Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 17-19)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَيسَ عَلى الأعْمَى حَرجٌ } ضيق أو اثم فى تخلفه ، وذلك نفى للوجوب كما عبر بعلى ، وان خرج الأعمى بقائد جاز ، كما غزا ابن مكتوم ، وكان أعمى ، وحضر فى بعض حروب القادسية ، وكان يحمل الراية { ولا عَلى الأعْرج حَرجٌ } فى التخلف وان خرج جاز { ولا على المَريض حَرجٌ } فى التخلف ، وإن خرج جاز ، ومثل المريض المقعد وصاحب السعال الشديد ، وصاحب الطحال الكبير ، والفقير الذى لا يجد زادا أو سلاحا أو ما لا بد له منه ، أو لا يجد من يقوم بالكسب لأهله ، ومن لا يجد من يقوم بمريضه ممن لا بد له من قائم عليه ، والجواز فى ذلك كله فى رجاء نفع ما بلا القاء نفس فى التهلكة ، فقد قال الله عز وجل : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة : 195 ] ولا تلقوا أنفسكم . وقدم الأعمى فى العذر لأنه لا يبصر العدو ، ولا الى أين يضرب ، ولا قدرة له على الحرص بخلاف الأعرج ، فله قدرة على الحرص والنظر وغيره ، وقدم الأعرج على المريض ، لأن المريض قد يتحامل ويشفى . { ومَن يُطِع الله ورسوله } فى الأمر والنهى { ندخِله جنات تجري من تَحتْها الأنهار ومن يتول } عن الاطاعة ( نُعذُّبه عذاباً أليماً ) لا يدرك قدره غير الله سبحانه وتعالى ، والمراد بالمطيع والمتولين هنا ما يعم المخلفين والخارجين من الحديبية وغيرهم ، وفيما قبل هذا المتخلفون والخارجون فقط ، وقال : " نعذبه " ولم يقل ندخله نارا كما يناسب " ندخله جنات " على طريق الاعتناء بالعذاب ، فان التعذيب يستلزم إدخال النار ، وإدخال النار لا يستلزم التعذيب فى الجملة ، فان الملائكة تدخلها كذا قيل ، وفيه أن التعذيب لا يستلزم النار لإمكانه بلا نار ، وما هنا مؤكد لما قبله ، وذكر المؤمنين الخلَّص يوم الحديبية بقوله : { لقَد رضيَ الله عن المؤمنين إذْ يُبايعُونك تَحت الشَّجرة } هم السائرون يوم الحديبية الا جد بن قيس من بنى سلمة ، فلم يبايع لنفاقه كما مر ، استتر ببطن بعيره ، وقال جابر بن عبد الله : كأنى أنظر اليه لاصقا بابط ناقته ، مستترا من الناس ، وتسمى بيعة الرضوان ، لقوله تعالى : { لقد رضي الله } . ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديبية ، بعث خراش ابن أمية الخزاعى بكسر الخاء ، على جمل له صلى الله عليه وسلم ، يقول عنه صلى الله عليه وسلم : " إنَّه جاء للعمرة لا للقتال " فعقروا جمله ، وأرادوا قتله ، فمنعه الأحابيش ، فدعا عمر ليبعثه اليهم فقال : يا رسول الله عرفت عدواتهم لى ، ولا أحد من بنى عدى يمنعنى ، ولكن ابعث عثمان فانه محبوب فيهم ، وفيهم عشيرته ، فبعثه الى أبى سفيان وأشراف قريش ، وقال : " أخبرهم أني لم آت لقتال بل للعمرة وادعهم للإسلام " وأمره أن يبشر رجالا ونساء مؤمنات فيها بقرب الفتح ، ولقيه أبان بن سعيد ، فنزل عن دابته وحمله عليها ، وأجاره وأخبر قريشا وقالوا له : ان شئت فطف بالبيت ، ولا سبيل لدخولكم علينا ، فقال : لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحبسوه ، وشاع أنه قتل ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا نبرح حتى نناجز القوم " ونادى مناديه ألا ان لله أوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبايعوه فبايعوه كلهم بسرعة إلا جد بن قيس ، ثم أتى الخبر أنه لم يقتل عثمان . قال جابر بن عبد الله : بايعناه على أن لا نفر كما فى مسلم ، وقال سلمة بن الأكوع : بايعناه على الموت كما فى البخارى ، وأول من بايعه أبو سنان ، وهو وهب بن محصن ، أخو عكاشة ، وقيل سنان بن أبى سنان " قال : ابسط يدك أبايعك ، قال صلى الله عليه وسلم : " علام تبايعني ؟ " قال : على ما في نفسك ، قالوا : علام نبايعك يا رسول الله ؟ فقال بكير بن الأشج : بايعوه على الموت ، فقال صلى الله عليه وسلم : " بل على ما استطعتم " " قال جابر : بايعناه وعمر آخذ بيده كما فى مسلم . وقال البخارى عن نافع : ان عمر أرسل ابنه عبد الله يوم الحديبية الى فرس له عند رجل من الأنصار ليقاتل به يبايع عند الشجرة ، ولا يدرى عمر بذلك ، فبايع ابنه وذهب الى الفرس فجاء به الى عمر ، ووجده يستلئم للقتال ، فأخبره بالمبايعة ، فذهب معه ليبايع تحت الشجرة ، فضرب صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى على يده الأخرى وقال : " هذه بيعة عثمان " وسمع المشركون فخافوا ، وبعثوا عثمان ، وجماعة من المسلمين . وجمع بين حديث مسلم وحديث البخارى بأن ما فى مسلم فى مبدأ البيعة ، المؤمنون ألف وأربعمائة عند الجمهور ، ورواه البخارى عن جابر ، وحدث سعيد بن المسيب ، عن جابر أنهم ألف وخمسمائة ، كذا رواه أبو داود ، عن عبد الله بن أبى أوفى ألف وثلاثمائة ، وعند ابن أبى شيبة ، عن سلمة بن الأكوع : ألف وسبعمائة ، وذكر موسى بن عقبة : أنهم ألف وستمائة ، وعن ابن سعد : أنهم ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون ، ويجمع بالازدياد ، وبعدة الأصاغر ، واسقاطها ، والشجرة سمرة ، وكان الناس يأتونها ويصلون عندها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر عمر بقطعها خشية الفتنة لقرب الجاهلية ، ولخوف أن تعظم حتى كأنها تعبد . وعن ابن عمر : رجعنا من العام الصقيل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التى بايعنا تحتها ، وكانت رحمة من الله تعالى ، أى كان ذهابها رحمة من الله تعالى ، لئلا يفتن بها . ويروى أن الناس اتخذوا عندها مسجدا ، وأخبر سعيد بن المسيب : أن أبى أخبرنى بها ، وهو ممن بايع ، ومن قابل نسيناها أينساها الصحابة وتعلمونها أنتم ، ويجمع بأنه لما قطعها عمر توهموا أنهم نسوها ، وروى أن عمر قال : اين كانت الشجرة ؟ فبعض يقال : ها هنا ، وبعض ها هنا ، وكثر اختلافهم ، فقال : سيروا ذهبت الشجرة ، وعن عمرو ابن دينار ، سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية : " أنتم اليوم خير أهل الأرض " وكنا الفا وأربعمائة ، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة . وعن سالم : عن جابر : كنا خمس عشر مائة ، وأفادت الآية أن من لم يبايع سخط الله عليه ، وهو ضد الرضا ، وذلك جد بن قيس لعنه الله ، واذ للتعليل ، ولا بأس بالتعليل لما هو ازلى ، وهو الرضا بالحادث ، وهو المبايعة ، والمضارع لحكاية الحال الماضية على كل حال ، ومعنى الرضا الأزلى علمه بسعادة السعيد ، واعداد التوفيق له ، ولك جعل الرضا صفة فعل حادثة كالمدح ، واثبات الجنة والتوفيق ، ونحو ذلك ، وذلك كاثابة من رضى عمن تحت يده ، ثم قيل : مفيد التعليل هو اذ ، وقيل : هى ظرف زمان ، ومفيدة ما بعدها كافادة العلة بتعليق الحكم بمضمون المشتق . { فعَلِم مَا فى قُلوبِهم } من الصدق فى المبايعة عند قتادة وابن جريج والقراء ، ومن الايمان والخرص على الدين وحبه عند ابن جرير ومنذر بن سعيد ، ومن بغض المشركين ومصالحتهم ورغبتهم فى القتال لو أنه صلى الله عليه وسلم قد قبل الصلح ، أو من كراهة البيعة على الموت ، لكن أنزل الله سكينته فبايعوا ، بل من كل ذلك ، والعطف على يبايعونك ، لأن المعنى بايعوك فعبر عنه بالمضارع كما مرّ ، أو على رضى على أن معنى علم ظهر علمه فعل لله ، ولا فعلمه ازلى لا حادث . { فأنْزل السَّكينَة عَليْهم } سكون القلب بالتشجيع ، فلا يضطربوا بخوف ، أو المراد سكون القلب بالصلح الواضع ، والأول أظهر ، أو المراد سكون القلب خضوعه لقبول أمر الله مطلقا ، ومنه الصلح ، وعن مقاتل : علم الله منهم كراهة البيعة على الموت ، فأنزل الله سكينتة فبايعوا عليه { وأثابهم فتْحاً قريباً * ومغَانِم كثيرة يأخُذونَها } أما الفتح ففتح خيبر عند ابن عباس وعكرمة وقتادة ، لأنها عقب انصرافهم عن الحديبية ، وقال الحسن : فتح هجر ، يعنى البحرين ، وقد كتب الى عمرو بن حزم فيها بالصدقات والديات ، وفى البخارى أنه صالح أهل البحرين ، وأخذ الجزية من مجوس هجر ، ولم يغزهم وإطلاق الفتح على الصلح غير مشهور ، وهو مجاز عرفى خاص ، وحقيقة لغوية ، لأنها كانت ممتنعة فانفتحت بالصلح ، وقيل : المراد فتح مكة ، وأما المغانم فمغانم خيبر قبل فتح مكة ، والأولى أن الفتح فتح خيبر ، والمغانم منها أيضا وفيهم ثلاثمائة فارس ، للفرس سهمان ، وللراجل سهم ، رواه أحمد وأبو داود والحاكم ، عن مجمع بن جارية الأنصارى ، وقيل مغانم هجر . { وكانَ الله عَزيزاً } غالبا فهو يعطيكم الغلبة على من يشاء { حَكيماً } يفعل بحسب ما اقتضته حكمته تعالى .