Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 37-44)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام ابن كثير " هذا بيان لإِعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعانى الغزيرة النافعة فى الدنيا والآخرة ، لا يكون إلا من عند الله - تعالى - الذى لا يشبهه شىء فى ذاته ولا فى صفاته ، ولا فى أفعاله ولا فى أقواله ، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، ولهذا قال - تعالى - { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } . والنفى هنا للشأن الذى هو أبلغ فى النفى ، وأعمق فى الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله ، من نفى الشىء فى ذاته مباشرة . أى وليس من شأن هذا القرآن المعجز ، أن يخترعه أو يختلقه أحد من الإِنس أو الجن أو غيرهما لأن ما اشتمل عليه من إعجاز وبلاغة وتشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ، وهدايات جامعة … يشهد بأنه من كلام خالق القوى والقدر . وقوله { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } بيان لكمال هداية القرآن الكريم ، وهيمنته على الكتب السماوية السابقة . والمراد بالذى بين يديه الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإِنجيل والزبور . وقوله { بَيْنَ يَدَيْهِ } فيه نوع مجاز لأن ما بين يدى الشىء يكون أمامه ، فوصف - سبحانه - ما مضى من الكتب بأنها بين يدى القرآن لشدة ظهورها واشتهارها ، ومعنى تصديق القرآن للكتب السابقة تأييده لما اشتملت عليه من دعوة إلى وحدانية الله - تعالى - ، ومن أمر باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند ظهوره . وأل فى { الكتاب } للجنس ، فالمراد به جنس الكتب السماوية التى أنزلها - سبحانه - على بعض أنبيائه . والمعنى ليس من شأن هذا الكتاب فى إعجازه وهدايته أن يكون من عند غير الله ، لأن غيره - سبحانه - لا يقدر على ذلك ، ولكن من شأنه أن يكون مؤيداً للكتب السماوية السابقة فيما دعت إليه من إخلاص العبودية لله - تعالى - ومن اتباع لرسله ، وأن يكون مفصلا وموضحا لما اشتملت عليه هذه الكتب من تشريعات وآداب وأحكام . وقوله { تصديق } منصوب على أنه معطوف على خبر كان ، أو على أنه خبر لكان المقدرة أى ولكن كان تصديق . وقوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بيان لمصدره . أى هذا الكتاب لا ريب ولا شك فى كونه منزلا على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الله - تعالى - رب العالمين . وفصلت جملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } عما قبلها لأنها مؤكدة له ، ومقررة لمضمونه . ونفى - سبحانه - عن القرآن الريب على سبيل الاستغراق مع وقوع الريب فيه من المشركين ، حيث وصفوه بأنه أساطير الأولين ، لأنه لروعة بيانه ، وسطوع حجته ، ووضوح دلائله ، لا يرتاب ذو عقل متدبر فى كونه وحياً سماوياً ، ومصدر هداية وإصلاح . فجملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } تنفى الريب فى القرآن عمن شأنهم أن يتدبروه ، ويقبلوا على النظر فيه بروية ومن ارتاب فيه فلأنه لم يقبل عليه بأذن واعية ، أو بصيرة نافذة أو قلب سليم . وقوله - سبحانه { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } انتقال من بيان كون القرآن من عند الله ، إلى بيان مزاعمهم فيه . وأم هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة للاستفهام ، أى بل أيقولون إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو الذى أتى بهذا القرآن من عند نفسه لا من عند الله . وقوله { قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } . أمر من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد عليهم بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم . أى قل لهم يا محمد على سبيل التبكيت والتحدى إن كان الأمر كما زعمتم من أنى أنا الذى اختلقت هذا القرآن ، فأتوا أنتم يا فصحاء العرب بسورة مثل سوره فى البلاغة والهداية وقوة التأثير ، وقد أبحت لكم مع ذلك أن تدعو لمعاونتكم ومساعدتكم فى بلوغ غايتكم كل من تستطيعون دعوته سوى الله - تعالى - وجاءت كلمة " سورة " منكرة ، للإِشارة إلى أنه لا يطالبهم بسورة معينة ، وإنما أباح لهم أن يأتوا بأية سورة من مثل سور القرآن ، حتى ولو كانت كأصغر سورة منه . والضمير فى { مثله } يعود إلى القرآن الكريم ، والمراد بمثله هنا ما يشابهه فى حسن النظم ، وجمال الأسلوب ، وسداد المعنى ، وقوة التأثير . وقوله { وادعوا } من الدعاء ، والمراد به هنا طلب حضور المدعو أى نادوهم . وكلمة { من } فى قوله { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } تشمل آلهتهم وبلغاءهم وشعراءهم وكل من يتوسمون فيه العون والمساعدة . وكلمة { دون } هنا بمعنى غير أى ادعوا لمساعدتكم كل من تستطيعون دعوته غير الله - تعالى - فإنه وحده القادر على أن يأتى بمثله . وقوله { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } جملة شرطية ، وجوابها محذوف لدلالة الكلام السابق عليه ، أى إن كنتم صادقين فى دعواكم أنى افتريت هذا القرآن ، فهاتوا سورة مثله مفتراة ، فإنكم مثلى فى العربية والفصاحة . فأنت ترى أن الآية الكريمة قد تحدتهم وأثارت حماستهم ، وأرخت لهم الحبل ، وعرضت بعدم صدقهم ، حتى تتوافر دواعيهم على المعارضة التى زعموا أنهم أهل لها . قال الآلوسى " هذه الآية دلالة على إعجاز القرآن ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - تحدى مصاقع العرب بسورة ما منه ، فلم يأتوا بذلك ، وإلا فلو أتوا بذلك لنقل إلينا ، لتوفر الدواعى على نقله " . هذا وقد عقد صاحب الظلال فصلا طويلا للحديث عن إعجاز القرآن فقال " وقد ثبت هذا التحدى ، وثبت العجز عنه ، وما يزال ثابتاً ولن يزال ، والذين يدركون بلاغة هذه اللغة ، ويتذوقون الجمال الفنى والتناسق فيها ، يدركون أن هذا النسق من القول لا يستطيعه إنسان وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية ، والأصول التشريعية ، ويدرسون النظام الذى جاء به هذا القرآن ، يدركون أن النظرة فيه إلى تنظيم الحاجة الإِنسانية ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها ، والفرص المدخرة فيه لمواجهة الأطوار والتقلبات فى يسر ومرونة كل أولئك أكبر من أن يحيط به عقل بشرى واحد ، أو مجموعة من العقول فى جيل واحد أو فى جميع الأجيال ، ومثلهم الذين يدرسون النفس الإِنسانية ووسائل الوصول إلى التأثير فيها وتوجيهها ، ثم يدرسون وسائل القرآن وأساليبه . فليس هو إعجاز اللفظ والتعبير وأسلوب الأداء وحده ، ولكنه الإِعجاز المطلق الذى يلمسه الخبراء فى هذا وفى النظم والتشريعات والتقسيمات وما إليها … " ثم انتقلت السورة الكريمة من توبيخهم على كذبهم وجحودهم ، إلى توبيخهم على جهلهم وغباوتهم فقال - تعالى - { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ … } . أى أن هؤلاء الأشقياء لم يكتفوا بما قالوه فى شأن القرآن الكريم من أقاويل فاسدة ، بل هرولوا إلى تكذيب ما فيه من هدايات سامية ، وآداب عالية ، وأخبار صادقة ، بدون فهم أو تدبر ، وبدون انتظار لتفسير معانيه وأخباره التى لم يهتدوا إلى معرفتها بعد . قال صاحب الكشاف قوله { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } أى بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره ، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه ، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم ، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم كالناشئ على التقليد من الحشوية ، إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه ، وإن كانت أضوأ من الشمس فى ظهور الصحة وبيان الاستقامة أنكرها فى أول وهلة ، واشمأز منها قبل أن يحسن إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر فى صحة أو فساد ، لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه ، وفساد ما عداه من المذاهب … فإن قلت فما معنى التوقع فى قوله { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } قلت معناه أنهم كذبوه به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل ، تقليدا للآباء ، وكذبوه بعد التدبر تمردا ، وعنادا فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم . ويجوز أن يكون معنى { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإِخبار بالغيوب ، يعنى أنه كتاب معجز من جهتين من جهة إعجاز نظمه ، ومن جهة ما فيه من الإِخبار بالغيوب ، فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا فى نظمه وبلوغه حد الإِعجاز ، وقبل أن يخبروا إخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه " . وقال الآلوسى وعبر - سبحانه - بقوله { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } دون أن يقال . بل كذبوا به من غير أن يحيطوا بعلمه أو نحوه للإِيذان بكمال جهلهم به ، وأنهم لم يعلموه إلا بعنوان عدم العلم به ، وبأن تكذيبهم به إنما هو بسبب عدم إحاطتهم بعلمه ، لما أن تعليق الحكم بالموصول مشعر بعلية ما فى حيز الصلة له ، وأصل الكلام بما لم يحيطوا به علما ، إلا أنه عدل منه إلى ما فى النظم الكريم لأنه أبلغ . ونفى إتيان التأويل بكلمة { لما } الدالة على توقع منفيها بعد نفى الإِحاطة بعلمه بكلمة " لم " لتأكيد الذم ، وتشديد التشنيع ، فإن الشناعة فى تكذيب الشىء ، قبل علمه المتوقع إتيانه أفحش منها فى تكذيبه قبل علمه مطلقا " . وقوله { كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } تهديد لهم ووعيد على التمادى فى العناد . أى كما كذب المشركون نبيهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - عن جهل وجحود كذب الذين من قبلهم أنبياءهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ، فكانت نتيجة هذا التكذيب أن أخذهم الله - تعالى - أخذ عزيز مقتدر . قال - تعالى - فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . ثم فصل - سبحانه - أحوالهم ومواقفهم من القرآن الكريم فقال { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } . أى ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ، ويتبعك وينتفع بما أرسلت به ، ومنهم من لا يؤمن به أبدا لاستحبابه العمى على الهدى . وعليه يكون المراد بمن يؤمن به ، أولئك الذين وفقهم الله لاتباع الحق عن يقين وإذعان . وقيل إن المعنى ومن قومك يا محمد أناس مؤمنون فى قرارة نفوسهم بأن هذا القرآن من عند الله ، ولكنهم يكذبونك جحودا وعنادا ومنهم من لا يؤمن به أصلا لانطماس بصيرته ، وإيثاره الغى على الرشد . وعلى هذا التفسير يكون المراد بمن يؤمن به أولئك الذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ، ولكن الغرور والجهل والحسد حال بينهم وبين اتباعه . وقوله { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } أى وربك أعلم بالمفسدين فى الأرض بالشرك والظلم والفجور ، وسيحاسبهم على ذلك يوم الدين حسابا عسيرا ، ويذيقهم العذاب الذى يستحقونه ، فالمراد بالعلم هنا لازمه وهو الحساب والعقاب . وقوله { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } إرشاد من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إذا ما لج أعداؤه فى طغيانهم . أى وإن تمادى هؤلاء الأشرار فى طغيانهم وفى تكذيبهم لك يا محمد ، فقل لهم أنا مسئول عن عملى أمام الله ، وأنتم مسئولون عن أعمالكم أمامه - سبحانه - وأنتم بريئون مما أعمله فلا تؤاخذونى عليه ، وأنا برئ كذلك من أعمالكم فلا يؤاخذنى الله عليها . فالآية الكريمة تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من قومه . وإعلام له بأن وظيفته البلاغ ، أما حسابهم على أعمالهم فعلى الله - تعالى - . ثم صور - سبحانه - ما عليه أولئك الجاحدون من جهالات مطبقة ، وغباء مستحكم فقال - تعالى - { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ . وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } . أى ومن هؤلاء المشركين - يا محمد - من يستمعون إليك وأنت تقرأ عليهم القرآن وترشدهم إلى ما ينفعهم ، ولكنهم يستمعون بلا تدبر أو فهم ، فهل أنت - يا محمد - فى إمكانك أن تسمع الصم ، ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم ، لأن الأصم العاقل - كما يقول صاحب الكشاف - ربما تفرس واستدل إذا وقع فى صماخه دوى الصوت ، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر . ومنهم - أيضاً - من ينظر إليك ، ويشاهد البراهين الدالة على صدقك ، فإن وجهك ليس بوجه كذاب ، ولكنه لا يتبِع دعوتك جحودا وعنادا ، فهل أنت فى إمكانك أن تهدى العمى ولو انضم إلى فقدان بصرهم فقدان بصيرتهم فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد نعتا على المشركين جهالاتهم ، وانطماس بصيرتهم ، بحيث صاروا لا ينتفعون بنعم الله التى أنعم بها عليهم . فقد وصمهم - سبحانه - بفقدان السمع والبصر والعقل ، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلون ، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت له ، صارت هى والعدم سواء . والاستفهام فى الآيتين للإِنكار والاستبعاد . وجواب { لو } فى الآيتين محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها . أى أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون ، على معنى أفأنت تستطيع إسماعهم فى الحالتين ؟ كلا لا تستطيع ذلك وإنما القادر على ذلك هو الله وحده . ثم بين - سبحانه - سنة من سننه التى لا تتخلف فقال { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . أى إن الله - تعالى - قد اقتضت سننه فى خلقه ، أن لا يظلمهم شيئاً ، كأن يعذبهم - مثلا - مع إيمانهم وطاعتهم له ، أو كأن ينقصهم شيئا من الأسباب التى يهتدون باستعمالها إلى ما فيه خيرهم … ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم ، بإيرادها موارد المهالك عن طريق اجتراح السيئات ، واقتراف الموبقات ، الموجبة للعقوبات فى الدنيا والآخرة . وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة ، قد نفت تصور أن يكون هذا القرآن من عند غير الله ، وتحدث المشركين أن يأتوا بسورة مثله ، ووصمتهم بالتسرع فى الحكم على شىء لم يحيطوا بعلمه ، وأمرت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يثبت على دعوة الحق ، سواء استجاب له الناس أم لم يستجيبوا ، وأن الله - تعالى - قد اقتضت حكمته ألا يعذب الناس إلا إذا فعلوا ما يوجب العقوبة ، وصدق الله إذ يقول { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } وبعد أن بينت السورة الكريمة أحوال أولئك المشركين فى الدنيا ، ومواقفهم من الدعوة الإِسلامية ، أتبعت ذلك بالحديث عن أحوالهم يوم الحشر ، ومن استعجالهم للعذاب ، وعن رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم ، فقال - تعالى - { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً … } .