Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 7-14)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في هذا التفصيل بيان لمصير الإنسان نتيجة كدحه ، وما سجل عليه في كتاب أعماله ، وذلك بعد أن تقدم في الانفطار قوله : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 10 - 14 ] . وجاء في المطففين { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [ المطففين : 7 ] ثم بعده { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } [ المطففين : 18 ] . جاء هنا بيان إتيانه هذه الكتب مما يشير إلى ارتباط هذه السور بعضها ببعض ، في بيان مآل العلم كله ومصير الإنسان نتيجة عمله . وتقدم للشيخ مباحث إتيان الكتب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر ، عند كل من قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] في سورة الإسراء - إلى قوله تعالى - { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ الإسراء : 71 ] ، وبين أحوال الفريقين أهل اليمين وأهل الشمال ، وأحال على أول السورة . وقوله : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [ الكهف : 49 ] ، في سورة الكهف وهنا ذكر سبحانه وتعالى حالة من حالات كلا الفريقين . فالأولى : يحاسب حساباً يسيراً وهو العرض فقط دون مناقشة ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها " من نوقش الحساب عذّب " والثانية : يدعو على نفسه بالثبور وهو الهلاك ، ومنه : المواطأة على الشيء سميت مثابرة ، لأنه كأنه يريد أن يهلك نفسه في طلبه . وهنا مقابلة عجيبة بالغة الأهمية ، وذلك بين سرورين أحدهما آجل والآخر عاجل . فالأول في حق من أوتي كتابه بيمينه ، أنه ينقلب إلى أهله مسروراً ينادي فرحاً { هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } [ الحاقة : 19 ] ، وأهله آنذاك في الجنة من الحور والولدان ، ومن أقاربه الذين دخلوا الجنة ، كما في قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [ الرعد : 23 ] . وقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الطور : 21 ] ، فهم وإن كانوا ملحقين بهم إلا أنهم من أهلهم ، وهذا من تمام النعمة أن يعلم بها من يعرفه من أهله ، وهذا مما يزيد سرور العبد ، وهو السرور الدائم . والآخر سرور عاجل ، وهو لمن أعطوا كتبهم بشمالهم ، لأنهم كانوا في أملهم مسرورين في الدنيا ، وشتان بين سرور وسرور . وقد بين هنا نتيجة سرور أولئك في الدنيا ، بأنهم يصلون سعيراً ، ولم يبين سبب سرور الآخرين ، ولكن ينبه في موضع آخر وهو خوفهم من الله في قوله تعالى : { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } [ الطور : 26 - 28 ] . وهنا يقال : إن الله سبحانه لم يجمع على عبده خوفان ، ولم يعطه الأمنان معاًً ، فمن خافه في الدنيا أمنه في الآخرة { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] . { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 40 - 41 ] . ومن أمن مكر الله وقضى كل شهواته وكان لا يبالي فيؤتى كتابه بشماله ويصلى سعيراً ، كما في قوله تعالى : { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ * وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ الواقعة : 41 - 47 ] ، تكذيباً للبعث . وقوله هذا هو بعينه المذكور في الآيات { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } . وقوله : { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُور } ، هذا الظن مثل ما تقدم في حق المطففين { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } [ المطففين : 4 - 5 ] ، مما يشعر أن عدم الإيمان بالبعث أو الشك فيه ، هو الدافع لكل سوء والمضيع لكل خير ، وأن الإيمان باليوم الآخر هو المنطلق لكل خير والمانع لكل شر ، والإيمان بالبعث هو منطلق جميع الأعمال الصالحة كما في مستهل المصحف { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] الآيات .