Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 68-69)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بعض صفات الذين ينتفي عنهم الخوف والحزن يوم القيامة . فذكر منها هنا الإيمان بآيات الله والإسلام ، وذكر بعضاً منها في غير هذا الموضع . فمن ذلك الإيمان والتقوى ، وذلك في قوله تعالى في سورة يونس { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ يونس : 62 - 63 ] . ومن ذلك الاستقامة ، وقولهم : ربنا الله ، وذلك في قوله في فصلت { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } [ فصلت : 30 ] الآية : وقوله تعالى في الأحقاف { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ الأحقاف : 13 ] إلى غير ذلك من الآيات . والخوف في لغة العرب : الغم من أمر مستقبل . والحزن : الغم من أمر ماض . وربما استعمل كل منها في موضع الآخر . وإطلاق الخوف على العلم أسلوب عربي معروف . قال بعض العلماء : ومنه قوله تعالى { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] . قال معناه : إلا أن يعلما . ومنه قول أبي محجن الثقفي : @ إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي في الممات عروقها ولا تدفني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها @@ فقوله أخاف : أي أعلم لأنه لا يشك في أنه لا يشربها بعد موته . وقوله في هذه الآية الكريمة { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } ظاهره المغايرة بين الإيمان والإسلام . وقد دل بعض الآيات على اتحادهما كقوله تعالى : { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الذاريات : 35 - 36 ] . ولا منافاة في ذلك ، فإن الإيمان يطلق تارة على جميع ما يطلق عليه الإسلام من الاعتقاد والعمل . كما ثبت في الصحيح ، في حديث وفد عبد القيس ، والأحاديث بمثل ذلك كثيرة جداً . ومن أصرحها في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون " . وفي بعض الروايات الثابتة في الصحيح " وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " . فقد سمى صلى الله عليه وسلم " إماطة الأذى عن الطريق " إيماناً . وقد أطال البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان ، في ذكر الأعمال التي جاء الكتاب والسنة تسميتها إيماناً . فالإيمان الشرعي التام والإسلام الشرعي التام معناهما واحد . وقد يطلق الإيمان إطلاقاً آخر على خصوص ركنه الأكبر الذي هو الإيمان بالقلب ، كما في حديث جبريل الثابت في الصحيح . والقلب مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد كله . فغيره تابع له . وعلى هذا تحصل المغايرة في الجملة بين الإيمان والإسلام . فالإيمان ، على هذا الإطلاق ، اعتقاد والإسلام شامل للعمل . واعلم أن مغايرته تعالى بين الإيمان والإسلام في قوله تعالى : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 14 ] . قال بعض العلماء : المراد بالإيمان هنا ، معناه الشرعي ، والمراد بالإسلام معناه اللغوي . لأن إذعان الجوارح وانقيادها دون إيمان القلب إسلام لغة لا شرعاً . وقال بعض العلماء : المراد بكل منهما معناه الشرعي ، ولكن نفي الإيمان في قوله : ولما يدخل الإيمان ، يراد به عند من قال هذا ، نفي كمال الإيمان لا نفي أصله ، ولكن ظاهر الآية لا يساعد على هذا ، لأن قوله { وَلَمَّا يَدْخُل } فعل في سياق النفي وهو صيغة عموم ، على التحقسق ، وإن لم يؤكد بمصدر ، ووجهه واضح جداً ، كما قدمناه مراراً . وهو أن الفعل الصناعي ينحل ، عن مصدر وزمن عند النحويين ، وعن مصدر وزمن ، ونسبة عند البلاغيين ، كما حرروه في مبحث الاستعارة التبعية ، وهو أصوب . فالمصدر كامن في مفهوم الفعل الصناعي إجماعاً ، وهو نكرة لم تتعرف بشيء فيؤول إلى معنى النكرة في سياق النفي . وقد أشار صاحب مراقي السعود إلى أن الفعل في سياق النفي أو الشرط من صيغ العموم بقوله : @ ونحو لا شربت أو وإن شربا واتفقوا إن مصدر قد جلبا @@ ووجه إهمال لا في هذه الآية في قوله تعالى : { لاَ خَوْفٌ } [ يونس : 62 ] أن لا الثانية التي هي { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] بعدها معرفة وهي الضمير ، وهي لا تعمل في المعارف ، بل في النكرات ، فلما وجب إهمال الثانية ، أهملت الأولى لينسجم الحرفان بعضهما مع بعض في إهمالهما معاً .