Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 76-76)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } دليل على رجحان القول الثَّاني في الآية المتقدمة . وأن المعنى أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة ، ومن اهتدى زاده الله هدى . والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة ، كقوله في الضلال { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5 ، وقوله { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } النساء 155 ، وقوله { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } المنافقون 3 ، وقوله تعالى { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الأنعام 110 الآية ، كما قدمنا كثيراً من الآيات الدالة على هذا المعنى . وقال في الهدى { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } محمد 17 ، وقال { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } الفتح 4 ، وقال { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } العنكبوت 69 الآية وقد جمع بينهما في آيات أخر . كقوله { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } الإسراء 82 وقوله تعالى { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } فصلت 44 الآية ، وقوله تعالى { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } التوبة 124 - 125 كما تقدم إيضاحه . وقوله { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّا } تقدم إيضاحه في سورة " الكهف " . فإن قيل ظاهر الآية أن لفظة { خير } في قوله { ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّا } صيغة تفضيل ، والظاهر أن المفضل عليه هو جزاء الكافرين . ويدل لذلك ما قاله صاحب الدر المنثور ، قال وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً } . يعني خير جزاء من جزاء المشركين . { وخير مرداً } يعني مرجعاً من مرجعهم إلى النار . والمعروف في العربية أن صيغة التفضيل تقتضي مشاركة المفضل المفضل عليه . في أصل المصدر ، مع أن المفضل يزيد فيه على المفضل عليه . والخيرية منفية بتاتاً عن جزاء المشركين وعن مردهم ، فلم يشاركوا في ذلك المسلمين حتى يفضلوا عليهم . فالجواب - أن الزمخشري في كشَّافه حاول الجواب عن هذا السؤال بما حاصله أنه كأنه قيل ثوابهم النار ، والجنة خير منها على طريقة قول بشر بن أبي حازم @ غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم @@ فقوله " أعتبوا بالصيلم " يعني أرضوا بالسيف ، أي لا رضى لهم عندنا إلا السيف لقتلهم به . ونظيره قول عمرو بن معدي كرب @ وخيلٍ قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع @@ أي لا تحية بينهم إلا الضرب الوجيع . وقول الآخر @ شجعاء جرتها الذميل تلوكه أصلاً إذا راح المطي غراثا @@ يعني أن هذه الناقة لا جرة لها تخرجها من كرشها فتمضغها إلا السير ، وعلى هذا المعنى فالمراد لا ثواب لهم إلا النار . وباعتبار جعلها ثواباً بهذا المعنى فضل عليها ثواب المؤمنين . هذا هو حاصل جواب الزمخشري مع إيضاحنا له . قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له ويظهر لي في الآية جواب آخر أقرب من هذا ، وهو أنا قدمنا أن القرآن والسنة الصحيحة دلا على أن الكافر يجازي بعمله الصالح في الدنيا ، فإذا بر والديه ونفس عن المكروب ، وقرى الضيف ، ووصل الرحم مثلاً يبتغي بذلك وجه الله فإن الله يثيبه في الدنيا ، كما قدمنا دلالة الآيات عليه ، وحديث أنس عند مسلم . فثوابه هذا الراجع إليه من عمله في الدنيا ، هو الذي فضل الله عليه في الآية ثواب المؤمنين . وهذا واضح لا إشكال فيه . والعلم عند الله تعالى .