Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 45-49)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - سبحانه - { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } بيان لأحوالهم السيئة عند جمعهم لحساب يوم القيامة . إذ الحشر - كما يقول الراغب - إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها " . والمراد به هنا إخراج الناس من قبورهم وجمعهم فى الموقف لحسابهم على أعمالهم الدنيوية . والمقصود بالساعة هنا المدة القليلة من الزمان ، فقد جرت العادة أن يضرب بها المثل فى الوقت القصير . والمعنى واذكر يا أيها الرسول الكريم ، وذكرهؤلاء المشركين الذين عموا وصموا عن الحق ، يوم يجمعهم الله - فى الآخرة للحساب والعقاب ، فيشتد كربهم ، وينسون تلك الملذات والشهوات … التي استمتعوا بها فى الدنيا ، حتى لكأنهم لم يلبثوا فيها وفى قبورهم ، إلا ساعة من النهار أى إلا مدة قصيرة من النهار ، يتعارفون بينهم ، أى لا تتسع تلك المدة إلا للتعارف فيما بينهم . وقوله { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤا } جملة حالية من ضمير الجمع فى يحشرهم . وخصت الساعة بكونها من النهار ، لأنها أعرف لهم من ساعات الليل . والمقصود بالتشبيه بيان أن هذه السنوات الطويلة التى قضاها هؤلاء المشركون فى الدنيا يتمتعون بلهوها ولعبها ، ويستبعدون معها أن هناك بعثا وحسابا … قد زالت عن ذاكرتهم فى يوم القيامة ، حتى لكأنهم لم يمكثوا فيها سوى وقت قصير لا يتسع لأكثر من التعارف القليل مع الأقارب والجيران والأصدقاء ، حتى لكأن ذلك النعيم الذى تقلبوا فيه دهراً طويلا لم يروه من قبل … وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الأحقاف { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } وقوله - سبحانه ، فى سورة الروم { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } فإن قيل إن هناك بعض الآيات ذكرت أنهم عندما يسألون يحسبون بأنهم لبثوا فى الدنيا يوما أو بعض يوم ، أو عشية أو ضحاها كما فى قوله - تعالى - { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فى ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وكما فى قوله - تعالى - { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } فكيف نجمع بين هذه الآيات التى اختلفت إجابتهم فيها ؟ فالجواب أن أهل الموقف يختلفون فى تقدير الزمن الذى لبثوه فى الدنيا على حسب اختلاف أحوالهم ، وعلى حسب أهوال كل موقف ، فإن فى يوم القيامة مواقف متعددة بعضها أشد من بعض . وقوله { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } جملة حالية أيضا من ضمير الجمع فى يحشرهم . قال القرطبى " وهذا التعارف توبيخ وافتضاح ، يقول بعضهم لبعض أنت أضللتنى وأغويتنى وحملتنى على الكفر ، وليس تعارف شفقة ورحمة وعطف … والصحيح أنه لا ينقطع هذا التعارف التوبيخى عند مشاهدة أهوال القيامة ، لقوله - تعالى - { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } فأما قوله { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } وأشباهه فمعناه لا يسأله سؤال رحمة وشفقة … " وقوله { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } جملة مستأنفة مسوقة لبيان حكم الله عليهم فى آخرتهم بعد أن ضيعوا دنياهم . والمراد بلقاء الله مطلق الحساب والجزاء الكائن فى يوم القيامة . أى أن هؤلاء الأشقياء الذين أعرضوا عن الحق وأنكروا الحشر ، قد خسروا سعادتهم الأبدية ، وحق عليهم العذاب المهين ، بسبب كفرهم وطغيانهم ، وعدم اهتدائهم إلى طريق النجاة . وقوله { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } تأكيد لخسرانهم ، ولوقوع العذاب بهم ، وتسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم و " إن " شرطية . و " ما " مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، وجملة { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } جواب للشرط وما عطف عليه . والمعنى إن هؤلاء المشركين الذين ناصبوك العداوة أيها الرسول الكريم لا يخفى علينا أمرهم ونحن إما نرينك ببصرك بعض الذى نعدهم به من العذاب الدنيوى ، وإما نتوفينك ، قبل ذلك ، وفى كلتا الحالتين فإن مرجعهم إلينا وحدنا فى الآخرة ، فنعاقبهم العقوبة التى يستحقونها . وقال - سبحانه - { بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } للإِشارة إلى أن ما سينزل بهم من عذاب دنيوى ، هو جزء من العذاب المدخر لهم فى الآخرة . وقد أنجز الله - تعالى - وعده لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فسلط عليهم القحط والمجاعة ، حتى كانوا لشدة جوعهم يرون كأن بينهم وبين السماء دخانا . ونصر المسلمين عليهم فى غزوتى بدر والفتح ، وكل ذلك حدث فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم . وقال - سبحانه - { بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } ولم يقل بعض الذى وعدناهم ، لاستحضار صورة العذاب ، والدلالة على تجدده واستمراره . أى نعدهم وعدا متجددا على حسب ما تقتضيه حكمتنا ومشيئتنا ، من إنذار عقب إنذار ، ومن وعيد بعد وعيد . والمراد من الشهادة فى قول { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } لازمها وهو المعاقبة والمجازاة ، فكأنه - سبحانه - يقول ثم الله - تعالى - بعد ذلك معاقب لهم على ما فعلوه من سيئات ، وما يرتكبونه من منكرات . قال صاحب الكشاف " فإن قلت الله شهيد على ما يفعلون فى الدارين فما معنى ثم ؟ قلت ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، فكأنه قال ثم الله معاقبهم على ما يفعلون . ويجوز أن يراد أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم فتكون شاهدة عليهم " . هذا ، وفى معنى هذه الآية وردت آيات أخرى منها قوله - تعالى - { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } وقوله - تعالى - { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } ثم بين - سبحانه - أن من مظاهر رحمته بعباده ، أن جعل لكل أمة رسولا يهديها إلى الحق وإلى الطريق المستقيم فقال - تعالى - { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } . أى أنه - سبحانه - اقتضت حكمته ورحمته أن يجعل لكل جماعة من الناس ، رسولا يبلغهم ما أمره الله بتبليغه ، ويشهد عليهم بذلك يوم القيامة ، فإذا جاء رسولهم وشهد بأنه قد بلغهم ما أمره الله به ، قضى - سبحانه - بينه وبينهم بالعدل ، فحكم بنجاة المؤمن وبعقوبة الكافر ، ولا يظلم ربك أحدا . قال الإِمام ابن كثير عند تفسير لهذه الآية " فكل أمة تعرض على الله - تعالى - بحضرة رسولها ، وكتاب أعمالها من خير أو شر شاهد عليهم ، وحفظتهم من الملائكة شهود أيضا أمة بعد أمة ، وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم فى الخلق ، إلا أنها أول الأمم يوم القيامة ، يفصل بينهم ويقضى لهم كما جاء فى الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، المقضى لهم قبل الخلائق ، فأمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها - صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين " . وقوله { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } حكاية لأقوالهم الدالة على طغيانهم وفجورهم . أى أن هؤلاء لم يكتفوا بالإِعراض عن دعوة الحق ، بل قالوا لرسولهم - صلى الله عليه وسلم - الذى حذرهم من عذاب الله إذا ما استمروا فى كفرهم متى يقع علينا هذا العذاب الأليم الذى تهددنا ؟ إننا نتعجله فأت به إن كنت أنت وأصحابك من الصادقين فى دعواكم أن هناك عذابا ينتظرنا . وهذا القول منهم يدل على توغلهم فى الكفر والجحود ، وعدم اكتراثهم بما يخبرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . ولذا أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم فقال { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ … } . أى قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين المتعاجلين للعذاب إننى لا أملك لنفسى - فضلا عن غيرها - شيئا من الضر فأدفعه عنها ، ولا شيئا من النفع فأجلبه لها ، لكن الذى يملك ذلك هو الله وحده ، فهو - سبحانه - الذى يملك أن ينزل العذاب بكم فى أى وقت يشاء ، فلماذا تطلبون منى ما ليس فى قدرتى . وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعا . ويجوز أن يكون متصلا فيكون المعنى قل لهم يا محمد إننى لا أملك لنفسى شيئا من الضر أو النفع ، إلا ما شاء الله - تعالى - أن يجعلنى قادرا عليه منهما ، فإننى أملكه بمشيئته وإرادته . وقدم - سبحانه - الضر على النفع هنا ، لأن الآية مسوقة للرد على المشركين ، الذين تعجلوا نزول العذاب الذى هو نوع من الضر . أما الآية التى فى سورة الأعراف ، وهى قوله - تعالى - { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ … } فقد قدم النفع على الضر ، لأنها مسوقة لبيان الحقيقة فى ذاتها . وهى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه شيئا من التصرف فى هذا الكون ، وللإِشعار بأن النفع هو المقصود بالذات من تصرفات الإِنسان . وقوله { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } تأكيد لما قبله ، وتقرير لقدرة الله - تعالى - النافذة . أى لكل أمة من الأمم أجل قدره الله - تعالى - لانتهاء حياتها ، فإذا حان وقت هذا الأجل هلكت فى الحال دون أن تتقدم على الوقت المحدد لموتها ساعة أو تتأخر أخرى . * * * ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا أخرى من الأجوبة التى لقنها الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لكى يرد بها على المشركين الذين تعجلوا العذاب كما صورت أحوالهم عندما يرون العذاب ، فقال - تعالى - { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً … }