Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 98-100)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمراد بقوله - تعالى - { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ … } أى فإذا أردت قراءته . فالكلام على حذف الإِرادة ، وذلك لأن المعنى الذى طلبت من أجله الاستعاذة وهو دفع وسوسة الشيطان يقتضى أن يبدأ القارئ بها - أى بالاستعاذة - قبل القراءة لا بعدها وشبيه بهذه الآية فى حذف الإِرادة لدلالة المقام عليها قوله - تعالى - { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ … } أى إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا . وقوله - تعالى - { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } أى أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا . والمعنى فإذا أردت - أيها المسلم - قراءة القرآن { فاستعذ بالله } أى فاستجر بالله ، والتجئ إلى حماه { مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } . قال ابن كثير " والشيطان فى لغة العرب ، كل متمرد من الجن والإِنس والدواب وكل شئ ، وهو مشتق من شطن بمعنى بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير … " . والرجيم بزنة فعيل بمعنى مفعول . أى أنه مرجوم ومطرود من رحمة الله - تعالى - . قال بعض العلماء وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة ، مع أنه قد أمر بها على وجه العموم فى جميع الشئون ، لأن القرآن مصدر هداية ، والشيطان مصدر ضلال ، فهو يقف للإنسان بالمرصاد فى هذا الشأن على وجه خاص ، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يفيد من قراءته ، وفيما يقصد بها ، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته . فعلمنا الله - تعالى - أن نتقى ذلك كله بهذه الاستعاذة التى هى فى الواقع عنوان صادق ، وتعبير حق ، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله . وقوة عزيمته فى طرد الشيطان ووساوسه ، واستقبال هدايته بقلب طاهر ، وعقل واع وإيمان ثابت . وكيفية الاستعاذة أن يقول القارئ عند إرادة قراءته للقرآن ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقد تضافرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة . قال الآلوسى . وروى الثعلبى والواحدى " أن ابن مسعود قرأ عن النبى صلى الله عليه وسلم فقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم " يابن أم عبد ، قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأنى جبريل … " . وقال صاحب تفسير آيات الأحكام والأمر بها - أى بالاستعاذة - للندب عند الجمهور . وعن الثورى أنها واجبة . وظاهر الآية يؤيده ، إذ الأمر للوجوب . والجمهور يقولون إنه صرفها عن الوجوب ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للأعرابى - أى الذى سأله عن كيفية الصلاة - وأيضا فقد روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يتركها . … ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن وسوسة الشيطان لا أثر لها على المؤمنين الصادقين فقال - تعالى - { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أى إن الشيطان مهما تمرد وعتا فإنه { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } أى ليس له تسلط واستيلاء واستحواذ بالقهر والغلبة ، على نفوس الذين آمنوا بالله - تعالى - حق الإِيمان والذين هم عليه - تعالى - وحده يتوكلون ويعتمدون لا على غيره . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } وقوله - تعالى - { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } وبعد أن نفى - سبحانه - أن يكون للشيطان سلطان على نفوس المؤمنين الصادقين ، أثبت - سبحانه - أن تسلط الشيطان إنما هو على نفوس الضالين ، فقال - تعالى - { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } . أى إنما تسلط الشيطان وتأثيره على الضالين الفاسقين الذين { يتولونه } أى يتقربون منه ، ويجعلونه واليا عليهم ، فيحبونه ويطيعونه ويتبعون خطواته . فقوله { يتولونه } من الوَلْى - بفتح الواو وسكون اللام - بمعنى القرب والنصرة وقوله { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } أى والذين هم بسبب الشيطان وإغوائه لهم ، مشركون مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة . فالضمير فى " به " يعود إلى الشيطان ، والباء للسببية . ويرى بعضهم أن الضمير فى " به " يعود على الله - تعالى ، وأن الباء للتعدية ، فيكون المعنى إنما سلطان الشيطان على الذين يطيعونه ، والذين هم بالله - تعالى - مشركون . قالوا ، والأول أرجح لاتحاد الضمائر فيه ، ولأنه هو المتبادر إلى الذهن . وبذلك نرى الآيات الكريمة ، تأمر المؤمنين بأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ، عند قراءتهم للقرآن الكريم ، كما نراها تبشرهم بأنه لا سلطان للشيطان عليهم ما داموا معتصمين بحبل الله - تعالى - ومنفذين لأوامره ، ومعتمدين عليه . ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك بعض الأقاويل التى قالها المشركون عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم ، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال تعالى { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ … } .