Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 62-70)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والأولياء جمع ولى مأخوذ من الولى بمعنى القرب والدنو ، يقال تباعد فلان من بعد ولى أى بعد قرب . والمراد بهم أولئك المؤمنون الصادقون الذى صلحت أعمالهم ، وحسنت بالله - تعالى - صلتهم ، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه ، ويجتنبون كل ما يكرهه . قال الفخر الرازى " ظهر فى علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب ، فولى كل شىء هو الذى يكون قريبا منه . والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقاً فى نور معرفته ، فإن رأى رأى دلائل قدرته ، وإن سمع سمع آيات وحدانيته ، وإن نطق نطق بالثناء عليه ، وِإن تحرك تحرك فى خدمته ، وإن اجتهد اجتهد فى طاعته ، فهنالك يكون فى غاية القرب من الله - تعالى - ويكون وليا له - سبحانه - . وإذا كان كذلك كان الله - وليا له - أيضاً - كما قال { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح { ألا } وبحرف التوكيد { إن } لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم ، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية . وقوله { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم . والخوف حالة نفسية تجعل الإِنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصول ما يكرهه . والحزن اكتئاب نفسى يحدث للإِنسان من أجل وقوع ما يكرهه . أى أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله ، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلاً . والمعنى ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم ، وحسن عملهم ، لا خوف علهيم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا ، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله - سبحانه - ، فمتى فعلوا ما يؤدى إلى ذلك هان كل ما سواه . وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } استئناف مسوق لتوضيح حقيقتهم فكأن سائلا قال ومن هم أولياء الله ؟ فكان الجواب هم الذين توفر فيهم الإِيمان الصادق ، والبعد التام عن كل ما نهى الله - تعالى - عنه . وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضى ، للإِشارة إلى أنه إيمان ثابت راسخ . لا تزلزله الشكوك ، ولا تؤثر فيه الشبهات . وعبر عن تقواهم بالفعل الدال على الحال والاستقبال للإِيذان بأن اتقاءهم وابتعادهم عن كل ما يغضب الله من الأقوال والأفعال ، يتجدد ويستمر دون أن يصرفهم عن تقواهم وخوفهم منه - سبحانه - ترغيب أو ترهيب . وقوله - سبحانه - { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وفِي ٱلآخِرَةِ } زيادة تكريم وتشريف لهم . والبشرى والبشارة الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس . أى لهم ما يسرهم ويسعدهم فى الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم - أيضاً - فى الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته . قال الآلوسى ما ملخصه " والثابت فى أكثر الروايات ، أن البشرى فى الحياة الدنيا ، هى الرؤيا الصالحة … فقد أخرج الطيالسى وأحمد الدارمى والترمذى … وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } فقال " هى الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " . وقيل المراد بالبشرى البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك . ثم قال وأنت تعلم أنه لا ينبغى العدول عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى تفسير ذلك إذا صح . وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى فى الدارين على البشارة بما يحقق نفى الخوف والحزن كائناً ما كان … " وقوله { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } أى لا تغيير ولا خلف لأقوال الله - تعالى - ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التى تسعدهم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة . واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعود إلى ما ذكر من البشرى فى الدارين . أى ذلك المذكور من أن لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ، هو الفوز العظيم الذى لا فوز وراءه ، والذى لا يفوته نجاح أو فضل . هذا ، وقد نقل الشيخ القاسمى - رحمه الله - كلاما حسنا من كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " فقال ما ملخصه هذه الآيات أصل فى بيان أولياء الله ، وقد بين - سبحانه - فى كتابه ، وبين رسوله فى سنته أن لله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء . وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . كما فى هذه الآية ، وفى الحديث الصحيح " من عادى لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب … " والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين … فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان … وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله - تعالى - فمن كان أكمل إيماناً وتقوى ، كان أكمل ولاية لله . فالناس متفاضلون فى ولاية الله - عز وجل - بحسب تفاضلهم فى الإِيمان والتقوى . ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدى الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذباً فى دعواه ، أو كان مجنوناً . وليس لأولياء الله شىء يتميزون به عن الناس فى الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير … بل يوجدون فى جميع طبقات الأمة . فيوجدون فى أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفى أهل الجهاد والسيف ، وفى التجار والزراع والصناع … وليس من شرط الولى أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين … " وبعد أن بين - سبحانه - ما عليه أولياؤه من سعادة دنيوية وأخروية ، أتبع ذلك بتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما لقيه من أعدائه من أذى فقال { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . أى ولا يحزنك يا محمد ما قاله أعداؤك فى شأنك ، من أنك ساحر أو مجنون ، لأن قولهم هذا إنما هو من باب حسدهم لك ، وجحودهم لدعوتك . والنهى عن الحزن - وهو أمر نفسى لا اختيار للإِنسان فيه - المراد به هنا النهى عن لوازمه ، كالإِكثار من محاولة تجديد شأن المصائب ، وتعظيم أمرها ، وبذلك تتجدد الآلام ، ويصعب نسيانها . وفى هذه الجملة الكريمة تسلية له - صلى الله عليه وسلم - وتأنيس لقلبه ، وإرشاد له إلى ما سيقع له من أعدائه من شرور ، حتى لا يتأثر بها عند وقوعها . وقوله { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } تعليل للنهى على طريقة الاستئناف ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال وما لى لا أحزن وهم قد كذبوا دعوتى ؟ فكان الجواب إن الغلبة كلها ، والقوة كلها لله وحده لا لغيره ، فهو - سبحانه - القدير على أن يغلبهم ويقهرهم ويعصمك منهم ، وهو { السميع } ، لأقوالهم الباطلة ، { العليم } بأفعالهم القبيحة ، وسيعاقبهم على ذلك يوم القيامة عقاباً أليماً . ولا تعارض بين قوله - سبحانه - { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } وبين قوله فى آية أخرى { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } لأن كل عزة لغيره - سبحانه - فهى مستمدة من عزته ، وكل قوة من تأييده وعونه ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون ، إنما صاروا أعزاء بفضل ركونهم إلى عزة الله - تعالى - وإلى الاعتماد عليه ، وقد أظهرها - سبحانه - على أيديهم تكريماً لهم . ولذا قال القرطبى - رحمه الله - قوله { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } أى القوة الكاملة ، والغلبة الشاملة ، والقدرة التامة لله وحده ، فهو ناصرك ومعينك ومانعك . و { جميعاً } نصب على الحال ، ولا يعارض هذا قوله { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } فإن كل عزة بالله فهى كلها لله ، قال - سبحانه - { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } ثم قال - تعالى - { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } أى ألا إن لله وحده ملك جميع من فى السماوات ومن فى الأرض من إنس وجن وملائكة . وجاء التعبير القرآنى هنا بلفظ { من } الشائع فى العقلاء ، للإِيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم ، لأنهم إذا كانوا مع شرفهم وعلو منزلتهم مملوكين لله - تعالى - كان غيرهم ممن لا يعقل أولى بذلك . قال صاحب الكشاف قوله { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } يعنى العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان ، وإنما خصهم بالذكر ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفى ملكه ، فهم عبيد كلهم ، وهو - سبحانه - ربهم ، ولا يصلح أحد منهم للربوبية ، ولا أن يكون شريكاً له فيها ، فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكاً ، وليدل على أن من اتخذ غيره ربا من ملك أو إنس ، فضلاً عن صنم أو غير ذلك ، فهو مبطل تابع لما أدى إليه التقليد وترك النظر " . وقوله { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } . أى وما يتبع هؤلاء المشركون فى عبادتهم لغير الله شركاء فى الحقيقة ، وإنما يتبعون أشياء أخرى سموها من عند أنفسهم شركاء جهلا منهم ، لأن الله - تعالى - تنزه وتقدس عن أن يكون له شريك أو شركاء فى ملكه أو فى عبادته . وعلى هذا التفسير تكون { ما } فى قوله { وَمَا يَتَّبِعُ } نافية ، وقوله { شُرَكَآءَ } مفعول يتبع ، ومفعول يدعون محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أى وما يتبع الين يدعون من دون الله آلهة شركاء . ويجوز أن تكون { ما } استفهامية منصوبة بقوله { يتبع } ، ويكون قوله { شُرَكَآءَ } منصوب بقوله { يَدْعُونَ } وعليه يكون المعنى . أى شىء يتبع هؤلاء المشركون فى عبادتهم ؟ إنهم يعبدون شركاء سموهم بهذا الاسم من عند أنفسهم ، أما هم فى الحقيقة فلا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا . وقوله { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أى ما يتبعون فى عبادتهم لغير الله إلا الظن الذى لا يغنى عن الحق شيئاً ، وإلا الخرص المبنى على الوهم الكاذب ، والتقدير الباطل . وأصل الخرص الحزر والتقدير للشىء على سبيل الظن لا على سبيل الحقيقة . قال الراغب وحقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص ، سواء أكان مطابقاً للشىء أو مخالفاً له ، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع ، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص فى خرصه - أى كفعل من يخرص الثمرعلى الشجر - وكل من قال قولاً على هذا النحو قد يسمى كاذباً وإن كان قوله مطابقاً للمقول المخبر عنه . وقيل الخرص الكذب كما فى قوله - تعالى - { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أى يكذبون . ثم بين - سبحانه - جانباً من مظاهر نعمه على عباده فقال - تعالى - { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً … } أى الله وحده - سبحانه - هو الذى جعل لكم الليل مظلماً ، لكى تستقروا فيه بعد طول الحركة فى نهاركم من أجل معاشكم ، وهو الذى جعل لكم النهار مضيئا لكى تبصروا فيه مطالب حياتكم . والجملة الكريمة بيان لمظاهر رحمة الله - تعالى - بعباده ، بعد بيان سعة علمه ، ونفاذ قدرته ، وشمولها لكل شىء فى هذا الكون . وقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أى إن فى ذلك الجعل المذكور لدلائل واضحات لقوم يسمعون ما يتلى عليهم سماع تدبر وتعقل ، يدل على سعة رحمة الله - تعالى - بعباده ، وتفضله عليهم بالنعم التى لا تحصى . ثم شرع - سبحانه - فى بيان أقبح الرذائل التى تفوه بها المشركون فقال { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً … } والمراد بهؤلاء القائلين اليهود الذين قالوا عزير ابن الله - والنصارى الذين قالوا المسيح ابن الله ، وكفار العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله ، وغيرهم ممن نحا نحوهم فى تلك الأقوال الشائنة . وقوله { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تنزيه له - عز وجل - عما قالوا ، فى حقه من أقاويل باطلة . أى تنزه وتقدس عن أن يكون له ولد ، لأنه هو الغنى بذاته عن الولد وعن كل شىء ، وهو المالك لجميع الكائنات علويها وسفليها ، وهو الذى لا يحتاج إلى غيره ، وغيره محتاج إليه ، وخاضع لسلطان قدراته . قال - تعالى - { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً . وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً . إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً . لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } وقوله { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ } تجهيل لهم ورد عليهم . و { إن } هنا نافية ، و { من } مؤكدة لهذا النفى ، ومفيدة للعموم ، والسلطان الحجة والبرهان . أى ما عندكم دليل ولا شبهة دليل على ما زعمتوه من أن لله ولدا ، وإنما قلتم ما قلتم لانطماس بصيرتكم ، واستحواذ الشيطان على نفوسكم . وقوله - سبحانه - { أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } توبيخ آخر لهم على جهلهم وكذبهم . أى أتقولون على الله - تعالى - قولاً ، لا علم لكم به ، ولا معرفة لكم بحقيقته ؟ إن قولكم هذا لهو دليل على جهلكم وعلى تعمدكم الكذب والبهتان . قال الآلوسى " وفى الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة . وأن العقائد لا بد لها من قاطع ، وأن التقليد بمعزل من الاهتداء " . وقوله { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } إنذار لهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا على شركهم . أى قل لهؤلاء المشركين على سبيل الإِنذار والتهديد إن الذين يفترون على الله الكذب بنسبة الولد إليه ، والشريك له ، لا يفلحون ولا يفوزون بمطلوب أصلاً . وقوله - سبحانه - { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا } بيان لتفاهة ما يحرصون عليه من شهوات الحياة الدنيا ، وهو خبر لمبتدأ محذوف . أى أن ما يتمتعون به فى الدنيا من شهوات وملذات ، هو متاع قليل مهما كثر ، لأنه إلى فناء واندثار . ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بعد أن غرتهم الدنيا بشهواتها فقال { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } . أى ثم إلينا لا إلى غيرنا مرجعهم يوم القيامة ، ثم نحاسبهم حساباً عسيراً على أقوالهم الذميمة ، وأفعالهم القبيحة ، ثم نذيقهم العذاب الشديد بسبب كفرهم بآياتنا ، وتكذيبهم لنبينا - صلى الله عليه وسلم - . وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد مدحت أولياء الله الصالحين ، وبشرتهم بالسعادة الدنيوية والأخروية ، وأقامت الأدلة على قدرة الله النافذة ورحمته الواسعة ، وردت على افتراءات المشركين بما يبطل أقوالهم ، ويفضح مزاعمهم . وبعد أن ساقت السورة الكريمة ما ساقت من الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة المكذبين … بعد كل ذلك تحدثت عن بعض قصص الأنبياء مع أقوامهم ، فبدأت بجانب من قصة نوح - عليه السلام - مع قومه ، وكيف أن الله - تعالى - أغرقهم بعد أن تمادوا فى ضلالهم ، فقال - سبحانه - { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ … } .