Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 112-112)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعتراض قصد منه تسلية الرّسول صلى الله عليه وسلم والواو واو الاعتراض ، لأنّ الجملة بمنزلة الفذلكة ، وتكون للرّسول صلى الله عليه وسلم تسلية بعد ذكر ما يحزنه من أحوال كفار قومه ، وتصلبّهم في نبذ دعوته ، فأنبأه الله بأنّ هؤلاء أعداؤه ، وأن عداوة أمثالهم سنة من سنن الله تعالى في ابتلاء أنبيائه كلّهم ، فما منهم أحد إلاّ كان له أعداء ، فلم تكن عداوة هؤلاء للنبيء عليه الصلاة والسلام بِدْعا من شأن الرّسل . فمعنى الكلام ألَسْتَ نبيئا وقد جعلنا لكلّ نبيء عدوّا ــــ إلى آخره . والإشارة بقوله { وكذلك } إلى الجعل المأخوذ من فعل { جعلنا } كما تقدّم في قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً } البقرة 143 . فالكاف في محل نصب على أنّه مفعول مطلق لفعل { جعلنا } . وقوله { عدواً } مفعول { جعلنا } الأوّل ، وقوله { لكل نبي } المجرور مفعول ثان لــــ { جعلنا } وتقديمه على المفعول الأول للاهتمام به ، لأنّه الغرض المقصود من السّياق ، إذ المقصود الإعلام بأنّ هذه سنّة الله في أنبيائه كلّهم ، فيحصل بذلك التَّأسِّي والقُدوة والتّسلية ولأن في تقديمه تنبيهاً ـــ من أول السمع ـــ على أنه خبر ، وأنه ليس متعلّقا بقوله { عدواً } كيلا يخال السّامع أنّ قوله { شياطين الإنس } مفعول لأنّه يُحَوّل الكلام إلى قصد الإخبار عن أحوال الشّياطين ، أو عن تعيين العدوّ للأنبياء من هو ، وذلك ينافي بلاغة الكلام . و { شياطين } بدل من { عدواً } وإنَّما صيغ التّركيب هكذا لأنّ المقصود الأوّل الإخبار بأنّ المشركين أعداء للرّسول صلى الله عليه وسلم فمن أعرب { شياطين } مفعولاً لــــ { جَعل } و { لكل نبي } ظرفاً لغواً متعلِّقاً بــــ { عدوّا } فقد أفسد المعنى . والعَدُوّ اسم يقع على الواحد والمعتددّ ، قال تعالى { هم العدوّ فاحذرهم } المنافقون 4 وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى { فإن كان من قوم عدوّ لكم } في سورة النساء 92 . والشّيطان أصله نوع من الموجودات المجرّدة الخفية ، وهو نوع من جنس الجنّ ، وقد تقدّم عند قوله تعالى { واتبعوا ما تتلوا الشّياطين على ملك سليمان } البقرة 102 . ويطلق الشّيطان على المضلّل الّذي يفعل الخبائث من النّاس على وجه المجاز . ومنه « شياطين العرب » لجماعة من خباثهم ، منهم ناشب الأعور ، وابنُه سعد بن ناشب الشّاعر ، وهذا على معنى التّشبيه ، وشاع ذلك في كلامهم . والإنس الإنسان وهو مشتقّ من التأنّس والإلْف ، لأنّ البشر يألف بالبشر ويأنس به ، فسمّاه إنساً وإنساناً . و « شياطين الإنس » استعارة للنّاس الّذين يفعلون فعل الشّياطين من مكر وخديعة . وإضافة شياطين إلى الإنس إضافة مجازية على تقدير مِن التبعيضية مجازا ، بناء على الاستعارة التي تقتضي كون هؤلاء الإنس شياطين ، فهم شياطين ، وهم بعض الإنس ، أي أنّ الإنس لهم أفراد متعارفة ، وأفراد غير متعارفة يطلق عليهم اسم الشّياطين ، فهي بهذا الاعتبار من إضافة الأخصّ من وجهٍ إلى الأعمّ من وجهٍ ، وشياطين الجنّ حقيقة ، والإضافة حقيقة ، لأنّ الجنّ منهم شياطين ، ومنهم غير شياطين ، ومنهم صالحون ، وعداوة شياطين الجنّ للأنبياء ظاهرة ، وما جاءت الأنبياء إلاّ للتحذير من فعل الشّياطين ، وقد قال الله تعالى لآدم { إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك } طه 117 . وجملة { يوحى } في موضع الحال ، يتقيّد بها الجَعل المأخوذ من { جعلنا } فهذا الوحي من تمام المجعول . والوحي الكلام الخفي ، كالوسوسة ، وأريد به ما يشمل إلقاء الوسوسة في النّفس من حديث يُزوّر في صورة الكلام . والبعض الموحي هو شياطين الجنّ ، يُلقون خواطر المقدرة على تعليم الشرّ إلى شياطين الإنس ، فيكونون زعماء لأهل الشرّ والفساد . والزّخرف الزّينة ، وسمّي الذهب زُخرفاً لأنَّه يتزيَّن به حَلياً ، وإضافة الزخرف إلى القول من إضافة الصّفة إلى الموصوف ، أي القول الزُخرف أي المُزَخْرَف ، وهو من الوصف بالجامد الّذي في معنى المشتق ، إذ كان بمعنى الزيْن . وأفهم وصف القول بالزُخرف أنّه محتاج إلى التّحسين والزخرفَة ، وإنَّما يحتاج القول إلى ذلك إذا كان غير مشتمل على ما يكسبه القبول في حدّ ذاته ، وذلك أنّه كان يفضي إلى ضُرّ يحتاج قائله إلى تزيينه وتحسينه لإخفاء ما فيه من الضرّ ، خشية أن ينفر عنه من يُسوله لهم ، فذلك التّزيين ترويج يستهوون به النّفوس ، كما تموّه للصّبيان اللُّعب بالألوان والتذهيب . وانتصب { زخرف القول } على النيابة عن المفعول المطلق من فِعل { يوحى } لأنّ إضافة الزّخرف إلى القول ، الّذي هو من نوع الوحي ، تجعل { زخرف } نائياً عن المصدر المبيِّن لنوع الوحي . والغرور الخِداع والإطماع بالنّفع لقصد الإضرار ، وقد تقدّم عند قوله تعالى { لا يغرنَّك تقلّب الذين كفروا في البلاد } في سورة آل عمران 196 . وانتصب { غروراً } على المفعول لأجله لفعل { يوحى } ، أي يرحون زخرف القول ليَغُرّوهم . والقول في معنى المشيئة من قوله { ولو شاء ربك ما فعلوه } كالقول في { ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله } الأنعام 111 وقوله { ولو شاء الله ما أشركوا } الأنعام 107 والجملة معترضة بين المفعول لأجله وبين المعطوف عليه . والضّمير المنصُوبُ في قوله { فعلوه } عائد إلى الوحي . المأخوذ من { يوحى } أو إلى الإشراك المتقدّم في قوله { ولو شاء الله ما أشركوا } الأنعام 107 أو إلى العداوة المأخوذة من قوله { لكل نبي عدواً } . والضّمير المرفوع عائد إلى { شياطين الإنس والجن } ، أو إلى المشركين ، أو إلى العدوّ ، وفرع عليه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتركهم وافتراءَهم ، وهو تركُ إعراضضٍ عن الاهتمام بغرورهم ، والنكدِ منه ، لا إعْراض عن وعظهم ودعوتهم ، كما تقدّم في قوله { وأعرض عن المشركين } . والواو بمعنى مع . { وما يفترون } مَوصول منصوب على المفعول معه . وما يفترونه هو أكاذيبهم الباطلة من زعمهم إلٰهية الأصنام ، وما يتبع ذلك من المعتقدات الباطلة .