Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 70-77)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواو في { أولم ننهك } عطف على كلام لوط ــــ عليه السلام ــــ جار على طريقة العطف على كلام الغير كقوله تعالى { قال ومن ذريتي } بعد قوله تعالى { قال إني جاعلك للناس إماماً } في سورة البقرة 124 . والاستفهام إنكاري ، والمعطوف هو الإنكار . و { العالمين } الناس . وتعدية النّهي إلى ذات العالمين على تقدير مضاف دلّ عليه المقام ، أي ألم ننهك عن حماية الناس أو عن إجارتهم ، أي أن عليك أن تخلي بيننا وبين عادتنا حتى لا يطمع المارون في حمايتك ، وقد كانوا يقطعون السبيل يتعرضون للمارين على قُراهم . و { العالمين } تقدم في الفاتحة . وأرادوا به هنا أصناف القبائل لقصد التعميم . وعرض عليهم بناته ظناً أن ذلك يردعهم ويطفىء شبقهم . ولذلك قال { إن كنتم فاعلين } . وقد تقدم في سورة هود معنى عرضه بناته ، وأن قوله { بناتي } يجوز أن يراد به بنات صلبه وكنّ اثنتين أو ثلاثاً ، ويجوز أن يراد به بنات القوم كلهم تنزيلاً لهم منزلة بناته لأن النبي كأب لأمّته . وجملة { لعمرك إنهم لفي سكراتهم يعمهون } معترضة بين أجزاء القصة للعبرة في عدم جدوى الموعظة فيمن يكون في سكرة هواه . والمخاطب بها محمد صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى . وقيل هو من كلام الملائكة بتقدير قول . وكلمة { لعمرك } صيغة قسم . واللام الداخلة على لفظ عمر لام القسم . والعَمْر ــــ بفتح العين وسكون اللام ــــ أصله لغة في العُمر بضم العين ، فخص المفتوح بصيغة القسم لخفّته بالفتح لأن القسم كثير الدوران في الكلام . فهو قسم بحياة المخاطب به . وهو في الاستعمال إذا دخلت عليه لام القسم رفعوه على الابتداء محذوف الخبر وجوباً . والتقدير لعمرك قَسمي . وهو من المواضع التي يحذف فيها الخبر حذفاً لازماً في استعمال العرب اكتفاء بدلالة اللاّم على معنى القسم . وقد يستعملونه بغير اللاّم فحينئذٍ يقرنونه باسم الجلالة وينصبونهما ، كقول عُمر بن أبي ربيعة @ عَمرَك اللّهَ كيفَ يلتقيان @@ فنصَب عمرَ بنزع الخافض وهو ياء القسم ونَصب اسم الجلالة على أنه مفعولُ المصدر ، أي بتعميرك الله بمعنى بتعظيمك الله ، أي قولك للّهِ لعمرك تعظيماً لله لأن القسم باسم أحد تعظيم له ، فاستعمل لفظ القسم كناية عن التعظيم ، كما استعمل لفظ التحية كناية عن التعظيم في كلمات التشهد « التّحِيّات لله » أي أقسم عليك بتعظيمك ربّك . هذا ما يظهر لي في توجيه النصب ، وقد خالفت فيه أقوالَ أهل اللّغة بعضَ مخالفة لأدفع ما عرض لهم من إشكال . والسكرة ذهاب العقل . مشتقّة من السَكْر ــــ بفتح السين ــــ وهو السدّ والغلق . وأطلقت هنا على الضلال تشبيهاً لغلبة دواعي الهوى على دواعي الرشاد بذهاب العقل وغشيته . و { يعمهون } يتحيّرون ولا يهتدون . وقد تقدم عند قوله تعالى { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة 15 وجملة { فأخذتهم الصيحة مشرقين } تفريع على جملة { وقضينا إليه ذلك الأمر } سورة الحجر 66 . { والصيحة } صعْقة في الهواء ، وهي صواعق وزلازل وفيها حجارة من سجّيل . وقد مضى بيانها في سورة هود . وانتصب { مشرقين } على الحال من ضمير الغيبة . وهو اسم فاعل من أشرقوا إذا دخلوا في وقت شروق الشمس . وضميرَا { عاليَها سافلها } للمدينة . وضمير { عليهم } عائد إلى ما عادت عليه ضمائر الجمع قبله . وجملة { إن في ذلك لأيات للمتوسمين } تذييل . والآيات الأدلّة ، أي دلائل على حقائق من الهداية وضدّها ، وعلى تعرُّض المكذبين رُسلهم لعقاب شديد . والإشارة { في ذلك } إلى جميع ما تضمّنته القصة المبدوءة بقوله تعالى { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } سورة الحجر 51 . ففيها من الآيات آية نزول الملائكة في بيت إبراهيم عليه السلام كرامة له ، وبشارته بغلام عليم ، وإعلام الله إيّاه بما سيحلّ بقوم لوط كرامة لإبراهيم عليهما السلام ، ونصر الله لوطاً بالملائكة ، وإنجاء لوط عليه السلام وآله ، وإهلاك قومه وامرأته لمناصرتها إيّاهم ، وآية عماية أهل الضلالة عن دلائل الإنابة ، وآية غضب الله على المسترسلين في عصيان الرّسل . وتقدم الكلام على لفظ آية عند قوله تعالى { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } في سورة البقرة 39 . وقوله { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } في سورة الأنعام 37 . والمتوسّمون أصحاب التوسم وهو التأمّل في السّمة ، أي العلامة الدّالة على المعلّم ، والمراد للمتأملين في الأسباب وعواقبها وأولئك هم المؤمنون . وهو تعريض بالّذين لم تردَعْهم العبر بأنهم دون مرتبة النظر تعريضاً بالمشركين الذين لم يتّعظوا بأن يحلّ بهم ما حلّ بالأمم من قبلهم التي عرفوا أخبارها ورأوا آثارها . ولذلك أعقب الجملة بجملة وإنها لبسبيل مقيم ، أي المدينة المذكورة آنفاً هي بطريق باقٍ يشاهِد كثير منكم آثارها في بلاد فلسطين في طريق تجارتكم إلى الشّام وما حولها ، وهذا كقوله { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون } سورة الصافات 137 - 138 . والمقيم أصله الشخص المستقرّ في مكانه غير مرتحل . وهو هنا مستعار لآثار المدينة الباقية في المكان بتشبيهه بالشخص المقيم . وجملة { إن في ذلك لآية للمؤمنين } تذييل . والإشارة إلى ما تقدم من قوله من القصّة مع ما انضمّ إليها من التذكير بأن قراهم واضحة فيها آثار الخسف والأمطار بالحجارة المُحماة . وعبّر في التذييل بالمؤمنين للتنبيه على أن المتوسّمين هم المؤمنون . وجعل ذلك آية بالإفراد تفنّناً لأن آية اسم جنس يصدق بالمتعدّد ، على أن مجموع ما حصل لهم آية على المقصود من القصة وهو عاقبة المكذبين . وفي مطاوي تلك الآيات آيات . والذي في درة التنزيل ، أي الفرق بين جمع الآيات في الأول ، وإفراده ثانياً في هذه الآية بأن ما قصّ من حديث لوط وضيف إبراهيم وما كان من عاقبة أمرهم كل جزء من ذلك في نفسه آية . فالمشار إليه بذلك هو عدة آيات . وأمّا كون قرية لوط بسبيل مقيم فهو في جملته آية واحدة . فتأمّل .