Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 27-31)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله - سبحانه - { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } حكاية لما طلبه مشركو مكة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التعنت والطغيان . ومرادهم بالآية آية كونية كإحياء الموتى وإزاحة الجبال من أماكنها ، " لولا " هنا حرف تحضيض بمعنى هلا . أى ويقول الكافرون على سبيل العناد والجحود ، هلا أنزل على هذا الرسول آية كونية تدل على صدقه ، كأن يحيى لنا موتانا ، أو أن يحول لنا جبل الصفا ذهبا … وكأنهم يرون أن القرآن الذى نزل عليه - صلى الله عليه وسلم - لا يكفى - فى زعمهم - أن يكون آية ومعجزة شاهدة على صدقه . وقد أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بقوله { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } . أى قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التعجيب من أحوالهم ومن شدة ضلالهم إن الله - تعالى - يضل عن طريق الحق من يريد إضلاله ، لاستحباب هذا الضال العمى على الهدى ، ويهدى إلى صراطه المستقيم ، من أناب إليه - سبحانه - ورجع إلى الحق الذى جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقلب سليم . وعقل متفتح لمعرفة الصواب والرشاد . فالجملة الكريمة تعجيب من أقوالهم الباطلة ، ومن غفلتهم عن الآيات الباهرة التى أعطاها الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسها القرآن الكريم الذى هو آية الآيات ، وحض لهم على الإِقلاع عما هم عليه من العتو والعناد . والإِنابة الرجوع إلى الشئ بعد تردد ، فقد جرت عادة كثيرة من النفوس البشرية أن يعرض عليها الحق فتتردد فى قبوله فى أول الأمر ، ثم تعود إلى قبوله واعتناقه بعد قيام الدلائل على صحته وسلامته من الفساد . قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف طابق قولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } قوله { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ … } ؟ قلت هو كلام يجرى مجرى التعجب من قولهم ، وذلك أن الآيات الباهرة والمتكاثرة التى أوتيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤتها نبى قبله ، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية . فإذا جحدوها ولم يهتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط ، كان موضعاً للتعجب والاستنكار ، فكأنه قيل لهم ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم ، إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة فى الكفر ، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية { وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ } كان على خلاف صفتكم { أَنَابَ } أقبل إلى الحق وحقيقته دخل فى نوبة الخير " . ثم رسم القرآن صورة مشرقة للقلوب المؤمنة ، وللجزاء الحسن الذى أعده الله لها فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } حق الإِيمان ، { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } أى تستقر قلوبهم وتسكن ، بسبب تدبرهم لكلامه المعجز وهو القرآن الكريم وما فيه من هدايات . وإطلاق الذكر على القرآن الكريم ورد فى آيات منها قوله - تعالى - { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } وقوله - تعالى - { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وقوله { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } أى ألا بذكره وحده دون غيره من شهوات الحياة تسكن القلوب أنساً به ، ومحبة له . ويصح أن يراد بذكر الله هنا ما يشمل القرآن الكريم ، ويشمل ذكر الخالق - عز وجل - باللسان ، فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته - سبحانه - كما يصح أن يراد به خشيته - سبحانه - ومراقبته بالوقوف عند أمره ونهيه . إلا أن الأظهر هنا أن يراد به القرآن الكريم ، لأنه الأنسب للرد على المشركين الذين لم يكتفوا به كمعجزة دالة على صدقه - صلى الله عليه وسلم - وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه . واختير الفعل المضارع فى قوله - سبحانه - { تطمئن } مرتين فى آية واحدة ، للإِشارة إلى تجدد الاطمئنان واستمراره ، وأنه لا يتخلله شك ولا تردد . وافتتحت جملة { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } بأداة الاستفتاح المفيدة للتنبيه ، للاهتمام بمضمونها ، وللإِغراء بالإِكثار من ذكره - عز وجل - ، ولإِثارة الكافرين إلى الاتسام بسمة المؤمنين لتطمئن قلوبهم . ولا تنافى بين قوله - تعالى - هنا { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } وبين قوله فى سورة الأنفال { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ … } أى خافت . لأن وجلهم إنما هو عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب . أو وجلت من هيبته وخشيته - سبحانه - وهو لا ينافى اطمئنان الاعتماد والرجاء . وقوله - تعالى - { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } بيان للثواب الجزيل الذى أعده - سبحانه - للمؤمنين الصادقين . وطوبى مصدر كبشرى وزلفى من الطيب ، وأصله طُيْبَى ، فقلبت الباء واواً لوقوعها ساكنة إثر ضمة ، كما قلبت فى موقن وموسر وهو من اليقين واليسر . وقيل طوبى ، اسم شجرة فى الجنة . قال ابن كثير ما ملخصه قوله { طُوبَىٰ لَهُمْ } قال ابن عباس أى فرح وقرة عين لهم . وقال الضحاك أى غبطة لهم . وقال إبراهيم النخعى أى خير لهم . وقال قتادة طوبى ، كلمة عربية . يقول الرجل لغيره طوبى لك أى أصبت خيراً . وقال سعيد بن جبير بن ابن عباس { طُوبَىٰ لَهُمْ } قال هى أرض الجنة بالحبشية . وقال سعيد بن مشجوج " طوبى " اسم الجنة بالهندية . وروى ابن جرير عن شهر بن حوشب قال " طوبى " شجرة فى الجنة كل شجر الجنة منها … وهكذا روى عن ابن عباس وأبى هريرة وغير واحد من السلف ، " أن طوبى شجرة فى الجنة ، فى كل دار فى الجنة غصن منها " . والمآب المرجع والمنقلب من الأوب وهو الرجوع . يقال آب يئوب أوبا وإبابا ومآبا إذا رجع . والمعنى الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات لهم فى آخرتهم ، عيش طيب . وخير كامل ، ومرجع حسن يرجعون به إلى ربهم وخالقهم . ثم بين - سبحانه - أن إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس ليس بدعا ، فقد سبقه رسل كثيرون إلى أقوامهم فقال - تعالى - { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } . فالكاف فى قوله { كَذَلِكَ } للتشبيه حيث شبه - سبحانه - إرساله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس ، بإرسال الرسل السابقين إلى أقوامهم . واسم الإِشارة يعود إلى الإِرسال المأخوذ من فعل { أَرْسَلْنَاكَ } . والمراد بالأمة هنا أمة الدعوة التى أرسل إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فآمن من آمن من أفرادها ، وكفر من كفر . أى كما أرسلنا رسلا سابقين إلى أقوامهم ، أرسلناك يا محمد إلى قومك الذين قد سبقهم أقوام ورسل كثيرون لكى تقرأ على مسامعهم هذا القرآن العظيم الذى أوحيناه إليك من لدنا ، ولتبين لهم ما اشتمل عليه من هدايات وتشريعات ، كما بين الرسل الذين سبقوك لأقوامهم ما أمرهم الله - تعالى - ببيانه . وفى قوله - تعالى - { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ } تعريض بمشركى مكة ، وأنهم إذا ما استمروا فى طغيانهم ، فسيصيبهم ما أصاب الأمم الخالية . وقوله { لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } المقصود منه تفخيم شأن القرآن الكريم ، وأنه هو المعجزة الكبرى للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قراءته عليهم قراءة تدبر واستجابة لما يدعوهم إليه . وأن قول المشركين { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } إنما هو قول يدل على عنادهم وغبائهم وجحودهم للحق بعد أن تبين . وجملة { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } حالية . أى أرسلناك أيها الرسول الكريم إلى هؤلاء الضالين ، لتتلو عليهم ما ينقذهم من الضلال ، ولكنهم عموا وصموا عن سماعه ، والحال أنهم يكفرون بالرحمن أى العظيم الرحمة ، الذى وسعت رحمته كل شئ . وأوثر اختيار اسم الرحمن من بين أسمائه - تعالى - للإِشارة إلى أن إرساله - صلى الله عليه وسلم - مبعثه الرحمة كما قال - تعالى - { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وللرد عليهم فى إنكارهم أن يكون الله - تعالى - رحمانا ، فقد حكى القرآن عنهم ذلك فى قوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } وقد ثبت فى الحديث الصحيح أنهم لم يرضوا بكتابة هذا الاسم الكريم فى صلح الحديبية ، فعندما قال - صلى الله عليه وسلم - لعلىٍّ اكتب { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } قال أحد زعمائهم . ما ندرى ما الرحمن الرحيم … وقد أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما يبطل كفرهم فقال { قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } أى قل لهم أيها الرسول الكريم الرحمن الذى تتجافون النطق باسم الكريم هو وحده ربى وخالقى ، لا إله مستحق للعبادة سواه ، عليه لا على أحد سواه توكلت فى جميع أمورى ، وإليه لا إلى غيره مرجعى وتوبتى وإنابتى . فهذه الجملة الكريمة اشتملت على أبلغ رد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون الإِله - جل وعلا - رحمانا ، وأنه - سبحانه - هو المستحق للعبادة . ثم أشار - سبحانه - إلى عظمة هذا القرآن الذى أوحاه إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ … } . والمراد بالقرآن هنا معناه اللغوى ، أى الكلام المقروء . وجواب لو محذوف لدلالة المقام عليه . والمعنى ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية ، { سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَال } أى تحركت من أماكنها ، { أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } أى شققت وصارت قطعا ، { أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } بأن يعودوا إلى الحياة بعد قراءته عليهم . ولو أن كتابا مقروءا كان من وظيفته أن يفعل ذلك لكان هذا القرآن ، لكونه الغاية القصوى فى الهداية والتذكير ، والنهاية العظمى فى الترغيب والترهيب . وعلى هذا المعنى يكون الغرض من الآية الكريمة بيان عظم شأن القرآن الكريم ، وإبطال رأى الكافرين الذين طلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - آية كونية سواه . ويصح أن يكون المعنى ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية نزل عليك يا محمد فسيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، لما آمن هؤلاء المعاندون . قال - تعالى - { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } وعلى هذا المعنى يكون المقصود من الآية الكريمة ، بيان غلوهم فى العناد والطغيان ، وتماديهم فى الكفر والضلال ، وأن سبب عدم إيمانهم ليس مرده إلى عدم ظهور الدلائل الدالة على صدقه - صلى الله عليه وسلم - وإنما سببه الحسد والعناد والمكابرة . ووجه تخصيص هذه الأشياء الثلاثة من بين الخوارق التى طلبوها منه - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره الإِمام ابن كثير من أن المشركين قالوا للنبى - صلى الله عليه وسلم - يا محمد ، لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية . وقوله - سبحانه - { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } إضراب عن مطالبهم المتعنتة إلى بيان أن الأمور كلها بيد الله ، وأن قدرته - سبحانه - لا يعجزها شئ . أى إن الله - تعالى - لا يعجزه أن يأتى بالمقترحات التى اقترحوها ، ولكن إرادته - سبحانه - لم تتعلق بما اقترحوه ، لعلمه - سبحانه - بعتوهم ونفورهم عن الحق مهما أوتوا من آيات . وقوله - سبحانه - { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } تيئيس للمؤمنين من استجابة أولئك الجاحدين للحق ، إلا أن شاء الله لهم الهداية ، والاستفهام للإِنكار . وأصل اليأس قطع الطمع فى الشئ والقنوط من حصوله . وللعلماء فى تفسير هذه الجملة الكريمة اتجاهان أحدهما يرى أصحابه أن الفعل ييأس على معناه الحقيقى وهو قطع الطمع فى الشئ ، وعليه يكون المعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان كفار قريش ، ويعلموا أن الله - تعالى - لو يشاء هداية الناس جميعا لاهتدوا ، ولكنه لم يشأ ذلك ، ليتميز الخبيث من الطيب . وعلى هذا الاتجاه سار الإِمام ابن كثير فقد قال - رحمه الله - وقوله - تعالى { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤا } أى من إيمان جميع الخلق ويعلموا أن يتبينوا { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } فإنه ليس هناك حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع فى النفوس والعقول من هذا القرآن ، الذى لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله . وثبت فى الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " ما من نبى إلا وقد أوتى ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " . ويؤيد هذا الاتجاه ما ذكره السيوطى فى تفسيره من أن بعض الصحابة قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ، اطلب لهم - أى للمشركين - ما اقترحوه عسى أن يؤمنوا . أما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن الفعل ييأس بمعنى يعلم ، وعليه يكون المعنى أفلم يعلم المؤمنون أنه - سبحانه - لو شاء هداية الناس جميعا لآمنوا . وهذا الاتجاه صدر به الآلوسى تفسيره فقال ما ملخصه ومعنى قوله - سبحانه - { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أفلم يعلموا . وهى كما قال القاسم بن معن لغة هوازن . وقال الكلبى هى لغة حى من النخع ، وأنشدوا على ذلك قول سيحم بن وئيل الرباحى @ أقول لهم بالشعب إذ يأسروننى ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم @@ وقول رباح بن عدى @ ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا @@ والظاهر أن استعمال اليأس فى ذلك حقيقه . وقيل مجاز لأنه متضمن للعلم فإن الآيس عن الشئ عالم بأنه لا يكون … والفاء للعطف على مقدر . أى أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله - تعالى - فلم يعلموا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا … ثم حذر - سبحانه - الكافرين من التمادى فى كفرهم ، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال - تعالى - { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } . والقارعة من القرع ، وهو ضرب الشئ بشئ آخر بقوة وجمعها قوارع . والمراد بها الرزية والمصيبة والكارثة . أى ولا يزال الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم تصيبهم بسبب ما صنعوه من الكفر والضلال " قارعة " أى مصيبة تفجؤهم وتزعجهم أو تحل تلك المصيبة فى مكان قريب من دارهم ، فيتطاير شرها إليهم ، حتى يأتى وعد الله بهلاكهم وهزيمتهم ونصر المؤمنين عليهم ، إن الله - تعالى - لا يخلف الميعاد ، أى موعوده لرسله ولعباده المؤمنين . وأبهم - سبحانه - ما يصيب الكافرين من قوارع ، لتهويله وبيان شدته . والتعبير بقوله { ولا يزال } يشير إلى أن ما أصابهم من قوارع كان موجودا قبل نزول هذه الآية ، واستمرت إصابته لهم بعد نزولها ، لأن الفعل { لا يزال } يدل على الإِخبار باستمرار شئ واقع . ولعل هذه الآية الكريمة كان نزولها فى خلال سنى الجدب التى حلت بقريش والتى أشار إليها القرآن بقوله { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ . يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ … } وعبر - سبحانه - عما أصابهم من بلاء بالقارعة ، للمبالغة فى شدته وقوته . حتى إنه ليقرع قلوبهم فجأة فيبهتهم ويزعجهم ، ولذلك سميت القيامة بالقارعة ، لأنها تقرع القلوب بأهوالها . وقال - سبحانه - { أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } لبيان أنهم بين أمرين أحلاهما مُرّ لأن القارعة إما أن تصيبهم بما يكرهونه ويتألمون له ، وإما أن تنزل قريبا منهم فتفزعهم ، وتقلق أمنهم ، وهم مستمرون على ذلك حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا . ولقد قضى الله - تعالى - أمره ، بهزيمتهم فى بدر وفى غيرها ، وأتم نصره على المؤمنين بفتح مكة . وبدخول الناس فى دين الله أفواجا . ثم أخذت السورة الكريمة بعد ذلك فى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفى إقامة الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وعلى بطلان الشرك ، وفى بيان ما أعده للكافرين من عقاب ، وما أعده للمتقين من ثواب فقال تعالى { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ … } .