Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 15-17)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الآلوسى ما ملخصه " عن مقاتل قال إن الآية { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا … } نزلت فى جماعة من قريش قالوا للنبى - صلى الله عليه وسلم - إن كنت تريد أن نؤمن لك ، فأت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى وليس فيه ما يعيبها . وإن لم ينزل الله - تعالى - عليك ذلك فقل أنت هذا من نفسك ، أو بدله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، ومكان حرام حلالا ، ومكان حلال حراما . والمعنى وإذا تتلى على أولئك المشركين آياتنا الواضحة المنزلة عليك - يا محمد - قالوا على سبيل العناد والحسد ائت بقرآن آخر سوى هذا القرآن الذى تتلوه علينا ، أو بدله بأن تجعل مكان الآية التى فيها سب لآلهتنا ، آية أخرى فيها مدح لها . وفى الآية الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إظهاراً للإِعراض عنهم ، حتى لكأنهم غير حاضرين ، وغير أهل لتوجيه الخطاب إليهم . والمراد بالآيات الآيات القرآنية الدالة على وحدانية الله - تعالى - وعلى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه ، وأضافها - سبحانه - إليه على سبيل التشريف والتعظيم ، وأسند التلاوة إلى الآيات بصيغة المبنى للمفعول ، للإِشارة إلى أن هذه الآيات لوضوحها ، ولمعرفتهم التامة لتاليها ، صارت بغير حاجة إلى تعيين تاليها - صلى الله عليه وسلم - . قال صاحب الكشاف " فإن قلت فماذا كان غرضهم - وهم أدهى الناس وأمكرهم - فى هذا الاقتراح ؟ قلت الكيد والمكر . أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وأنك قادر على مثله ، فأبدل مكانه آخر ، وأما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال ، وأنه إذا وجد منه تبديل ، فإما أن يهلكه الله فينجوا هم منه أوْ لا يهلكه فيسخروا منه ، ويجعلوا التبديل حجة عليه ، وتصحيحا لافترائه على الله " . وقوله { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } هذا القول أمر من الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد عليهم بما يزهق باطلهم . وكلمة { تلقاء } مصدر من اللقاء كتبيان من البيان ، وكسر التاء فيهما سماعى ، والقياس فى هذا المصدر فتحها كالتكرار والتطواف والتجوال . والمعنى قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التوبيخ لا يصح لى بحال من الأحوال ، أن أبدل هذا القرآن من عند نفسى ومن جهتها وإنما أنا أبلغكم ما أنزل الله على منه ، بدون زيادة أو نقصان ، أو تغيير أو تبديل . وقوله { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } تعليل لمضمون ما قبله من امتناع الإِتيان بغيره أو تبديله ، والاقتصار على اتباع الوحى . أى إنى أخاف إن عصيت ربى أية معصية ، عذاب يوم عظيم الهول ، وإذا كان شأنى أن أخشاه - سبحانه - من أية معصية ولو كانت صغيرة ، فكيف لا أخشاه إن عصيت بتبديل كلامه استجابة لأهوائكم ؟ ثم لقن الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - رداً آخر عليهم ، زيادة فى تسفيه أفكارهم فقال - تعالى - { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } وقوله { وَلآ أَدْرَاكُمْ بِهِ } بمعنى ولا أعلمكم وأخبركم به ، أى بهذا القرآن . يقال دريت الشىء وأدرانى الله به ، أى أعلمنى وأخبرنى به . وأدرى فعل ماض ، وفاعله مستتر يعود على الله - عز وجل - والكاف مفعول به . والمعنى قل لهم - أيضا - أيها الرسول الكريم - لو شاء الله - تعالى - أن لا أتلو عليكم هذا القرآن لفعل ، ولو شاء أن يجعلكم لا تدرون منه شيئا ، لفعل - أيضا - ، فإن مرد الأمور كلها إليه ، ولكنه - سبحانه - شاء وأراد أن أتلوه عليكم ، وأن يعلمكم به بواسطتى ، فأنا رسول مبلغ ما أمرنى الله بتبليغه . قال القرطبى " وقرأ ابن كثير { ولأَدْرَاكُمْ بِهِ } بغير ألف بين اللام والهمزة . والمعنى لو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم فهى لام التأكيد دخلت على ألف أفعل " . وجاءت الآية الكريمة بدون عطف على ما قبلها ، إظهارا لكمال شأن المأمور به ، وإيذاناً باستقلاله ، فإن ما سبق كان للرد على اقتراحهم تبديل القرآن . وهذه الآية للرد على اقتراحهم الإِتيان بغيره . ومفعول المشيئة محذوف . لأن جزاء الشرط ينبئ عنه ، أى لو شاء الله عدم تلاوته ما تلوته عليكم وقوله { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ } تعليل للملازمة المستلزمة لكون عدم التلاوة وعدم العلم منوط بمشيئة الله - تعالى - وقوله { عُمُراً } منصوب على الظرفية وهو كناية عن المدة الطويلة . أى فأنتم تعلمون أنى قد مكثت فيما بينكم ، مدة طويلة من الزمان ، قبل أن أبلغكم هذا القرآن ، حفظتم خلالها أحوالى ، وأحطتم خبرا بأقوالى وأفعالى ، وعرفتم أنى لم أقرأ عليكم من آية أو سورة مما يشهد أن هذا القرآن إنما هو من عند الله - تعالى - . والهمزة فى قوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } داخلة على محذوف . وهى للاستفهام التوبيخى . والتقدير أجهلتم هذا الأمر الجلى الواضح ، فصرتم لا تعقلون أن أمثال هذه الاقتراحات المتعنتة التى اقترحتموها لا يملك تنفيذها أحد إلا الله - تعالى - . قال الإِمام الرازى ما ملخصه " أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما جاء فى هذه الآية وتقريره أو أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول عمره إلى ذلك الوقت ، وكانوا عالمين بأحواله . وأنه ما طالع كتابا ولا تتلمذ على أستاذ ولا تعلم من أحد ، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه ، جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول ودقائق علم الأحكام ، ولطائف علم الأخلاق ، وأسرار قصص الأولين ، وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء ، وكل من له عقل سليم فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحى والإِلهام من الله - تعالى - . ثم ختم - سبحانه - الرد على هؤلاء الذين لا يرجون لقاءه ، بالحكم عليهم بعدم الفلاح فقال - تعالى - { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } والاستفهام فى قوله { فَمَنْ أَظْلَمُ } للإِنكار والنفى . أى لا أحد أشد ظلما عند الله ، وأجدر بعقابه وغضبه ، ممن افترى عليه الكذب ، بأن نسب إليه - سبحانه - ما هو برئ منه ، أو كذب بآياته وحججه التى أنزلها لتأييد رسله . وقوله { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } تذييل قصد به التهديد والوعيد . أى إن حال وشأن هؤلاء المجرمين ، أنهم لا يفلحون . ولا يصلون إلى ما يبغون ويريدون . هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات بعض الشواهد الدالة على صدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغه عن ربه عند تفسيره لهذه الآية " لا أحد أشد ظلما ممن افترى على الله كذبا ، وتقول على الله ، وزعم أن الله أرسله ولم يكن كذلك … ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء . فإن من قال هذه المقالة صادقا أو كاذبا . فلا بد أن الله ينصب من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس . فإن الفرق بين محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى وبين نصف الليل فى حندس الظلماء . فمن شيم كل منهما وأفعاله وكلامه يستدل من له بصيرة على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وكذب مسيلمة … " ثم حكى - سبحانه - أقبح رذائلهم ، وهى عبادتهم لغير الله ، ودعواهم أن أصنامهم ستشفع لهم فقال - تعالى - { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ … }