Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 77-83)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالغيب فى قوله - سبحانه - { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } ما لا تدركه الحواس ، ولا تحيط بكنهه العقول لأنه غائب عن مدارك الخلائق . والكلام على حذف مضاف ، والتقدير لله - تعالى - وحده ، علم جميع الأمور الغائبة عن مدارك المخلوقين ، والتى لا سبيل لهم إلى معرفتها لا عن طريق الحس ، ولا عن طريق العقل . ومن كانت هذه صفته ، كان مستحقا للعبادة والطاعة ، لا تلك المعبودات الباطلة التى لا تعلم من أمرها أو من أمر غيرها شيئا . وقوله - سبحانه - { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } بيان لسرعة نفاذ أمره بدون مهلة . والساعة فى الأصل اسم لمقدار قليل من الزمان غير معين . والمراد بها هنا يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال . وسمى يوم القيامة بالساعة لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما يقع فيه من حساب أو لأنه على طوله زمنه يسير عند الله - تعالى - . واللمح النظر الذى هو فى غاية السرعة . يقال لمحه لمحا ولمحانا إذا رآه بسرعة فائقة ، ولمح البصر التحرك السريع لطرف العين من جهة الى جهة ، أو من أعلى إلى أسفل . و " أو " هنا للتخيير بالنسبة لقدرة الله - تعالى - أو للإِضراب . أى ولله - سبحانه - وحده علم جميع ما غاب فى السماوات والأرض من أشياء ، وما أمر قيام الساعة فى سرعته وسهولته ، وما يترتب عليه من إماتة وإحياء ، وحساب ، وثواب وعقاب … ما أمر ذلك كله إلا كتحرك طرف العين من جهة إلى جهة ، أو هو - أى أمر قيامها - أقرب من ذلك وأسرع ، بحيث يكون فى نصف هذا الزمان أو أقل من ذلك ، لأن قدرته لا يعجزها شئ ، قال - تعالى - { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . والمقصود من هذه الجملة الكريمة بيان سرعة تأثير قدرة الله - عز وجل - متى توجهت إلى شئ من الأشياء . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يؤكد شمول قدرته فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى إن الله - تعالى - لا يعجز قدرته شئ سواء أكان هذا الشئ يتعلق بأمر قيام الساعة فى أسرع من لمح البصر … أم بغير ذلك من الأشياء . ثم ساق - تعالى - بعد ذلك أنواعا من نعمه على عباده فقال { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } . أى والله - تعالى - وحده هو الذى أخرجكم - أيها الناس - من بطون أمهاتكم إلى هذه الدنيا ، وأنتم لا تعلمون شيئا لا من العلم الدنيوى ولا من العلم الدينى ، ولا تعرفون ما يضركم أو ينفعكم ، والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً … } وجملة { لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } حال من الكاف فى { أخرجكم } . وقوله - سبحانه - { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } نعمة ثانية من نعمة الله - سبحانه - التى لا تحصى . أى أن من نعمة الله - تعالى - أنه أخرجكم من بطون أمهاتكم - بعد أن مكثتم فيها شهورا تحت كلاءته ورعايته - وأنتم لا تعرفون شيئا ، وركب فيكم بقدرته النافذة ، وحكمته البالغة ، { السمع } الذى تسمعون به ، والبصر الذى بواسطته تبصرون ، { والأفئدة } التى عن طريقها تعقلون وتفقهون ، لعلكم بسبب كل هذه النعم التى أنعمها عليكم ، تشكرونه حق الشكر ، بأن تخلصوا له العبادة والطاعة ، وتستعملوا نعمه فى مواضعها التى وجدت من أجلها . قال الجمل وجملة { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ … } ابتدائية ، أو معطوفة على ما قبلها ، والواو لا تقتضى ترتيبا ، فلا ينافى أن هذا الجعل قبل الإِخراج من البطون . ونكتة تأخيره - أى الجعل - أن السمع ونحوه من آلات الادراك ، إنما يعتد به إذا أحس الإِنسان وأدرك وذلك لا يكون إلا بعد الإِخراج . وقدم السمع على البصر ، لأنه طريق تلقى الوحى ، أو لأن إدراكه أقدم ، من إدراك البصر . وإفراده - أى السمع - باعتبار كونه مصدرا فى الأصل … وقال الإِمام ابن كثير " وهذه القوى والحواس تحصل للإِنسان على التدريج قليلا قليلا حتى يبلغ أشده . وإنما جعل - تعالى - هذه الحواس فى الإِنسان ليتمكن بها من عبادة ربه ، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه كما جاء فى صحيح البخارى عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول تعالى - " من عادى لى وليا فقد بارزنى بالحرب . وما تقرب إلى عبدى بشئ أفضل مما افترضت عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ، وبصره الذى يبصر به ، ويده التى يبطش بها ، ورجله التى يمشى بها ، ولئن سألنى لأعطينه ، ولئن دعانى لأجيبنه ولئن استعاذ بى لأعيذنه ، وما ترددت فى شئ أنا فاعله ترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولا بد له منه " . فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة ، صارت أفعاله كلها لله ، فلا يسمع إلا لله ، ولا يبصر إلا لله أى لما شرعه الله له … وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } ثم حض - سبحانه - عباده على التفكر فى مظاهر قدرته فقال - تعالى - { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ . . } . والطير جمع طائر كركب وراكب . و { مسخرات } من التسخير بمعنى التذليل والانقياد أى ألم ينظر هؤلاء الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى فى العبادة ، إلى الطيور وهن يسبحن فى الهواء المتباعد بين الأرض والسماء ، ما يمسكهن فى حال قبضهن وبسطهن لأجنحتهن إلا الله - تعالى - ، بقدرته الباهرة ، وبنواميسه التى أودعها فى فطرة الطير . إنهم لو نظروا نظر تأمل وتعقل ، لعلموا أن المسخر لهن هو الله الذى لا معبود بحق سواه وفى قوله - تعالى - { مسخرات } إشارة إلى أن طيرانها فى الجو ليس بمقتضى طبعها ، وإنما هو بتسخير الله تعالى لها وبسبب ما أوجد لها من حواس ساعدتها على ذلك ، كالأجنحة وغيرها . وأضاف - سبحانه - الجو إلى السماء لارتفاعه عن الأرض ، ولإظهار كمال قدرته - سبحانه - . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . أى إن فى ذلك التسخير والتذليل للطير على هذه الصفة { لآيات } بينات على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته ، { لقوم يؤمنون } بالحق ، ويفتحون قلوبهم له ويسمون بأنفسهم عن التقليد الباطل . ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا من النعم ، منها ما يتعلق بنعمة المسكن فقال - تعالى - { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً … } . قال القرطبى قوله - تعالى - { جعل لكم } معناه صير ، وكل ما علاك فأظلك فهو سقف وسماء ، وكل ما أقلك فهو أرض ، وكل ما سترك من جهاتك الأربع فهو جدار ، فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت ، وهذه الآية فيها تعديد نعم الله تعالى على الناس فى البيوت وقوله { سكنا } أى تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة … والحق أن نعمة السكن فى البيوت والاستقرار فيها ، والشعور بداخلها بالأمان والاطمئنان ، هذه النعمة لا يقدرها حق قدرها ، إلا أولئك الذين فقدوها ، وصاروا يعيشون بلا مأوى يأويهم ، أو منزل يجمع شتاتهم . والتعبير بقوله عز وجل { سكنا } فيه ما فيه من السمو بمكانة البيوت التى يسكنها الناس . فالبيت مكان السكينة النفسية ، والراحة الجسدية ، هكذا يريده الإِسلام ، ولا يريده مكانا للشقاق والخصام ، لأن الشقاق والخصام ينافى كونه { سكنا } . والبيت له حرمته التى جعل الإسلام من مظاهرها ، عدم اقتحامه بدون استئذان ، وعدم التطلع إلى ما بداخله ، وعدم التجسس على من بداخله . وصيانة حرمة البيت - كما أمر الاسلام - تجعله { سكنا } آمنا ، يجد فيه أصحابه كل ما يريدون من الراحة النفسية والشعورية . وقوله - تعالى - { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } بيان لنعمة أخرى تتمثل فى البيوت الخفيفة المتنقلة ، بعد الحديث عن البيوت الثابتة المستقرة . والأنعام جمع نعم . وتشمل الإِبل والبقر والغنم ، ويدخل فى الغنم المعز . والظعن بسكون العين وفتحها التحول والانتقال والرحيل من مكان إلى آخر طلبا للكلأ ، أو لمساقط الغيث ، أو لغير ذلك من الأغراض . أى ومن نعمه أيضا أنه أوجد لكم من جلود الأنعام بيوتا { تستخفونها } أى تجدونها خفيفة { يوم ظعنكم } أى يوم سفركم ورحيلكم من موضع إلى آخر { ويوم إقامتكم } فى مكان معين بحيث يمكنكم أن تنصبوها لترتاحوا بداخلها ، بأيسر السبل ، وذلك كالقباب والخيام والأخبية ، وغير ذلك من البيوت التى يخف حملها . ثم ختم - سبحانه - الآية بإبراز نعمة ثالثة ، تتمثل فيما يأخذونه من الأنعام فقال - تعالى - { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } . والأثاث متاع البيت الكثير ، وأصله من أث الشئ - بفتح الهمزة وتشديد الثاء مع الفتح - إذا كثر وتكاتف ، ومنه قول الشاعر . @ وفرع يزين المتن أسودَ فاحمٍ أثيثٍ كقنو النخلة المتعثكل @@ ويشمل جميع أصناف المال كالفرش وغيرها . والمتاع ما يتمتع به من حوائح البيت الخاصة كأدوات الطعام والشراب ، فيكون عطف المتاع على الأثاث من عطف الخاص على العام . وقيل هما بمعنى واحد . والعطف لتنزيل تغاير اللفظ بمنزله تغاير المعنى . أى ومن أصواف الغنم ، وأوبار الإِبل ، وأشعار المعز ، تتخذون لأنفسكم { أثاثا } كثيرا تستعملونه فى مصالحكم المتنوعة ، كما تتخذون من ذلك ما تتمتعون به فى بيوتكم وفى معاشكم { إلى حين } أى إلى وقت معين قدره الله - تعالى - لكم فى تمتعكم بهذه الأصواف والأوبار والأشعار . وبعد الحديث عن نعمة البيوت والأنعام جاء الحديث عن نعمة الظلال والجبال واللباس ، فقال - تعالى - { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً … } . والظلال جمع ظل ، وهو ما يستظل به الإِنسان . أى والله - تعالى - بفضله وكرمه جعل لكم ما تستظلون به من شدة الحر والبرد ، كالأبنية والأشجار ، وغير ذلك من الأشياء التى تستظلون بها . وقوله - تعالى - { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً … } نعمة ثانية . والأكنان جمع كِن - بكسر الكاف - وأصله السُّتْرَةُ ، والجمع أكنان وأَكِنَّة ، ومنه قوله - تعالى - { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ … } أى فى أستار وأغطية فلا يصل إليها قولك … والمراد بالأكنان هنا المغارات والأسراب والكهوف المنحوتة فى بطون الجبال . أى وجعل لكم - سبحانه - من الجبال مواضع تستترون فيها من الحر أو البرد أو المطر ، أو غير ذلك من وجوه انتفاعكم بتلك الأكنان . وقوله - سبحانه - { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } نعمة ثالثة . والسرابيل جمع سربال وهى كل ما يتسربل به أى يلبسه الناس للتستر والوقاية كالقمصان والثياب والدروع وغيرها . أى وجعل لكم من فضله وكرمه ملابس تتقون بها ضرر الحر وضرر البرد ، وملابس أخرى هى الدروع وما يشبهها - تتقون بها الضربات والطعنات التى تسدد إليكم فى حالة الحرب . وقال - سبحانه - { تقيكم الحر } مع أنها تقى من الحر والبرد ، اكتفاء بذكر أحد الضدين عن الآخر ، أو اكتفى بذكر الحر لأنه الأهم عندهم ، إذ من المعروف أن بلاد العرب يغلب عليها الحر لا البرد . قال صاحب الكشاف لم يذكر البرد ، لأن الوقاية من الحر أهم عندهم ، وقلما يهمهم البرد لكونه يسيرا محتملا ، وقيل ما يقى من الحر يقى من البرد ، فدل ذكر الحر على البرد . وقال القرطبى قال العلماء فى قوله - تعالى - { وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } دليل على اتخاذ الناس عدة الجهاد ليستعينوا بها على قتال الأعداء . وقد لبسها النبى صلى الله عليه وسلم فى حروبه … ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } أى كذلك الإِتمام السابغ للنعم التى أنعم بها - سبحانه - على عباده يتم نعمته عليكم المتمثلة فى نعم الدين والدنيا ، لعلكم بذلك تسلمون وجوهكم لله - عز وجل - ، وتدخلون فى دين الإِسلام عن اختيار واقتناع ، فإن من شاهد كل هذه النعم ، لم يسعه إلا الدخول فى الدين الحق . ثم سلى الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه فقال { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } . وجواب الشرط محذوف ، والتقدير فإن استمر هؤلاء المشركون فى إعراضهم عن دعوتك بعد هذا البيان والامتنان ، فلا لوم عليك ، فأنت عليك البلاغ الواضح ونحن علينا محاسبتهم ، ومعاقبتهم بما يستحقون من عقاب . وقوله - سبحانه - { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } استئناف مسوق لبيان الموقف الجحودى الذى وقفه المشركون من نعم الله - تعالى - . والمراد بالكفر فى قوله - تعالى - { وأكثرهم الكافرون } الستر لنعم الله عن معرفة لها ، وغمطها عن تعمد وإصرار . أى إن هؤلاء المشركين ، يعرفون نعم الله التى عددها فى هذه السورة ، كما أنهم يعترفون بأن خالقهم وخالق السماوات والأرض هو الله ، ولكنهم ينكرون هذه النعم بأفعالهم القبيحة ، وأقوالهم الباطلة ، كقولهم هذه النعم من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا الأصنام ، أو كقولهم هذه النعم ورثناها عن آبائنا . وجاء التعبير بثم لاستبعاد الإِنكار بعد المعرفة بالنعم ، فإن من شأن العالم بالنعمة أن يؤدى الشكر لمسديها ، وأن يستعملها فيما خلقت له . وقوله { وأكثرهم الكافرون } أى وأكثر هؤلاء الضالين . جاحدون لنعم الله عن علم بها لا عن جهل ، وعن تذكر لا عن نسيان . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } قال صاحب فتح البيان وعبر هنا بالأكثر فى قوله - تعالى - { وأكثرهم الكافرون } والمراد الكل ، لأنه قد يذكر الأكثر ويراد به الجميع ، أو أراد بالاكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم ، أو أراد كفر الجحود ، ولم يكن كفر كلهم كذلك ، بل كان كفر أقلهم عن جهل ، وكفر أكثرهم بسبب تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم عنادا أو حسدا . … وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من نعم الله - تعالى - على عباده ، وأدلة متعددة على وحدانيته وقدرته ، وجانبا من موقف الكافرين من هذه النعم . ثم تحدثت السورة الكريمة بعد ذلك عن حال الظالمين يوم القيامة وعن الأقوال التى يقولونها عندما يرون أصنامهم فى هذا اليوم العصيب … قال تعالى { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } .