Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 66-67)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال بعض أهل العلم نزلت هذه الآية في أبي بن خلف ، وجد عظاماً بالية ففتتها بيده وقال زعم محمد أنا نبعث بعد الموت ؟ قاله الكلبي ، وذكره الواحدي والثعلبي . وقال المهدوي نزلت في الوليد بن المغيرة ، وأصحابه ، وهو قول ابن عباس . وقيل نزلت في العاص بن وائل . وقيل في أبي جهل ، وعلى كل واحد من هذه الأقوال فقد أسند تعالى هذا القول لجنس الإنسان وهو صادر من بعض أفراد الجنس ، لأن من أساليب العربية إسناد الفعل إلى المجموع ، مع أن فاعله بعضهم لا جميعهم . ومن أظهر الأدلة القرآنية في ذلك قراءة حمزة والكسائي { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } البقرة 191 من القتل في الفعلين ، أي فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر كما تقدم مراراً . ومن أظهر الشواهد العربية في ذلك قول الفرزدق @ فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد @@ فقد أسند الضرب إلى بني عبس ، مع أنه صرح بأن الضارب الذي بيده السيف هو ورقاء وهو ابن زهير بن جذيمة العبسي . وخالد هو ابن جعفر الكلابي . وقصة قتله لزهير المذكور مشهورة . وقد بين تعالى في هذه الآية أي هذا الإنسان الكافر يقول منكراً البعث أئذا مت لسوف أخرج حياً ، زعماً منه أنه إذا مات لا يمكن أن يحيا بعد الموت . وقد رد الله عليه مقالته هذه بقوله { أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } يعني أيقول الإنسان مقالته هذه في إنكار البعث ، ولا يذكر أنا أوجدناه الإيجاد الأول ولم يك شيئاً ، بل كان عدماً فأوجدناه ، وإيجادنا له المرة الأولى دليل قاطع على قدرتنا على إيجاده بالبعث مرة أخرى . وهذا البرهان الذي أشار له هنا قدمنا الآيات الدالة عليه في سورة " البقرة والنحل " وغيرهما ، كقوله تعالى { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } يس 78 - 79 ، وقوله تعالى { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ق 15 ، وقوله { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } الواقعة 62 ، وقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } الروم 27 الآية وقوله { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الإسراء 51 ، وقوله ، { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } الحج 5 الآية . وقوله تعالى { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } الأنبياء 104 إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه . وفي الحديث الصحيح الذي يرويه صلى الله عليه وسلم عن ربه " يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني . أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق أهون علي من آخره . وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " فإن قيل أين العامل في الظرف الذي هو { إذا } فالجواب أنه منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط وتقديره أأخرج إذا ما مت أي حين يتمكّن في الموت والهلاك أخرج حياً . يعني لا يمكن ذلك . فإن قيل لم لا تقول بأنه منصوب بـ { أخرج } المذكور في قوله { لسوف أخرج حياً } على العادة المعروفة ، من أن العامل في { إذا } هو جزاؤها ؟ فالجواب أن لام الابتداء في قوله { لسوف أخرج حياً } مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها كما هو معلوم في علم العربية . فلا يجوز أن تقول اليوم لزيْدٌ قائم تعني لزيد قائم اليوم . وما زعمه بعضهم من أن حرف التنفيس الذي هو سوف مانع من عمل ما بعده فيما قبله أيضاً ، حتى إنه على قراءة طلحة بن مصرف { أئَذا ما مت سأخرج حياً } بدون اللام يمتنع نصب { إذا } بـ { أخرج } المذكورة ، فهو خلاف التحقيق . والتحقيق أن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده فيما قبله . ودليله وجوده في كلام العرب كقول الشاعر @ فما رأته آمنا هان وجدها وقالت أبونا هكذا سوف يفعل @@ فقوله " هكذا " منصوب بقوله " يفعل " كما أوضحه أبو حيان في البحر . وعليه فعلى قراءة طلحة بن مصرف فقوله { إذا } منصوب بقوله { أخرج } لعدم وجود اللام فيها وعدم منع حرف التنفيس من عمل ما بعده فيما قبله . تنبيه فإن قلت لام الإبتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال ، فكيف جامعت حرف التنفيس الدال على الاستقبال ؟ فالجواب أن اللام هنا جرِّدت من معنى الحال ، وأخلصت لمعنى التوكيد فقط . ولذلك جامعت حرف الاستقبال كما بينه الزمخشري في الكشاف ، وتعقبه أبو حيان في البحر المحيط بأن من علماء العربية من يمنع أن اللام المذكورة تعطي معنى الحال ، وعلى قوله يسقط الإشكال من أصله . والعلم عند الله تعالى .