاء ، وجواتهن جوابهم اذ وصفتا بالقول ، أو لأن لهن عقلا خلقه الله تعالى لهن حينئذ ، والأصل أتينا طائعات ، واختير التذكير لما ذكر ، فانه يعتبر التأنيث فى مقامه ، ولو كان بحسب اللفظ ، كما لو كان بحسب المعنى ، تقول : قالت الهندان : نحن قائمتان ، وقالت الهنود : نحن قائمات أو قوائم ، وقولهما تمثيل للتأثر بالقدرة التامة من الله عز وجل ، أو حقيقة بأن خلق الله لهما عقلا ففهمتا ونطقتا ، وبه أقول ، لأنه ظاهر الكلام بلا مانع ، وفيه اظهار قدرته تعالى بانطاق الجماد ، فيقابل ما فى الأرض من البلاغة ، وقد زعم أن للجمادات عقولا مستمرة وهو خطأ .