Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 16-19)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الشفق : لغة : رقة الشيء . قال القرطبي : يقال شيء شفيق ، أي لا تماسك له لرقته ، وأشفق عليه أي رق قلبه عليه ، والشفقة الاسم من الإشفاق وهو رقة القلب ، وكذلك الشفق . قال الشاعر : @ تهوى حَياتي وأهوى موتها شفقاً والموت أكرم نزال على الحرم @@ فالشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها ، فكأن تلك الرقة من ضوء الشمس . ونقل عن الخليل : الشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة إذا ذهب ، قيل : غاب الشفق . اهـ . وهذا ما عليه الأئمة الثلاثة في توقيت وقت المغرب من غروب الشمس إلى غياب الشفق ، وهو الحمرة بعد الغروب ، كما قال الخليل . وعند أبي حنيفة رحمه الله : أن الشفق هو البياض الذي بعده . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في بيان أوقات الصلوات الخمس عند قوله تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 17 - 18 ] ، ورجح أن الشفق : الحمرة . ونقل القرطبي قولاً ، قال : وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلاً . وقال الخليل : صعدت منارة الإسكندرية فرمقت البياض فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب . وقال ابن أويس : رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر ، ثم قال : قال علماؤنا : فلما لم يتجدد وقته سقط اعتباره . ا هـ . فهو بهذا يرجح مذهب الجمهور في معنى الشفق ، والنصوص في ذلك من السنة فيها مقال . فقد روى الدارقطني حديثاً مرفوعاً : " الشفق الحمرة " وتكلم عليه الشوكاني ثم ذكر من يقول به من الصحابة وهم ابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعبادة . ومن الأئمة : الشافعي ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وأبو سيف ومحمد ، من الفقهاء ، والخليل والفراء من أهل اللغة . فأنت ترى أن أبا يوسف ومحمداً من أصحاب أبي حنيفة وافقا الجمهور . وفي شرح الهداية أيضاً : رواية عن أبي حنيفة . أما ما ذكره القرطبي ففيه نظر ، أي من جهة عدم غياب البياض ، فإن المعروف عند علماء الفلك أن بين الأحمر والأبيض مقدار درجتين ، والدرجة تعادل أربع دقائق ، وعليه فالفرق بسيط ، والله تعالى أعلم . وقوله : { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } [ الانشقاق : 17 ] ، هو الجمع والضم للشيء الكثير ، ومنه سمي الوسق بمقدار معين من مكيل الحب ، وهو ستون صاعاً . وقيل : فيه معان أخرى ، ولكن هذا أرجحها . والمعنى هنا : والليل وما جمعه من المخلوقات . قيل : كأنه أقسم بكل شيء كقوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } [ الحاقة : 38 - 39 ] . وقوله : { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } ، أي اتسع أي تكامل نوره ، وهو افتعل من وسق ، والقاعدة الصرفية أن فاء الفعل المثالي ، أي الذي فؤه واو ، إذا بني على افتعل تقلب الواو تاء وتدغم التاء في التاء ، كما في : وصلته فاتصل ووزنته فاتزن ، أو تصل أو تزن ، وهكذا هنا أو تسق . وقوله : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } . قال ابن جرير : اختلف القراء في قراءته ، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وعامة قراء مكة والكوفة لتركبن بفتح التاء والباء ، واختلف قارئوا ذلك في معناه ، فقال بعضهم : يعني يا محمد ، ويعني حالات الترقي والعلو والشدائد مع القوم ، وهذا المعنى عن مجاهد وابن عباس . وقيل : طبقاً عن طبق : يعني سماء بعد سماء ، أى طباق السماء ، وهو عن الحسن وأبي العالية ومسروق . وعن ابن مسعود : أنها السماء تتغير أحوالها تتشقق بالغمام ، ثم تحمر كالمهل ، إلى غير ذلك . وقد رجح القراءة الأولى والمعنى الأول . وقرأ عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين : لتركبن بالتاء وبضم الباء على وجه الخطاب للناس كافة . وذكر المفسرون لمعناه حالاً بعد معان حال معان عديدة طفولة وشباباً وشيخوخة ، فقراً وغنى ، وقوة وضعفاً ، حياة وموتاً وبعثاً ، رخاء وشدة ، إلى كل ما تحتمله الكلمة . وقال القرطبى : الكل محتمل ، وكله مراد ، والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن ذلك إنما هو بعامة الناس ويكون يوم القيامة ، إذ السياق في أصول البعث ، إذا السماء انشقت ، وإذا الأرض مدت ، فأما من أوتي كتابه بيمينه وذكر الحساب المنقلب ، ثم التعبير بالمستقبل ، لتركبن ، ولو كان لأمر الدنيا من تغير الأحوال لكان أولى به الحاضر أو الماضي ، وإن كان من المستقبل ما سيأتي من الزمن لكنه ليس بجديد ، إذ تقلب الأحوال في شأن الحياة أمر مستقر فى الأذهان ، ولا يحتاج إلى هذا الأسلوب . أما أمور الآخرة من بعث ، وحشر ، وعرض ، وميزان وصراط وتطاير كتب ، واختلاف أحوال الناس باختلاف المواقف ، فى عرصات القيامة فهى الحرية بالتنبيه عليها وبالتحذير منها والعمل لأجلها فى كدحه إلى ربه ، فلذا جاء بذلك وهو مشعر باستمرار حالة اللإنسان بعد الكدح إلى حالات متعددة ودرجات متفاوتة . ولو اعتبرنا حال المقسم به من حيث تطور الحال من شفق أو آخر ضوء الشمس ثم ليل ، وما جمع وغطى بظلامه ، ثم قمر يبدأ هلالاً إلى اتساق نوره ، لكان انتقالاً من تغير حركات الزمن الى تغير أحوال الإنسان قطعاً ، وأن القادر على ذلك في الدنيا قادر على ذلك في الآخرة .