Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 2-2)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد قدمنا الكلام قريباً على الإضراب ببل في هذه الآية . وقوله تعالى هنا في عزة أي حمية واستكبار عند قبول الحق ، وقد بين جل وعلا في سورة البقرة أن من أسباب أخذ العزة المذكورة بالإثم للكفار أمرهم بتقوى الله ، وبين أن تلك العزة التي هي الحمية والاستكبار عن قبول الحق من أسباب دخولهم جهنم ، وذلك في قوله تعالى عن بعض الكفار الذين يظهرون غير ما يبطنون { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ البقرة : 206 ] . والظاهر أن وجه إطلاق العزة على الحمية والاستكبار : أن من اتصف بذلك كأنه ينزل نفسه منزلة الغالب ، القاهر ، وإن كان الأمر ليس كذلك ، لأن أصل العزة في لغة العرب الغلبة والقهر ، ومنه قوله تعالى : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] الآية ، والعرب يقولون : من عز بز ، يعنون من غلب استلب ، ومنه قول الخنساء : @ كأن لم يكونوا حمى يحتشى إذ الناس ذاك من عز بزا @@ وقوله تعالى عن الخصم الذين تسوروا على داود : وعزني في الخطاب أي غلبني : وقهرني في الخصومة . والدليل من القرآن على أن العزة التي أثبتها الله للكفار في قوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ ص : 2 ] الآية . وقوله : { أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [ البقرة : 206 ] الآية ، ليست هي العزة التي يراد بها القهر والغلبة بالفعل ، أن الله خص بهذه العزة المؤمنين دون الكافرين والمنافقين ، وذلك في قوله تعالى : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] . ولذلك فسرها علماء التفسير ، بأنها هي الحمية والاستكبار ، عن قبول الحق . والشقاق : هي المخالفة ، والمعاندة كما قال تعالى : { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } [ البقرة : 137 ] الآية . قال بعض العلماء : وأصله من الشق الذي هو الجانب ، لأن المخالف المعاند ، يكون في الشق أي في الجانب الذي ليس فيه من هو مخالف له ومعاند . وقال بعض أهل العلم : أصل الشقاق من المشقة لأن المخالف المعاند يجتهد في إيصال المشقة إلى من هو مخالف معاند . وقال بعضهم : أصل الشقاق من شق العصا وهو الخلاف والتفرق .