Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 25-27)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمقصود بدار السلام الجنة التى أعدها الله - تعالى - لعباده المؤمنين ، وسميت بذلك ، لأنها الدار التى سلم أهلها من كل ألم وآفة . أو لأن تحيتهم فيها سلام ، أو لأن السلام من أسماء الله - تعالى - فأضيفت إليه تعظيما لشأنها ، وتشريفا لقدرها ، كما يقال للكعبة بيت الله . وقوله { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ … } معطوف على محذوف يدل عليه السياق . والتقدير الشيطان يدعوكم إلى إيثار متاع الحياة الدنيا وزخرفها ، والله - تعالى - يدعو الناس جميعا إلى الإِيمان الحق الذى يوصلهم إلى دار كرامته . وقوله { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو المؤدى بصاحبه إلى رضوان الله ومغفرته . والمراد بالصراط المستقيم الدين الحق الذى شرعه الله لعباده . وبلغه لهم عن طريق نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقوله { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ … } بيان لحسن عاقبة الذين استجابوا لدعوته ، واتبعوا صراطه المستقيم . أى للمؤمنين الصادقين الذين قدموا فى دنياهم الأعمال الصالحة ، المنزلة الحسنى ، والمئوية الحسنى وهى الجنة ، ولهم زيادة على ذلك التفضل من الله - تعالى - عليهم بالنظر إلى وجهه الكريم . وتفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم ، مأثور عن جمع من الصحابة منهم أبو بكر ، وعلى بن أبى طالب ، وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعرى وغيرهم - رضى الله عنهم . ومستندهم فى ذلك الأحاديث النبوية التى وردت فى هذا الشأن والتى منها ما أخرجه مسلم فى صحيحه عن صهيب - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ … } . وقال " " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا . يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " . وذكر بعضهم أن المراد بالزيادة هنا " مضاعفة الحسنات بعشر أمثالها أو أكثر أو مغفرته - سبحانه - ما فرط منهم فى الدنيا ، ورضوانه عليهم فى الآخرة " . والحق أن التفسير الوارد عن الصحابة . والمؤيد بما جاء فى الأحاديث النبوية هو الواجب الاتباع ، ولا يصح العدول عنه . ولا مانع من أن يمن الله عليهم بما يمن من مضاعفة الحسنات ومن المغفرة والرضوان ، بعد نظرهم إلى وجهه الكريم ، أو قبل ذلك . ولذا قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه قوله " { وزيادة } هى تضعيف ثواب الأعمال … وأفضل من ذلك النظر إلى وجهه الكريم . فإنه زيادة أعظم من جميع ما يعطوه . . وقد روى تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهة الكريم عن جمع من السلف والخلف ، وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك ، ومنها ما رواه ابن جرير عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادى يا أهل الجنة - بصوت يسمعه أولهم وآخرهم - إن الله وعدكم الحسنى وزيادة . فالحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " . وعن أبى بن كعب أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله - تعالى - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } قال " الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله - تعالى - " . والمقصود بقوله { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } الإِخبار عن خلوص نعيمهم من كل ما يكدر الصفو ، إثر بيان ما أعطاهم من رضوان . وقوله { يرهق } من الرهق بمعى الغشيان والتغطية . يقال رهقه يرهقه رهقا - من باب طرب - أي غشيه وغطاه بسرعة . والقتر والقترة الغبار والدخان الذى فيه سواد والذلة الهوان والصغار . يقال ذل فلان يذل ذل وذلا ، إذا أصابه الصغار والحقارة . أى ولا يغطى وجوههم يوم القيامة شىء مما يغطى وجوه الكفار ، من السواد والهوان والصغار . وهذه الجملة بما اشتملت عليه من المعانى ، توحى بأن فى يوم القيامة من الزحام والأهوال والكروب . ما يجعل آثار الحزن أو الفرح ظاهرة على الوجوه والمشاعر ، فهناك وجوه { عَلَيْهَا غَبَرَةٌ . تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } وهناك وجوه { نَّاضِرَةٌ . إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وقوله { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } تذييل قصد به تأكيد مدحهم ومسرتهم . أى أولئك المتصفون بتلك الصفات الكريمة أهم أصحاب دار السلام ، وهم خالدون فيها خلودا أبديا ، لا خوف معه ولا زوال . ثم بين - سبحانه - مصير الظالمين ، بعد أن بين حسن عاقبة المحسنين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حى عن بينة فقال - تعالى - { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً } . أى إذا كان جزاء الذين أحسنوا الحسنى وزيادة ، فإن جزاء الذين اجترحوا السيئات ، واقترفوا الموبقات ، سيئات مثل السيئات التى ارتكبوها كما قال - تعالى - { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } والمقصود أنهم كما كسبوا السيئات فى الدنيا ، فإن الله - تعالى - يجازيهم عليها فى الآخرة بما يستحقون من عذاب ومصير سيئ . وقوله { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أى وتغشاهم وتغطيهم ذلة عظيمة ومهانة شديدة ، وفى إسناد الرهق إلى أنفسهم دون وجوههم ، إيذان بأنها محيطة بهم من كل جانب . وقوله { مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } أى ليس لهم أحد يعصمهم أو يجيرهم أو يشفع لهم ، بحيث ينجون من عذاب الله - تعالى - . وقوله { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً } تصوير بديع للظلام الحسى والمعنوى الذى يبدو على وجوه هؤلاء الظالمين . أى كأنما ألبست وجوههم قطعا من الليل المظلم ، والسواد الحالك ، حتى سارت شديدة السواد واضحة الكدرة والظلمة . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } بيان لسوء عاقبتهم ، وتعاسة أحوالهم . أى أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة ، أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا أبديا لا نهاية له . وهكذا نرى فى هذه الآيات الكريمة تصويرا بديعا لما عليه المؤمنون الصادقون من صفات حسنة ، ومن جزاء كريم ، يتجلى فى رفع درجاتهم ، وفى رضا الله - تعالى - عنهم كما نرى فيها - أيضا - وصفا معجزا لأحوال الخارجين عن طاعته ووصفا للمصير المؤلم ، الذى ينتظرهم يوم القيامة ، { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } ثم حكى - سبحانه - جانبا من الأقوال التى تدور بين المشركين وبين شركائهم يوم القيامة ، فقال - تعالى - { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ … } .