Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-27)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والخطاب فى قوله { أَلَمْ تَرَ … } للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب ، والاستفهام للتقرير ، والرؤية مستعملة فى العلم الناشئ عن التأمل والتفكر فى ملكوت السماوات والأرض . قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ … } هذا التعبير قد يذكر لمن تقدم علمه فيكون للتعجب ، وقد يذكر لمن ليس كذلك ، فيكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهر فى ذلك حتى أجرى مجرى المثل فى ذلك ، بأن شبه من لم ير الشئ بحال من رآه فى أنه لا ينبغى أن يخفى عليه ، ثم أجرى الكلام معه كما يجرى مع من رأى ، قصدا إلى المبالغة فى شهرته وعراقته فى التعجب " . والمثل يطلق على القول السائر المعروف للماثلة مضربه لمورده . وقوله { مثلا } انتصب على أنه مفعول به لضرب ، وقوله { كلمة } بدل منه أو عطف بيان . والمراد بالكلمة الطيبة كلمة الإِسلام ، وما يترتب عليها من عمل صالح ، وقول طيب . قال الآلوسى ما ملخصه " والمراد بالشجرة الطيبة - المشبه بها - النخلة عند الأكثرين وروى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة والضحاك وابن زيد … وأخرج عبد الرزاق والترمذى وغيرهما عن شعيب بن الحجاب قال كنا عند أنس ، فأتينا بطبق عليه رطب ، فقال أنس لأبى العالية كل يا أبا العالية ، فإن هذا من الشجرة التى ذكرها الله - تعالى - فى كتابه { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ … } وأخرج الترمذى - أيضا - والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه عن أنس قال " أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقناع من بسر - أى بطبق من تمر لم ينضج بعد فقال " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة … قال هى النخلة " . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنها شجرة جوز الهند . وأخرج ابن حرير وابن أبى حاتم أنها شجرة فى الجنة ، وقيل كل شجرة مثمرة كالنخلة ، وكشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك ثم قال " وأنت تعلم أنه إذا صح الحديث ولم يتأت حمل ما فيه على التمثيل لا ينبغى العدول عنه " . وكأن الإِمام الآلوسى بهذا القول يريد أن يرجح أن المراد بالشجرة الطيبة النخلة ، لتصريح الآثار بذلك . وقد رجح ابن جرير - أيضا - أن المراد بها النخلة فقال ما ملخصه " واختلفوا فى المراد بالشجرة الطيبة ، فقال بعضهم هى النخلة … وقال آخرون هى شجرة فى الجنة … وأولى القولين بالصواب فى ذلك قول من قال هى النخلة ، لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك … " والمعنى ألم تر - أيها المخاطب - كيف اختار الله - تعالى - مثلا ، وضعه فى موضعه اللائق به ، والمناسب له ، وهذا المثل لكلمتى الإِيمان والكفر ، حيث شبه - سبحانه - الكلمة الطيبة وهى كلمة الإِسلام ، بالشجرة الطيبة ، أى النافعة فى جميع أحوالها ، وهى النخلة . ثم وصف - سبحانه - هذه الشجرة بصفات حسنة فقال { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } . أى ضارب بعروقه فى باطن الأرض فصارت بذلك راسخة الأركان ثابتة البنيان . { وَفَرْعُهَا } أى أعلاها وما امتد منها من أغصان ، مشتق من الافتراع بمعنى الاعتلاء { فِي ٱلسَّمَآءِ } أى فى جهة السماء من حيث العلو والارتفاع ، وهذا ما يزيد الشجرة جمالا وحسن منظر . والمراد بالأكل فى قوله - تعالى - { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا … } المأكول ، وهو الثمر الناتج عنها . والمراد بالحين الوقت الذى حدده الله - تعالى - للانتفاع بثمارها من غير تعيين بزمن معين من صباح أو مساء . قال الشوكانى ما ملخصه " قوله { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } كل وقت { بِإِذْنِ رَبِّهَا } بإرادته ومشيئته " . وقيل المراد بكونها تؤتى أكلها كل حين أى كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار فى جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف . وقيل المراد فى أوقات مختلفة من غير تعيين . وقيل كل غدوة وعشية ، وقيل كل شهر … وهذه الأقوال متقاربة . لأن الحين عند جمهور أهل اللغة بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره . وبهذا نرى أن الله - تعالى - قد وصف هذه الشجرة بأربع صفات ، أولها أنها طيبة ، وثانيها أن أصلها ثابت ، وثالثها أن فرعها فى السماء ، ورابعها أنها تؤتى ثمارها كل حين بإذن ربها . وهذه الأوصاف تدل على فخامة شأنها ، وجمال منظرها ، وطيب ثمرها ، ودوام نفعها كما تدل على أن المشبه وهو الكلمة الطيبة ، مطابق فى هذه الأوصاف للمشبه به وهو الشجرة الطيبة . وقوله - سبحانه - { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } بيان للحكمة التى من أجلها سيقت الأمثال ، وهى التذكر والتفكير والاعتبار . أى ويضرب الله - تعالى - الأمثال للناس رجاء أن يعتبروا ويتعظوا ويتذكروا ما أمرهم - سبحانه - بتذكره إذ ضرب الأمثال تقريب للبعيد ، وتقرير للقريب ، وتصوير للمعانى المعقولة بالصور المحسوسة . وبعد أن بين - سبحانه - مثال كلمة الإِيمان ، أتبعه بمثال كلمة الكفر فقال { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } وهى كلمة الكفر . { كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } أى قبيحة لا نفع فيها ، ولا خبر يرجى منها . { ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ } أى اقتلعت جثتها وهيئتها من فوق الأرض ، لقرب عروقها وجذورها من سطحها . يقال اجتثثت الشئ اجتثاثا ، إذا اقتلعته واستأصلته ، وهو افتعال من لفظ الجثة وهى ذات الشئ . وقوله { مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن اجتثاث الشئ بسهولة ، سببه عدم وجود أصل له . أى ليس لها استقرار وثبات على الأرض ، وكذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شئ . والمراد بهذه الشجرة الخبيثة شجرة الحنظل فعن أنس بن مالك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هى الحنظلة … " . وقيل شجرة الثوم ، وقيل شجرة الشوك … وقيل كل شجر لا يطيب له ثمر ، وفى رواية عن ابن عباس أنها شجرة لم تخلق على الارض … وقال ابن عطية الظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة جامعة لتلك الأوصاف التى وصفها الله بها . وقوله سبحانه - { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } بيان لفضل الله - تعالى - على هؤلاء المؤمنين ، ولحسن عاقبتهم … والمراد بالحياة الدنيا مدة حياتهم فى هذه الدنيا . والمراد بالآخرة ما يشمل سؤالهم فى القبر وسؤالهم فى مواقف القيامة . والمعنى يثبت الله - تعالى - الذين آمنوا بالقول الثابت أى الصادق الذى لا شك فيه ، فى الحياة الدنيا ، بأن يجعلهم متمسكين بالحق ، ثابتين عليه دون أن يصرفهم عن ذلك ترغيب أو ترهيب . ويثبتهم أيضاً بعد مماتهم ، بأن يوفقهم إلى الجواب السديد عند سؤالهم فى القبر وعند سؤالهم فى مواقف يوم القيامة . قال الآلوسى ما ملخصه " قوله - تعالى - { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } أى الذى ثبت عندهم وتمكن فى قلوبهم ، وهو الكلمة الطيبة التى ذكرت صفتها العجيبة … { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أى يثبتهم بالبقاء على ذلك مدة حياتهم ، فلا يزالون عند الفتنة … { وَفِي ٱلآخِرَةِ } أى بعد الموت وذلك فى القبر الذى هو أول منزل من منازل الآخرة ، وفى مواقف القيامة ، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم هناك ، ولا تدهشهم الأهوال … " . هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث التى وردت فى سؤال القبر ، منها قوله قال البخارى حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، أخبرنى علقمة بن مرثد قال سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " " المسلم إذا سئل فى القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة " . وقوله { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ } بيان لسوء عاقبة أصحاب المثل الثانى وهم الكافرون . أى ويخلق فيهم الضلال عن الحق بسبب إيثارهم الكفر على الإيمان . { وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } فعله ، عن تثبيت من يريد تثبيته ، وإضلال من يريد إضلاله ، حسبما تقتضيه إرادته وحكمته ، لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مصير الجاحدين الذين قابلوا نعم الله بالكنود والجحود ، وأمر المؤمنين بأداء ما كلفهم به - سبحانه - من عبادات وقربات ، وساق لهم ألوانا من الآلاء التى تفضل بها على عباده ، فقال - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ … } .