Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 28-30)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله { نَحْشُرُهُمْ } أى نجمعهم يوم القيامة للحساب ، يقال حشر القائد جنده ، إذا جمعهم للحرب أو لأمر من الأمور . ويوم ظرف زمان منصوب بفعل مقدر . والمعنى واذكر أيها الرسول الكريم أو أيها الإِنسان العاقل ، يوم نجمع الناس كافة ، لنحاسبهم على أعمالهم فى الدنيا . { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُم } أى ثم نقول للمشركين منهم فى هذا اليوم العصيب ، الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم فلا تبرحوه حتى يقضى الله قضاءه ، فيكم ، فقوله { مكانكم } ظرف مكان منصوب بفعل مقدر ، وقوله { وَشُرَكَآؤُكُمْ } معطوف على ضمير الفعل المقدر ، وقوله { أنتم } تأكيد له . أى قفوا مكانكم أنتم وشركاؤكم . وجاء العطف بثم ، للإِشارة إلى أن بين حشرهم وبين ما يقال لهم ، مواقف أخرى فيها من الأهوال ما فيها ، فثم هنا للتراخى النسبى . وقال - سبحانه - { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } مع أن المشركين كانوا يعتبرون معبوداتهم شركاء الله - من باب التهكم بهم . وللإِشارة إلى أن ما عبدوهم لم يكونوا فى يوم من الأيام شركاء لله ، وإنما المشركون هم الذين وصفوهم بذلك افتراء وكذبا . وجاء وصفهم بالشرك فى حيز الصلة ، للإِيذان بأنه أكبر جناياتهم وأن شركهم بالله - تعالى - هو الذى أدى بهم إلى هذا المصير المؤلم . وقوله { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أى ففرقنا بينهم ، وقطعنا ما بينهم من صلات ، وميزنا بعضهم عن بعض كما يميز بين الخصوم عند التقاضى والمساءلة . وزيلنا من التزييل بمعنى التمييز والتفريق ، يقال زيلت الشىء أزيله إذا نحيته وأبعدته ، ومنه قوله - تعالى - { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أى لو تميزوا وتفرقوا . وعبر بالفاء للدلالة على أن هذا التفريق والتمييز قد حدث عقب الخطاب من غير مهلة وجاء الأسلوب بصيغة الماضى مع أن هذا التذييل سيكون فى الآخرة ، للإِيذان بتحقيق الوقوع ، وإلى زيادة التوبيخ والتحسير لهم . وقوله { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } معطوف على ما قبله . والمراد بالشركاء كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وأوثان وغير ذلك . أى وقال شركاؤهم الذين أشركوهم فى العبادة مع الله - تعالى - إنكم إيها المشركون لم تكونوا لنا عابدين فى الدنيا ، وإنما كنتم تعبدون أشياء أخرى زينها الشيطان لكم فانقدتم له بدون تدبر أو تعقل . والمقصود بقولهم هذا - التبرى من المشركين ، وتوبيخهم على أفكارهم الفاسدة . وقوله { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } تأكيد لهذا التبرى والإِنكار ، ورجوع إلى الشهادة الحق فى ذلك . و { إن } فى قوله { إِن كُنَّا } مخففة من الثقيلة … أى فكفى أن يكون الله - تعالى - شهيدا وحكما بيننا وبينكم ، فهو - سبحانه - يعلم حالنا وحالكم ، ويعلم أننا كنا فى غفلة عن عبادتكم لنا ، بحيث إننا ما فكرنا فيها ولا رضينا بها . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ببيان أحوال الناس فى هذا اليوم العظيم فقال { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } . أى هنالك فى ذلك الموقف الهائل الشديد ، تختبر كل نفس مؤمنة أو كافرة ما سلف منها من أعمال ، فترى ما كان نافعاً أو ضاراً من هذه الأعمال ، وترى الجزاء المناسب عن كل عمل بعد أن عاد الجميع إلى الله مولاهم الحق ، ليقضى بينهم بقضائه العادل ، وقد غاب عن المشركين فى هذا الموقف ما كانوا يفترونه من أن هناك آلهة أخرى ستشفع لهم يوم القيامة . وهكذا نرى الآيات الكريمة تصور أحوال الناس يوم الدين تصويرا بليغا مؤثرا ، يتجلى فيه موقف الشركاء من عابديهم ، وموقف كل إنسان من عمله الذى أسلفه فى الدنيا . وبعد هذا الحديث المعجز عن الحشر وأهواله ، ساقت السورة الكريمة بضع آيات فيها الأدلة المقنعة على وحدانية الله وقدرته ، ولكن بأسلوب السؤال والجواب ، فقال - تعالى - { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ … }