Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 31-33)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين من الذى يرزقكم من السماء بالأمطار وما يتولد عنها ، ومن الأرض وما يخرج منها من نباتات وأشجار ، وغير ذلك مما تخرجه الأرض . وقوله { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } أى بل قل لهم - أيضا - من الذى يملك ما تتمتعون به من سمع وبصر ، ومن الذى يستطيع خلقهما وتسويتهما بالطريقة التى أوجدها - سبحانه . وخص هاتين الحاستين بالذكر ، لأن لهما أعظم الأثر فى حياة الإِنسان ، ولأنهما قد اشتملتا فى تركيبهما على ما بهر العقول ، ويشهد بقدرته - تعالى - وعجيب صنعه فى خلقه . و { أم } هنا منقطعة بمعنى بل ، وهى هنا للإِضراب الانتقالى لا الإِبطالى ، وفيه تنبيه على كفاية هذا الاستفهام فى الدلالة على المقصود ، وهو إثبات قدرة الله - تعالى - ووجوب إخلاص العبادة له . وقوله { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } دليل ثالث على قدرة الله ووحدانيته . أى وقيل لهم كذلك من سوى الله - تعالى - يملك إخراج النبات وهو كائن حى من الأرض الميتة ، وإخراج الإِنسان وهو كائن حى من النطفة وبالعكس ، وإخراج الطير من البيضة وبالعكس . وقوله { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } دليل رابع على قدرة الله ووحدانيته أى وقل لهم - أيضاً - من الذى يتولى تدبير أمر هذا الكون من إحياء وأماتة ، وصحة ومرض ، وغنى وفقر ، وليل ونهار ، وشمس وقمر ونجوم … هذه الجملة الكريمة من باب التعميم بعد التخصيص ، لأن كل ما سبق من نعم يندرج فيها . وقوله { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } حكاية للجواب الذى لا يستطيعون إنكاره ، لأنهم مقرون معترفون بأن الله - تعالى - وهو الذى خلقهم ، وهو الذى يدبر أمرهم ، وإنما كانوا يتخذون الشركاء للزلفى ، كما حكى القرآن عنهم فى قوله { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } وفى قوله - سبحانه - حكاية عنهم { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } ولفظ الجلالة مبتدأ ، والخبر محذوف والتقدير فسيقولون الله وحده هو الذى فعل كل ذلك . وقوله { فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أمر من الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد عليهم بهذا الرد . والهمزة لإِنكار واقعهم الذميم ، وهى داخلة على كلام مقدر ، ومفعول تتقون محذوف . أى أتعلمون وتعترفون بأن الله - تعالى - هو الخالق لكل ما سبق ، ومع ذلك تشركون معه آلهة فى العبادة ، دون أن تتقوا عذابه يوم القيامة ؟ إن مسلكك هذا إنما يدل على ضعف فى التفكير ، وانطماس فى العقول ، وجهالة ليس بعدها جهالة . ثم أرشدهم - سبحانه - إلى الطريق القويم لو كانوا يعقلون فقال { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ … } أى فذلكم الذى فعل ما فعل من رزقكم ومن تدبير أمركم ، هو الله المربى لكم بنعمه ، وهو الذى لا تحق العبودية والألوهية إلا له وحده . إذا كان الأمر كذلك { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } أى لا يوجد غير الحق شىء يتبع سوى الضلال ، فمن ترك الحق وهو عبادة الله وحده ، فقد وقع فى الباطل والضلال وهو عبادة غيره من الآلهة الأخرى . قال القرطبى ثبت عن عائشة - رضى الله عنها - " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل قال " اللهم لك الحمد " الحديث ، وفيه أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك الحق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق … " . فقوله أنت الحق ، أى الواجب الوجود ، وأصله من حق الشىء إذا ثبت ووجب - وهذا الوصف لله - تعالى - بالحقيقة ، إذ وجوده بنفسه لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم ، وما عداه مما يقال عليه هذا الاسم مسبوق بعدم ، ويجوز عليه لحاق العدم ، ووجوده من موجده لا من نفسه . ومقابلة الحق بالضلال عرف لغة وشرعاً كما فى هذه الآية … والضلال حقيقته الذهاب عن الحق مأخوذ من ضلال الطريق ، وهو العدول عن سمته ، يقال " ضل الطريق وأضل الشىء إذا أضاعه … " وقوله { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } أى فكيف تصرفون وتتحولون عن الحق إلى الضلال ، بعد اعترافكم وإقراركم بأن خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم هو الله - تعالى - وحده . فأنى هنا بمعنى كيف ، والاستفهام لإِنكار واقعهم المخزى واستبعاده والتعجب منه . ومن الأحكام التى تؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الحق والباطل ، والهدى والضلال ، نقيضان لا يجتمعان ، لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين فى وقت واحد بل متى ثبت أن أحدهما هو الحق ، وجب أن يكون الآخر هو الباطل . ثم بين - سبحانه - سنة من سننه التى لا تتخلف ولا تتبدل ، فقال - تعالى - { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . والكاف للتشبيه بمعنى مثل . وحقت بمعنى وجبت وثبتت . والمراد بالكلمة هنا حكمه وقضاؤه - سبحانه - . والمعنى مثل ما ثبت أن الله - تعالى - هو الرب الحق ، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال ، ثبت - أيضا - الحكم والقضاء منه - سبحانه - على الذين فسقوا عن أمره ، وعموا وصموا عن الحق ، أنهم لا يؤمنون به ، لأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا . فالمراد بالفسق هنا التمرد فى الكفر ، والسير فيه إلى أقصى حدوده . ثم ساق - سبحانه - أنواعا أخرى من الأدلة على وحدانية الله - تعالى وقدرته . فقال { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ … }