Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 16-16)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ } أَى يوم إِذ لقيتموهم ، واللفظ للماضى والمراد الاستقبال لتحقق الوقوع بعد ، أَو التقدير يوم إِذا لقيتموهم بإِذا الاستقبالية { دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا } منعطفا مستثنى من الضمير فى يول ، أَو هو مع إِلا حال منه ، كما تنعت النكرة بإِلا ومدخولها ، وكأَنه قيل ، ومن يولهم دبره حال كونه غير متحرف { لِقِتَالٍ } اللام للتعليل { أَوْ مُتَحَيِّزًا } أَى أَو غير متحيز أَى مائلا إِلى حوزة ، أَى جهة ، فالأَصل متحيوز ، بوزن متفيعل ، أَو متحويز بوزن متفعيل ، اجتمعت الواو والياء وسكنت السابقة فقلبت الواو ياء وأَدغمت الياء فى الياء ، ولو كان متفعل وأَصله متحوز لم تقلب الواو ياء إِذ لا داعى لذلك ، وجاءَ فى اللغة تحيز وتحوز . قال ابن قتيبة : تحوز تفعل ، وتحيز تفعيل ، وأَجاز غير واحد كون تحيز ومتحيز تفعيل مراعاة لكثرة ذكر الحيز ، كان أَصله ياء مع أَنه واو { إِلى فِئَةٍ } جماعة من المسلمين ، أَباح الله استدبار العدو لأَحد أَمرين ، أَحدهما أَن يتبعه العدو منفصلا عن إِخوانه فيتمكن منه لانفراده أَو لاستعداده فى هروبه كتركيب نصل فى سهم أَو سهم فى قوس حال الاستدبار ، أَو لوقوع ضعفه فى قلب العدو فيرجع عليه بغتة قوياً أَو نحو ذلك ، والآخر أَن ينضم إِلى فرقة من المسلمين قريبة منه ، قيل : أَو بعيدة لما رواه ابن عمر أَنه كان فى سرية بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففروا إِلى المدينة . وقلت : كيف نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبوأَنا الغضب فأَتيناه صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ، فخرج . فقال : من القوم ؟ فقلنا : يا رسول الله نحن الفرارون … فقال : بل أَنتم العكارون ، وأَنا فئتكم ، وأَنا فئتكم ، وأَنا فئة المسلمين وقرأَ الآية ، فقبلنا يده ، والعكار الرجاع بعد الفر ، وعن ابن عباس من فر من ثلاثة لم يفر ، ومن فر من اثنين فقد فر ، ويروى : بل أَنتم الكرارون . وقال ابن سيرين : لما قتل أَبو عبيدة بن الجراح وجاءَ الخبر إِلى عمر قال : لو انحاز إِلىَّ كنت له فئة ، أَنا فئة كل مسلم … قال بعض : حكم الآية عام ولو كان سببها غزوة بدر ، والعمل بعموم اللفظ ولو خص السبب وقد جاءَ فى الحديث : " الفرار من الزحف كبيرة " وعن عطاء أَن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { الآن خفف الله عنكم } [ الأَنفال : 66 ] فليس لقوم أَن يفروا لمثليهم فنسخت بذلك إِلا فى هذه العدة ، وعلى هذا أَكثر أَهل العلم ، وإِن كان العدو أَكثر من مثليهم جاز لهم الفرار ، وقال يزيد بن حبيب : أَوجب الله تعالى النار لمن فر يوم بدر ، ولو كان يوم أَحد قال الله عز وجل { إِنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } [ آل عمران : 155 ] ثم كان يوم حنين فقال الله تعالى { ثم وليتم مدبرين } [ التوبة : 25 ] ، { ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } [ التوبة : 27 ] ، وعن أَبى سعيد الخدرى : الآية فى أَهل بدر خاصة لأَنه كان معهم النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن لهم فئة يتحيزون إِليها دون النبى صلى الله عليه وسلم ولو انحازوا لانحازوا إِلى المشركين ، ولأَنها أَول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه والمؤمنون معه … وأَما فى غير بدر فالمؤمنون فئة . فالفرار غير كبيرة ، وبه قال الحسن وقتادة والضحاك ، وذكر الله عقاب من فر لغير ما جاز الفر له فى قوله { فَقَدْ بَاءَ } رجع فى توليته تلك وفى جميع أَحواله إِن لم يرجع ولم يتب { بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ } مع غضب منه ، وهو قضاؤه الأَزلى بشقوته أَو عذابه الأخروى { وَمَأْوَاهُ } مرجعه { جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ } هى ، وقيل : الوعيد خاص بأَهل البيت والحاضرين معه صلى الله عليه وسلم . وقيل : بأَهل بدر لأَنه لا فئة لهم ينحازون إِليها ، فالوعيد لمن فر فيه ، وأَما فى غير بدر ممن خاف الموت بلا فائدة لضعفه وكثرة المشركين فله الفرار ، وقيل : الحكم خاص بمن ذكر ، وبجيش فيه النبى صلى الله عليه وسلم . ووقعة بدر أَول جهاد ولو لم يثبتوا لزم مفاسد عظيمة ، وعن محمد بن الحسن أَن المسلمين إِذا كانوا اثنى عشر أَلفا لم يجز الفرار ، والظاهر أَنه لا يجوز أَصلا مع هذا العدد ولو كان العدو أَضعافهم أَضعافاً كثيرة لأَنهم لا يغلبون من قلة كما فى الحديث ، والصحيح تحريم الفرار إِلى فئة بعيدة لم تستعد معهم وتحريم فرار الواحد أَو من واحد من اثنين ، واستدل بجوازه إِذا كان يقتل بلا فائدة بما قال عمر بن الخطاب فى أَبى عبيدة رضى الله عنه ، لما مات : لو انحاز إِلى كنت له فئة ، كما روى أَنه انهزم رجل من القادسية فأَتى المدينة فقال لعمر رضى الله عنه : يا أَمير المؤمنين هلكت ، فررت من الزحف ، فقال : أَنا فئتك … وهذا الحديث السابق تسلية لا إِباحة للفرار إِلى غير المستعدين معه . وإِلا لم يوجد فار من الزحف إِلا من فر ونوى أَلا يقاتل بعد ، روى أَنه صلى الله عليه وسلم رماهم بكف من حصباءَ بأَمر جبريل عن الله عز وجل ، وقال : شاهت الوجوه ، انهزموا ، فقتلهم المسلمون وأسروهم ، فكانوا يقولون : قتلت وأسرت ، فقال الله سبحانه وتعالى : إِن افتخرتم بقتلهم وأَسرهم .