Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 24-24)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - سبحانه - { إِنَّمَا مَثَلُ … } المثًل بمعنى المِثْل ، والمِثْل النظير والشبيه ، ثم اطلق على القول السائر بالمعروف لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه - لمورده الذى ورد فيه أولا ، ولا يكون إلا فيما فيه غرابة . ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شأن عجيب وفيها غرابة ، وعلى هذا المعنى يحمل المثل فى هذه الآية وأشباهها . والأمثال إنما تضرب لتوضيح المعنى الخفى ، وتقريب الشىء المعقول من الشىء المحسوس ، وعرض الأمر الغائب فى صورة المشاهد ، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل أوقع فى القلوب ، وأثبت فى النفوس . والمعنى إنما صفة الحياة الدنيا وحالها فى سرعة زوالها ، وانصرام نعيمها بعد إقباله . كحال ماء { أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } أى فكثر بسببه نبات الأرض حتى التف وتشابك بعضه ببعض لازدهاره وتجاوزه ونمائه . وشبه - سبحانه - الحياة الدنيا بماء السماء دون ماء الأرض ، لأن ماء السماء وهو المطر لا تأثير لكسب العبد فيه بزيادة أو نقص - بخلاف ماء الأرض - فكان تشبيه الحياة به أنسب . وقوله { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ } معناه وهذا النبات الذى نما وازدهر بسبب نزول المطر من السماء ، بعضه مما يأكله الناس كالبقول والفواكه . وبعضه مما تأكله الأنعام كالحشائش والأعشاب المختلفة . وجملة { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ } حال من النبات . وقوله { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَت … } تصوير بديع لما صارت عليه الأرض بعد نزول الماء عليها ، وبعد أن أنبتت من كل زوج بهيج . ولفظ { حتى } غاية لمحذوف أى نزل المطر من السماء فاهتزت الأرض وربت وأنبتت النبات الذى ما زال ينمو ويزدهر حتى أخذت الأرض زخرفها . والزخرف الذهب وكمال حسن الشىء . ومن القول أحسنه ، ومن الأرض ألوان نباتها . أى حتى إذا استوفت الأرض حسنها وبهاءها وجمالها ، وازينت بمختلف أنواع النباتات ذات المناظر البديعة ، والألوان المتعددة . قال صاحب الكشاف " وهو كلام فصيح . جعلت الأرض آخذة زخرفها وزينتها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها ، وتزينت بغيرها من ألوان الزينة ، أصل ازينت تزينت " . وقوله { وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } أى وظن أهل تلك الأرض الزاخرة بالنباتات النافعة . أنهم قادرون على قطف ثمارها ، ومتمكنون من التمتع بخيراتها ، ومن الانتفاع بغلاتها . وقوله { أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً … } تصوير معجز لما أصاب زرعها من هلاك بعد نضرته واستوائه و { أو } للتنويع أى تارة يأتى ليلا وتارة يأتى نهارا . والجملة الكريمة جواب إذا فى قوله { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا … } . أى بعد أن بلغت الأرض الذروة فى الجمال وفى تعلق الآمال بمنافع زروعها ، أتاها قضاؤنا النافذ ، وأمرنا المقدر لإِهلاكها بالليل وأصحابها نائمون ، أو بالنهار وهم لاهون ، فجعلناها بما عليها كالأرض المحصودة ، التي استؤصل زرعها . وقوله { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } تأكيد لهلاكها واستئصال ما عليها من نبات بصورة سريعة حاسمة . أى جعلناها كالأرض المحصودة التى قطع زرعها ، حتى لكأنها لم يكن بها منذ وقت قريب الزرع النضير ، والنبات البهيج ، الباسق ، والطلع النضيد . قال القرطبى قوله " { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } أى لم تكن عامرة . من غنى بالمكان إذا أقام فيه وعمره ، والمغانى فى اللغة المنازل التى يعمرها الناس " . وقال ابن كثير قوله { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } أى كأنها ما كانت حينا قبل ذلك ، وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن ، ولهذا جاء فى الحديث الشريف " يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس فى النار غمسة فيقال له هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا . ويؤتى بأشد الناس عذابا فى الدنيا فيغمس في النعيم غمسة ثم يقال له هل رأيت بؤسا قط فيقول لا " . والمراد بالأمس هنا الوقت الماضى القريب لا خصوص اليوم الذى قبل يومك . وقوله { كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } تذييل قصد به الحض على التفكير والاعتبار . أى كهذا المثل فى وضوحه وبيانه لحال الحياة الدنيا ، وقصر مدة التمتع بها نفصل الآيات ونضرب الأمثال الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا لقوم يحسنون التفكير والتدبر فى ملكوت السماوات والأرض . قال الجمل ما ملخصه " وهذه الآية مثل ضربه الله - تعالى - للمتشبث فى الدنيا الراغب فى زهرتها وحسنها … ووجه التمثيل أن غاية هذه الدنيا التى ينتفع بها المرء ، كناية عن هذا النبات الذى لما عظم الرجاء فى الانتفاع به ، وقع اليأس منه ، ولأن المتمسك بالدنيا إذا نال منها بغيته أتاه الموت بغتة فسلبه ما هو فيه من نعيم الدنيا ولذتها " . وبعد أن بين - سبحانه - حال الحياة الدنيا ، وقصر مدة التمتع بها ، أتبع ذلك بدعوة الناس جميعا إلى العمل الصالح الذى يوصلهم إلى الجنة فقال - تعالى - { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ … }