Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-89)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما بين حال القوم ، أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها ، وذكر أيضا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد ، فذكر حال يوم القيامة فقال { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً … } وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإِنكار ، وبذلك الكفر ، والمراد بهؤلاء الشهداء الأنبياء ، كما قال - تعالى - { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } والمعنى واذكر - أيها العاقل لتعتبر وتتعظ - { يَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ } أى جماعة من الناس ، { شهيدا } يشهد للمؤمن بالإِيمان ويشهد على الكافر بالكفر . قال ابن عباس شهيد كل أمة نبيها يشهد لهم بالإِيمان والتصديق ، وعليهم بالكفر والتكذيب . وقوله { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } بيان للمصير السيئ الذى ينتظر هؤلاء الكافرين يوم القيامة . أى ثم لا يؤذن للذين كفروا يوم القيامة فى الاعتذار ، عما كانوا عليه فى الدنيا من عقائد زائفة ، وأقوال باطلة ، وأفعال قبيحة ، كما قال - تعالى - فى سورة أخرى { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } أو المعنى ثم لا يؤذن لهم فى الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من عقائد سليمة وأعمال صالحة ، لأنهم قد تركوها ولا عودة لهم إليها . أى ثم لا يؤذن لهم فى الكلام ، بعد أن ثبت بطلانه ، وقامت عليهم الحجة والتعبير بثم للاشعار بأن مصيبتهم بسبب عدم قبول أعذارهم ، أشد من مصيبتهم بسبب شهادة الأنبياء عليهم . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى " ثم " هذه ؟ . قلت معناها أنهم يبتلون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها ، وهو أنهم يمنعون الكلام ، فلا يؤذن لهم فى إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة . وقوله - سبحانه - { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } تيئيس آخر لهم فى الحصول على شئ من رحمة الله - تعالى - . أى لا يؤذن لهم فى الاعتذار ، ولا يقبل منهم أن يزيلوا عتب ربهم ، أى غضبه وسخطه عليهم ، لأن العتاب إنما يطلب لأجل معاودة الرضا من العاتب ، وهؤلاء قد انسد عليهم هذا الطريق ، لأن الله - تعالى - قد سخط عليهم سخطا لا مجال لإِزالته ، بعد أن أصروا على كفرهم فى الدنيا وماتوا على ذلك . قال القرطبى قوله { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أى لا يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون . وأصل الكلمة من العَتْب - بفتح العين وسكون التاء - وهى الموجدة . يقال عَتَب عليه يُعتِب ، إذا وجد عليه ، فإذا فاوضه فيما عتب عليه فيه ، قيل عاتبه ، فإذا رجع الى مسرتك فقد أعتب ، والاسم العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب . قال النابغة @ فإن كنتُ مظلوما فعبدا ظلمتَه وإن كنتَ ذا عُتْبَى فمثلك يُعتِبُ @@ وبذلك ترى الآية الكريمة قد نفت عن الذين كفروا قبول أعذارهم ، وقبول محاولتهم إرضاء ربهم عما كانوا عليه من كفر وزيغ فى الدنيا . ثم نفى - سبحانه - عنهم - أيضا - تخفيف العذاب أو تأخيره فقال { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } . أى وإذا أبصر الذين ظلموا العذاب الذى أعد لهم فى الآخرة بسبب ظلمهم وكفرهم فى الدنيا ، فزعوا وخافوا ، ولكن خوفهم وفزعهم لن يغير من الأمر شيئا ، إذ لا يخفف عنهم العذاب بسبب خوفهم أو فزعهم ولا هم يمهلون أو يؤخرون عنه . وعلق - سبحانه - الرؤية بالعذاب ، للإشعار بأن فجيعتهم الكبرى كانت عند إبصاره ومشاهدته . ثم حكى سبحانه بعض ما يدور بينهم وبين معبوداتهم الباطلة يوم القيامة ، فقال - تعالى - { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ … } . قال القرطبى " قوله - تعالى - { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } أى أصنامهم وأوثانهم التى عبدوها ، وذلك أن الله يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار . وفى صحيح مسلم " من كان يعبد شيئا فليتبعه " فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت … " . وقال الآلوسى " والمراد بشركائهم كل من اتخذوه شريكا له - عز وجل - من صنم ، ووثن ، وشيطان ، وآدمى ، وملك … وإضافتهم إلى ضمير المشركين لهذا الاتخاذ - أى لاتخاذهم إياهم شركاء لله فى العبادة - أو لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم " . أى وإذا أبصر المشركون يوم القيامة شركاءهم الذين أشركوهم مع الله - تعالى - فى العبادة ، { قالوا } أى المشركون على سبيل التحسر والتفجع يا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا فى الدنيا نعبدهم من دونك ، ونتقرب بهم إليك ، فلا تجعل يا ربنا العذاب علينا وحدنا بل خففه أو ارفعه عنا فهؤلاء الشركاء هم الذين أضلونا . قال أبو مسلم ومقصود المشركين بهذا القول إحالة الذنب على تلك الأصنام تعللا بذلك واسترواحا ، مع كونهم يعلمون أن العذاب واقع بهم لا محالة ، ولكن الغريق يتعلق بكل ما تقع يده عليه . وقوله - تعالى - { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } حكاية لما رد به الشركاء على المشركين . أى فرد أولئك الشركاء من الأصنام وغيرها على المشركين بقولهم إنكم لكاذبون - أيها المشركون - فى إحالتكم الذنب علينا ، فإننا ما دعوناكم لعبادتنا ، ولا أجبرناكم على الإِشراك بالله - تعالى - ، ولكنكم أنتم الذين اخترتم هذا الطريق المعوج ، تقليدا لآبائكم واستجابة لأهوائكم وشهواتكم ، وإيثارا للباطل على الحق وما رد به الشركاء على المشركين هنا ، قد جاء ما يشبهه فى آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } وقوله - تعالى - { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ … } قال القرطبى وقوله - تعالى - { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ … } أى ألقت إليهم الآلهة القول ، أى نطقت بتكذيب من عبدها . بأنها لم تكن آلهة ، ولا أمرتهم بعبادتها ، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار . وقال الجمل فإن قلت كيف أثبت للأصنام نطقا هنا ، ونفاه عنها فى قوله - تعالى - فى سورة الكهف { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ … } فالجواب أن المثبت لهم هنا النطق بتكذيب المشركين فى دعوى عبادتهم لها ، والمنفى عنهم فى الكهف النطق بالإِجابة إلى الشفاعة لهم ودفع العذاب عنهم فلا تنافى . والتعبير بقوله - تعالى - { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ … } يشعر بأن الشركاء قد ردوا على المشركين قولهم بسرعة وبدون إبطاء حيث أتى - سبحانه - بالفاء فى قوله { فألقوا } واشتملت جملة { إنكم لكاذبون } على جملة من المؤكدات ، لإِفحام المشركين ، وتكذيبهم فى قولهم تكذيبا قاطعا لا يحتمل التأويل . ولذا وجدنا المشركين يعجزون عن الرد على شركائهم ، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } . أى وألقى المشركون يوم القيامة { السلم } أى الاستسلام والخضوع والانقياد ، لقضاء الله - تعالى - العادل فيهم ، وغاب وذهب عنهم ما كانوا يفترونه ويزعمونه فى الدنيا من أن آلهتهم ستشفع لهم ، أو ستنفعهم يوم القيامة . وقيل إن الضمير فى قوله - تعالى - { وألقوا } يعود على المشركين وشركائهم . أى . استسلم العابدون والمعبدون وانقادوا لحكم الله الواحد القهار فيهم . ثم بين - سبحانه - مصير الذين لم يكتفوا بالكفر ، بل ضموا إليه رذائل أخرى فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } أى الذين لم يكتفوا بكفرهم ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم { صدوا } غيرهم ومنعوه { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى عن اتباع الصراط المستقيم ، والطريق القويم وهو طريق الإِسلام … هؤلاء الأشقياء الذين فعلوا ذلك { زدناهم عذابا } شديدا { فوق العذاب } الذى يستحقونه { بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } أى بسبب فسادهم فى الأرض وكفرهم بالحق ، وصدهم الناس عن اتباعه . وهذه الزيادة فى عذابهم ، وردت آثار عن بعض الصحابة فى بيانها . ومن ذلك ما روى عن ابن مسعود - رضى الله عنه - أنه قال " زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال ينهشونهم فى جهنم " . قال ابن كثير وهذا دليل على تفاوت الكفار فى عذابهم ، كما يتفاوت المؤمنون فى منازلهم فى الجنة ودرجاتهم . ثم أكد - سبحانه - أمر البعث ، وأنه آت لا ريب فيه ، فقال - تعالى - { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } . والمراد بالشهيد هنا كل نبى بعثه الله - تعالى - لأمة من الأمم السابقة كنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وغيرهم من الأنبياء السابقين - عليهم الصلاة والسلام - . والظرف { يوم } متعلق بمحذوف تقديره اذكر . والمعنى واذكر - أيها العاقل لتتعظ وتعتبر - يوم القيامة - يوم نبعث فى كل أمة من الأمم السابقة ، نبيها الذى أرسل إليها فى الدنيا ، ليشهد عليها الشهادة الحق ، بأن يشهد لمؤمنها بالإِيمان ، ولكافرها بالكفر . وقوله - سبحانه - { من أنفسهم } أى من جنسهم وبيئتهم ، ليكون أتم للحجة ، وأقطع للمعذرة ، وأدعى إلى العدالة والإنصاف . قال الآلوسى ولا يرد لوط - عليه السلام - فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم - أيضا - . وقال ابن عطية يجوز أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الأنبياء - عليهم السلام - . وقد قال بعض الصحابة إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة . وقوله - سبحانه - { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التشريف والتكريم . أى وجئنا بك - أيها الرسول الكريم - يوم القيامة شهيدا على هؤلاء الذين أرسلك الله - تعالى - لإِخراجهم من الظلمات إلى النور . وإيثار لفظ المجئ على البعث ، لكمال العناية بشأنه صلى الله عليه وسلم . قال ابن كثير قوله { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } يعنى أمتك . أى اذكر ذلك اليوم وهوله ، وما منحك الله فيه من الشرف العظيم ، والمقام الرفيع . وهذه الآية شبيهة بالآية التى انتهى إليها " عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة النساء فلما وصل إلى قوله - تعالى - { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " حسبك " . فقال ابن مسعود فالتفت فإذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان . أى بالدموع … " . والمراد بشهادته على أمته صلى الله عليه وسلم تصريحه بأنه قد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح لأمته ، وتزكيته لأعمال الصالحين منها ، ورجاؤه من الله - تعالى - فى هذا اليوم العصيب أن يغفر للعصاة من هذه الأمة . ويرى بعضهم أن المراد بهؤلاء فى قوله { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } أى على الأنبياء السابقين وأممهم . ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه هو الظاهر من معنى الجملة الكريمة ، ولأن آية سورة النساء { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } تؤيده . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان ما أنزله عليه من وحى فيه الشفاء للصدور ، والموعظة للنفوس فقال - تعالى - { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } . والتبيان مصدر يدل على التكثير . قالوا ولم يجئ من المصادر على هذه الزنة إلا لفظان لفظ التبيان ، ولفظ التلقاء . أى { ونزلنا عليك } - أيها الرسول الكريم - { الكتاب } الكامل الجامع وهو القرآن الكريم { تبيانا } . أى بيانا بليغا شاملا { لكل شئ } على سبيل الإِجمال تارة ، وعلى سبيل التفصيل تارة أخرى . وقوله { وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } صفات أخرى للكتاب . أى أنزلنا عليك القرآن ليكون تبيانا لكل شئ وليكون هداية للناس إلى طريق الحق والخير ، ورحمة لهم من العذاب ، وبشارة لمن أسلموا وجوههم لله - تعالى - وأحسنوا القول والعمل ، لا لغيرهم ممن آثروا الكفر على الإِيمان ، والغىّ على الرشد . قال الجمل ما ملخصه وقوله { تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } أى بيانا بليغا ، فالتبيان أخص من مطلق البيان على القاعدة أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى . وهذا التبيان إما فى نفس الكتاب ، أو بإحالته على السنة لقوله - تعالى - { … وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } أو بإحالته على الاجماع كما قال - تعالى - { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ … } أو على القياس كما قال { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } والاعتبار النظر والاستدلال اللذان يحصل بهما القياس . فهذه أربعة طرق لا يخرج شئ من أحكام الشريعة عنها ، وكلها مذكورة فى القرآن ، فكان تبيانا لكل شئ فاندفع ما قيل كيف قال الله - تعالى - { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } ونحن نجد كثيرا من أحكام الشريعة لم يعلم من القرآن نصا ، كعدد ركعات الصلاة ، ومقدار حد الشرب ، ونصاب السرقة وغير ذلك … وبعد أن مدح - سبحانه - القرآن الكريم ، بأن فيه تبيان كل شئ ، وأنه هداية ورحمة وبشرى للمسلمين ، أتبع ذلك بآيات كريمة أمرت المسلمين بأمهات الفضائل ، وبجماع مكارم الأخلاق ، ونهتهم عن الفواحش والرذائل لتكون كالدليل على ما فى هذا الكتاب من تبيان وهدى ورحمة فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ … } .